
لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُون (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)
شرح الكلمات:
ويوم يناديهم: أي الرب سبحانه وتعالى.
كنتم تزعمون: أي أنهم شركاء لي فعبدتموهم معي.
حق عليهم القول: أي بالعذاب في النار وهم أئمة الضلال.
أغويناهم: أي فغووا ولم نكرههم على الغي.
تبرأنا إليك: أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم.
وقيل ادعوا شركاءكم: نادوهم ليخلصوكم مما أنتم فيه.
لو أنهم كانوا يهتدون: أي لما رأوا العذاب ودّوا لو أنهم كانوا في الدنيا من المهتدين.
ويوم يناديهم: أي الله تبارك وتعالى.
فعميت عليهم الأنباء: أي فخفيت عليهم الأنباء التي يمكنهم أن يحتجوا بها.
فهم لا يتساءلون: أي انقطعوا عن الكلام.
فأما من تاب وآمن: أي آمن بالله ورسوله وتاب من الشرك.
وعمل صالحا: أدى الفرائض والواجبات.
فعسى أن يكون من المفلحين: أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة، وعسى من الله تعالى لا تفيد مجرد الرجاء بل هي لتحقق الموعود به.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله واذكر يوم ينادي (١) ربك هؤلاء المشركين وقد ماتوا على شركهم فيقول لهم

﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أي أنهم شركائي هذا سؤال تقريع وتأنيب والتقريع والتأنيب ضرب من العذاب الروحي الذي هو أشد من العذاب الجثماني. وقوله تعالى ﴿قَالَ الَّذِينَ (١) حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ أي نطق الرؤساء من أئمة الضلال وهم الذين حق عليهم العذاب في نار جهنم ﴿رَبَّنَا (٢) هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا﴾ ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾ فغووا ﴿كَمَا غَوَيْنَا (٣) ﴾ أي ما أكرهناهم على الغواية، ﴿تَبَرَّأْنَا (٤) إِلَيْكَ﴾ أي منهم. ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ بل كانوا يعبدون أهواءهم لا غير. وقوله: ﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ﴾ يقال للمشركين تهكّما بهم واستهزاء، ﴿ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ﴾ أي لينصروكم ويخلصوكم مما أنتم فيه من الذل والهوان.
قال تعالى: ﴿فَدَعَوْهُمْ﴾ بالفعل نادوا ﴿فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ إذ لا يقدر واحد من الإنس أو الجن أن يقول هذا كان يعبدني، بل كل معبود يتبرأ ممن عبده كما قالوا في الآية قبل ذي تبرأنا إليك أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم وقوله تعالى: ﴿وَرَأَوُا الْعَذَابَ﴾ بأعينهم فاشتدت حسرتهم وودوا لو أنهم كانوا في الدنيا من المهتدين. وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ أي ربهم قائلا: ﴿مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ ؟ أخبرونا كيف كان موقفكم مع من أرسلنا إليكم؟ هل آمنتم بهم واتبعتموهم أم كذبتموهم وحاربتموهم قال تعالى: ﴿فَعَمِيَتْ (٥) عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ﴾ أي فخفيت عليهم الأخبار التي يمكنهم أن يحتجوا بها فلم يجدوا حجة واحدة ولذا ﴿فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُون﴾ أي لا يسأل بعضهم بعضاً لأنه سقط في أيديهم وعلموا أنهم صالوا الجحيم لا محالة. وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ (٦) ﴾ من هؤلاء المشركين اليوم من الشرك وآمن بالله ولقائه ورسوله وعمل صالحا فأدى الفرائض والواجبات ﴿فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة، فهذه دعوة سخية لكل مشرك وكافر وفاسق أن يتخلى عن الباطل المتلبس به ويؤمن الإيمان الصحيح ويعمل صالحا بأداء الفرائص فإنه ينجو من النار ويدخل الجنة دار الأبرار فهل من تائب؟!.
٢ - هذا النداء المراد به الاستعطاف والاسترحام.
٣ - أي: أضللناهم كما كنا ضالين، وذلك أنهم دعوهم إلى عبادتهم فعبدوهم، ولذا قال قتادة: هؤلاء هم الشياطين، وقيل: هم الرؤساء، والكل صحيح.
٤ - (تبرأنا) أي: تبرأ الشياطين والرؤساء ممن عبدوهم أو عبدوا غير الله بدعوتهم وتزينيهم، وأنكروا أنهم كانوا يعبدونهم.
٥ - خفيت الأنباء على جميع المسؤولين فسكتوا كلهم إذ لم يروا جوابا ينفع في هذا الموقف الرهيب.
٦ - هذه الفاء الفصيحة كأن سائلاً قال بعد أن عرف حال المشركين في النار: وما حال غيرهم يا ترى؟ فأجيب بأن من تاب من الشرك وعمل صالحا بأداء الفرائض ففلاحه العظيم واجب له متأكد.