آيات من القرآن الكريم

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﰿ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

وضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام فإنا نحفظهم ونزيد في إكرامهم، ولا نجعلهم عرضة لتسلط أحد عليهم، بل نحميهم ونرزقهم ونؤمنهم في ديارهم، قال تعالى «وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ» أيها الناس «فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا» التي تتمتعون بها أياما قليلة «وَزِينَتُها» تتزينون بها لأجل معلوم، ثم تنقضي هي وما جمعتموه منها «وَما عِنْدَ اللَّهِ» من النعيم الدائم في الدار الباقية «خَيْرٌ» لكم من متاع الدنيا الفانية «وَأَبْقى» وأدوم منه والدائم خير من الفاني «أَفَلا تَعْقِلُونَ» ٦٠ ذلك قال ابن عباس جعل الله أهل الدنيا ثلاثة أصناف: المؤمن والمنافق والكافر، فالمؤمن يتزود، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع، ثم قرأ هذه الآية
قال تعالى «أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً» هو الجنة التي لا أحسن منها ذات النعيم الدائم «فَهُوَ لاقِيهِ» نائله لا محالة ومصادفه في حياته وصائر إليه عند مماته «كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا» القريبة الزوال «ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ» ٦١ بين يدي الله في الموقف العظيم فيحاسب على ما أصابه في الدنيا، كيف جمعه، وفيم أنفقه، ولم أبقاه ولم يؤد حقه، ثم يقذف في النار، وحينئذ يندم ولات ساعة مندم، ويريد الفرار ولات حين فرار، ولهذا جاء لفظ المحضرين في خاتمة هذه الآية وفي قوله تعالى (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) الآية ١٣٧ من الصافات في ج ٢ لدلالتها على هذا المعنى، ويكون الإحضار في ذلك الموقف لأجل مناقشة الحساب وترتيب العقاب، قيل إن هذه الآية نزلت في رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفي أبي جهل لعنه الله، أو في علي وحمزة رضي الله عنهما، وفي أبي جهل، أو في مطلق مؤمن وكافر، وهذا أولى، لأن الصيغة عامة، وهي من قبيل ضرب المثل، وحمل اللفظ على عمومه إذا لم يكن هناك مخصص أولى، حتى أن صيغة آية (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) المارة عامة في كلى من أحب رسول الله إيمانه من العرب وأهل الكتابين والصابئين والمجوس أيضا، لأنه كان يحب الإيمان لأهل الأرض كلهم، وهي جارية في عمومها إذ لم يثبت ما يخصصها في أبي طالب كما ذكرنا لك آنفا فإنه لو ثبت تخصيصها فرضا فلا ينفي عمومها لغيره، لأن العبرة دائما لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، قال تعالى «وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ» الله

صفحة رقم 389

عز وجل أو مناديه المأمور بذلك «فَيَقُولُ» للمشركين «أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» ٦٢ في الدنيا أنهم شركاء معي في ملكي، وانهم واسطة نفعكم وضركم الذين كنتم تتضرعون بهم زلفى وتزعمون أن لهم يدا عندنا، ومفعول زعم الأول محذوف تقديره تزعمونهم، والثاني محذوف أيضا تقديره شركائي، لأن زعم يتعدى إلى مفعولين جائز حذفهما، قال في الكشاف: يجوز حذف المفعولين في باب ظن ولا يصح الاقتصار على أحدهما، وقال أبو حيان: إذا دل دليل على أحدهما جاز حذفه كقوله:

كان لم يكن بين إذا كان بعده تلاق ولكن لا إخال تلاقيا
أي لا إخال بعد البين تلاقيا، قال تعالى «قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» الوارد في الآية؟؟؟ من سورة السجدة في ج ٢، أي الواجب عليهم العذاب بما جنت أيديهم، وهم المعبودون والرؤساء الكافرون الذين كانوا يأتمرون بأمرهم، وينتهون بنهيهم «رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا» أي أتباعنا الذين دعوناهم للغواية أَغْوَيْناهُمْ» باختيارهم ورضاهم لا بطريق القسر حتى تؤاخذ عليه، وذلك أن الضال المضل له كفلان من العذاب، كفل على ضلاله، وكفل على إضلاله، راجع تفسير الآيتين ٢٥ و ١٨ من سورة النحل في ج ٢، لذلك تبرأوا منهم وعدوهم كأنفسهم بقولهم «كَما غَوَيْنا» نحن باختيارنا ورغبتنا «تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ» الآن إذ ظهر خطأنا فيه «ما كانُوا» هؤلاء «إِيَّانا يَعْبُدُونَ» ٦٣ بل عبدوا شهواتهم راجع الآية ١٦٧ من سورة البقرة في ج ٣ «وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ» من الأصنام والنجوم والنار والحيوان وغيرها «فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ»
لأن الله ختم على أفواه الناطقين منهم ولم يجعل قوة التكلم في الجمادات منها، فأيسوا مما كانوا يتوقعونه من شفاعتهم «وَرَأَوُا الْعَذابَ» المهيأ لهم هناك على سوء أعمالهم وهؤلاء الخاسرون «لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ» ٦٤ في الدنيا لما حل بهم ذلك العذاب ولكنهم ضلوا فحاق بهم ضلالهم «وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ» واذكر يا سيد الرسل لقومك يوم يسألهم في ذلك الموقف «فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ» ٦٥ حين دعوكم إلى الإيمان ورفض الأوثان «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ» خفيت عليهم

صفحة رقم 390

الأخبار واشتبهت عليهم الأعذار ووقعوا في حيرة «يَوْمَئِذٍ» يوم يلقى عليهم هذا السؤال «فَهُمْ» كلهم مشغولون بأنفسهم «لا يَتَساءَلُونَ» ٦٦ بعضهم مع بعض عما وقع منهم بالدنيا، بل يسكتون يعلوهم الذل والوجل رجاء أن تكون لهم حجة أو عذر عند الله يلقى في قلوبهم صورته، لأن ذلك الموقف يذمل فيه كل الخلق ومنهم الأنبياء لشدة هوله، فيفوضون فيه الجواب عما يسألون عنه إلى علام الغيوب مع نزاهتهم عن غائلة السؤال عنه، فما ظنك بأولئك الضلال؟ وقرىء فعميّت بالتشديد، قال تعالى «فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً» في دنياه «فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ» ٦٧ في الدار الآخرة، وعي هنا للتحقيق أي وجب أن يكونوا من الناجحين السعداء بفضل الله وحسن أعمالهم وأما من كان على العكس فوجب أن يكونوا من الخاسرين المعذبين بعدل الله وسوء أعمالهم «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ» من الأعيان والاعراض، والوقف على يختار لا على يشاء وهو معطوف على يخلق، فلا يخلق شيئا بلا اختيار، وهو أعلم بوجود الحكمة فيما يختاره، وهؤلاء المخلوقون كلهم «ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» التّخير في شيء من أمرهم، كالطيرة بمعنى النظير، بل لله الخيرة عليهم (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).
مطلب نفي الاختيار عن العبد:
هذا، وفي ظاهر هذه الآية نفي الاختيار عن العبد رأسا كما يقوله الجبرية ومن أثبت للعبد اختيارا قال إنه لكونه بالدواعي التي لو لم يخلقها الله تعالى فيه لم يكن كان في حيز العدم، وهذا مذهب الأشعري على ما حققه الإمام العلامة الدّواني، قال الذي أثبته الأشعري هو تعلق قدرة العبد وإرادته الذي هو سبب عادي لخلق الله تعالى الفعل فيه وإذا فتشنا عن مبادئ الفعل وجدنا الإرادة منبعثة عن شوق له ورغبة فيه، وتصور له وقصد، وهذا هو الاختيار، والمعنى والله أعلم، أن هؤلاء الذين يقترحون عليك الاقتراحات ويتمنون الأماني كما حكى الله عنهم في الآية ٦ فما بعدها من سورة الفرقان المارّة وغيرها لا يليق بهم أن يتجاوزوا على الله ويتحكموا في طلباتهم لأن الكلام مسبوق لتجهيل المشركين في اختيارهم ما أشركوه بالله واصطفائهم إياه للعبادة والشفاعة لهم يوم القيامة، كما يرمز إليه قوله آنفا (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ). أما

صفحة رقم 391

ما قيل ان هذه الآية نزلت ردا على قول الوليد بن المغيرة (لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) الآية ٣١ من الزخرف في ج ٢ فغير وجيه لأن هذه الآية لم تنزل بعد ولم يتفوّه بمقالته هذه بعد، وكذلك ما قيل إنها نزلت ردا لقول اليهود: (لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به) كما سنفصّله في الآية ٣٨ من سورة البقرة في ج ٣، لأن هذه الآية مكية بالاتفاق وليس بين اليهود وحضرة الرسول أخذ ورد في مكة، ولا يصح جعل ما في قوله تعالى (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) موصولة باعتبارها مفعولا ليختار، أي يجعل الوقف على ما يشاء والابتداء بقوله ويختار وتسليطه على ما باعتبارها مفعولة، وعليه يكون المعنى ويختار الذي فيه الخير والصلاح لهم على أن يكون ذلك الاختيار بطريق التفضل والكره عند أهل السنة والجماعة، وبطريق الوجوب عند المعتزلة، بل ما في الآية نافية، لأن اللغة لا تساعد أن تكون الخيرة بمعنى الخير، ولأن قوله تعالى بعد «سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» لا يناسب المقام، كما أنه لا يناسب ما قبله وهو (يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ) على الإطلاق لأن في حصره بالأصلح قيدا والله منزه عن القيد، ولأن فيه حذف العائد إذا جعلت ما بمعنى الذي، فيحتاج الى ضمير يعود اليه، إذ لاتتم الآية، ولا يوجد، ولمخالفته ظاهر الآية، تدبر، قال تعالى «وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ» تخفيه من عداوة لك يا محمد «وَما يُعْلِنُونَ» ٦٩ منها فيما بينهم من قولهم هلا اختار الله غير هذا للنبوة، قاتلهم الله ما كان لهم الخيرة من أمرهم، فكيف يتمنون على الله الأماني ويعترضون عليه، راجع تفسير الآية ١٣٤ من سورة الأنعام في ج ٢ «وَهُوَ اللَّهُ» المستأثر بالإلهية والاختيار وحده وجملة «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» تقرير لاختصاصه بها كقولك القبلة الكعبة لا قبلة غيرها، لا كقولهم الحج عرفة، لأن عرفة معظم الحج لا كله وهذا الإله المنزّه المنفرد بالألوهية المتصرف بجميع ما في الكون ناميه وجامده، جوهره وعرضه «لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى» أي الدنيا لأنها قبل الآخرة «وَالْآخِرَةِ» لكونها بعد الدنيا، أما البرزخ الكائن بينهما فهو حاجز غير حصين لانتهائه بها، ومن هذا الحمد قول السعداء في الجنة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) الآية ٣٣

صفحة رقم 392
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية