آيات من القرآن الكريم

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

جاءت الآية الأخيرة كخاتمة تعقيبية للصورة التي احتوتها الآيات: فالذي يتوب إلى الله ويؤمن ويعمل صالحا فهو الذي يمكن أن ينجو من هذا الموقف العسير.
والمتبادر أن الآيات في جملتها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والفزع في نفوس الكفار من المصير الرهيب الذي سوف يصيرون إليه، والحرج الشديد الذي سوف يواجهونه يوم القيامة، وحملهم على الارعواء والتوبة إلى الله تعالى، وهم في متسع من الوقت حتى يضمنوا لأنفسهم النجاح والفلاح في ذلك اليوم، وهذا مما ظل يتكرر في مختلف المواقف والمناسبات على اعتبار أنه الهدف الجوهري من الرسالة النبوية.
ولقد قال بعض المفسرين «١» إن المقصود من جملة حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ هم الشياطين الذين وسوسوا للناس وأغووهم حتى أشركوهم مع الله تعالى في العبادة والدعاء. كما قال بعضهم «٢» إنهم أئمة الكفر ورؤوس الضلالة الذين حرّضوا العامة على الكفر فأطاعوهم. والجملة تتحمل كلا التأويلين. ونحن نرجح الثاني استئناسا بآية في البقرة تحكي براءة المتبوعين من التابعين يوم القيامة كما تحكيها هذه الآيات وهي إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) بل إن في سورة الصافات آيات تؤيد ترجيحنا بقوة وهي وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣).
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٨ الى ٧٠]
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي والزمخشري.
(٢) المصدر نفسه.

صفحة رقم 337

(١) الخيرة: بمعنى الاختيار. وتكون بمعنى المختار من الأشخاص والأشياء.
في الآيات تقريرات ربانية وجّه الخطاب فيها للنبي ﷺ من قبيل الالتفات الانتقالي، والضمير في «لهم» عائد إلى الكفار الذين هم موضوع الكلام السابق.
وهي والحالة هذه معطوفة على ما قبلها واستمرار للسياق. فالله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار ما يشاء وليس للكفار أن يختاروا ويطلبوا ما يرغبون. وهو يعلم ما تخفي صدورهم وما يعلنون. وهو الذي لا إله إلّا هو المستحق للحمد في كل وقت وله الحكم في كل شيء وإليه يرجع الناس جميعا.
تعليق على جملة وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
وقد قال بعض المفسرين «١» إن الآية الأولى بسبيل تقرير حصر الخلق والاختيار لله بصورة مطلقة ونفي قدرة الاختيار عن غيره.
وقال بعضهم «٢» إنها بسبيل تقرير أن الله تعالى يختار لعباده ما هو الأصلح ويختار لرسالته من هو الأصلح، وإنه ليس للكفار أن يرغبوا ويختاروا شيئا أو شخصا فيفعل الله ما يرغبون فيه ويختارونه، وإن في الآية ردّا على الكفار الذين كانوا يعترضون على اختيار محمد ﷺ ويقولون إنه كان الأولى أن يختار واحدا من العظماء وينزل عليه القرآن وهو ما حكته عنهم آية سورة الزخرف هذه وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١).

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير ابن كثير.
(٢) انظر تفسير البغوي والزمخشري.

صفحة رقم 338
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية