آيات من القرآن الكريم

قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ

هذا، ومما احتواه الفصل من الموعظة والعبرة ذكر ما كان من عاقبة فرعون وجنوده وإغراقهم بسبب بغيهم وفسادهم وظلمهم، وتوكيد خسرانهم يوم القيامة ولعنهم في الدنيا والآخرة، والتنويه بالكتاب الذي آتاه الله تعالى موسى عليه السلام ليكون بصائر للناس وهدى ورحمة بعد أن طال عليهم الأمر وخلت من قبلهم القرون وكون الله تعالى جريا على عادته أرسل محمدا ﷺ بعد أن تتابعت القرون من بعد موسى رحمة بخلقه الذين طال عليهم العمر وفترة النذر لينذرهم لعلهم يهتدون.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٧ الى ٥١]
وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١)
(١) لولا: الأولى إما بمعنى لئلا أو للاستدراك. والثانية والثالثة بمعنى هلا للتحدي.
(٢) سحران تظاهرا: قرئت أيضا ساحران تظاهرا، والجملة تعني محمدا وموسى عليهما السلام أو ما جاءا به من آيات ومعجزات، فهما ساحران أو سحران يؤيد أحدهما الآخر أو يماثل أحدهما الآخر.
(٣) الظالمين: هنا بمعنى المجرمين أو الباغين أو المنحرفين عن الحق.
(٤) ولقد وصلنا لهم القول: بمعنى أبلغنا إليهم القول بالدعوة والإنذار متصلا بعضه ببعض. والضمير عائد إلى سامعي القرآن الأولين كما هو المتبادر.

صفحة رقم 319

الآيات [٤٧- ٤٩] تتضمن تقرير كون الله تعالى إنما أرسل محمدا ﷺ لأن قومه لو أصابتهم مصيبة ربانية بسبب ضلالهم وكفرهم لتظلموا وقالوا إننا لا نعرف طريق الحق ولو جاءنا رسول من الله تعالى لاتبعناه وآمنا به ونجونا من المصيبة، فلما جاءهم الحق من عند الله تعالى على لسان النبي ﷺ كابروا وعاندوا وطلبوا أن يأتيهم بما أتى به موسى من قبل في حين أنهم قد كفروا بالمبادئ التي أتى بها موسى من قبل، ولما بهتوا بهذه الحجة الدامغة لم يكن منهم إلّا أن اشتدوا في اللجاج وقالوا إن ما جاء به موسى عليه السلام وما جاء به محمد ﷺ سحر يظاهر بعضه بعضا ويماثل بعضه بعضا وإنا كافرون بكل منها. وقد أمر النبي ﷺ بأن يتحداهم إزاء موقفهم المتناقض ومكابرتهم مع قيام الحجة والإلزام وعليهم بأن يأتوا بكتاب من عند الله أهدى مما جاء به هو وموسى عليه السلام قبله إن كانوا صادقين، وبأن يعلن استعداده للإيمان به إذا ما جاءوا به.
وقد تضمنت الآية [٥٠] خطابا للنبي ﷺ بأنهم إذا لم يستجيبوا إلى التحدي فيكون قد علم أنهم قد أقاموا الدليل على أنهم إنما يتبعون أهواءهم ويلقون بالقول جزافا بغير علم ولا سند، وإنه ليس من أحد أشد ضلالا ممن يتبع هواه، ويقول ما يقول بغير علم ولا هدى من الله، وإن هذا هو شأن الظالمين الباغين الذين لا يستحقون عطف الله وعنايته وتوفيقه، أو الذين لا يمكن أن يوفقهم الله ويمنحهم عنايته. ثم جاءت الآية [٥١] لتقرر أن الله إنما أنزل القرآن على نبيه ويسّر لهم سماعه وأوصله إليهم فصلا بعد فصل لعلهم يتذكرون فتنفعهم الذكرى ويهتدون.
تعليق على آيات وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ وما بعدها
وقد روى المفسرون في سياق هذه الآيات أن كفار قريش أرسلوا إلى يهود المدينة يسألونهم عن أمر النبي ﷺ فأجابوهم بصفته وصدقه وأن ما يتلقاه هو من الله تعالى كما كان شأن نبيهم موسى عليه السلام. وأن الكفار مع ذلك كابروا وقالوا إن موسى ومحمدا عليهما السلام ساحران، وإن ما جاءا به سحر وإنا

صفحة رقم 320

كافرون بكليهما. ومن المفسرين من روى أن اليهود أوعزوا إلى كفار قريش بأن يطلبوا من النبي ﷺ أن يأتيهم بمثل ما أتي به موسى عليه السلام، بل منهم من روى أن جملة إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) هي كلام كفار قريش واليهود معا، وهو غريب «١».
ومهما يكن من أمر هذه الروايات واحتمال صحة شيء منها فالذي يتبادر لنا أن الآيات لم تنزل منفصلة عمّا سبقها وبسبب الروايات مباشرة وأن هذا الفصل وما سبقه بما في ذلك فصول القصة وما لحقها كل هذا كان بمثابة تعقيب على مشهد حجاجي وجاهي بين النبي ﷺ وبين فريق من الكفار، وأن رسالة موسى عليه السلام ومعجزاته مما كان من مواضيع الحجاج. وإذا صح هذا الذي تقويه نصوص الآيات بدا في هذا الفصل أسلوب من أساليب التنزيل والنظم القرآني. وإلا فإنه يكون حكاية حال فريق من كفار العرب أو حكاية ما يمكن أن يقولوه ويحاجوا به من مثل هذه الأقوال. وقد حكي مثل ذلك في سور أخرى منها سورة طه في آياتها الأخيرة.
وهذا لا يمنع أن يكون كفار قريش قد سألوا اليهود عن النبي ﷺ فشهدوا بصدقه وقالوا إنه يتلقى عن الله عز وجل كما كان يتلقى نبيهم موسى عليه السلام على ما جاء في الرواية الأولى. وفي القرآن المكي آيات عديدة فيها استشهاد بأهل الكتاب وشهادة بأن رسالة النبي عليه السلام حق، وصلته بالله تعالى صادقة مما أوردنا أمثلة منه في سياق تفسير آية سورة الأعراف [١٥٧] ومنه آية في سورة الأحقاف حكي فيها شهادة وإيمان أحد بني إسرائيل على سبيل تحدي الكفار وهي قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) ومنه الآيات التالية لهذه الآيات والتي من المحتمل جدّا أن يكون فيها ترديد وتسجيل لهذا الجواب مع إيمان الذين آمنوا به. والإلزام والإفحام والتنديد في الآيات قوي نافذ. والآيتان الأوليان والآية

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والطبرسي والزمخشري.

صفحة رقم 321

الأخيرة بسبيل الإعذار والإنذار، حتى لا يكون للناس على الله حجة. وقد انطوى في ذلك ما تكرر تقريره من حكمة إرسال الرسل وكون مهمتهم هي الإنذار. كذلك انطوى في التحدي الذي أمرت الآية [٤٩] النبي عليه السلام بتوجيهه إلى الكفار والتقرير الذي تبعه في الآية [٥٠] توقع العجز عن إجابة التحدي ولذلك حملت بقية الآية [٥٠] على الكفار حملة قوية مستحكمة.
وفي التنديد بالذين يتبعون أهواءهم غير مستندين إلى حق وعلم ويجحدون الحق عنادا ومكابرة تلقين قرآني مستمر المدى في تقبيح هذا الخلق والتحذير منه.
مما تكرر كثيرا في القرآن ومرّ منه أمثلة عديدة.
وفي تحدي الكفار النبي ﷺ بأن يأتي بما أتى به موسى دلالة على أنهم لم يكونوا يجهلون قصص موسى عليه السلام ورسالته إلى فرعون ومعجزاته. وهذا يؤيد ما قلناه غير مرة من أن القصص القرآنية لم تكن مجهولة من السامعين، وإنها من أجل ذلك جاءت في القرآن لتكون موضوع عظة وعبرة وتمثيل، ولم تأت للقصة ذاتها.
تعليق على جملة إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)
وبمناسبة ورود هذه الجملة لأول مرة نقول إن هذه الجملة تكررت في سور أخرى مكية ومدنية كما تكرر أمثالها مثل وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ المائدة [١٠٨] وإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ
المائدة [٦٧] ووَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ يوسف [٥٢] وإِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ يونس [٨١].
وقد أوّلنا الجملة الأولى هنا بما أوّلناها به في شرح الآيات لأنها تضمنت تقرير كون حرمان الله الظالمين من توفيقه وهداه وعطفه وعنايته قد ترتب على ما اقترفوه واتصفوا به وارتكسوا فيه من الظلم والانحراف عن جادة الحق والهدى عقوبة لهم. وهذا ينسحب على أمثال الجملة في السور الأخرى.

صفحة رقم 322
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية