
يعني القرآن ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ المصدقين بتوحيد الله (١). والمعنى: لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة لكفرهم. وجواب ﴿لَوْلَا﴾ محذوف؛ تقديره ما ذكرنا (٢).
وقال مقاتل في تقدير الجواب: لأصابتهم مصيبة (٣).
قال الزجاج: أي: لولا ذلك لم نحتج إلى إرسال الرسول، ومواترة الاحتجاج (٤).
٤٨ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا﴾ قال ابن عباس: جاءهم محمد -صلى الله عليه وسلم- (٥). قال مقاتل: يعني القرآن (٦).
قال أبو إسحاق: أي: فلما جاءت الحجة القاطعة التي كان يجوز أن يعتلوا بتأخرها عنهم ﴿قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ أي: هلا أوتي محمد من الآيات مثلَ ما أوتي موسى من العصا واليد، وغير ذلك. قاله ابن عباس (٧).
وقال مقاتل: هلا أعطي محمد القرآن جملة واحدة {مِثْلَ مَا أُوتِيَ
(٢) قال الثعلبي ٨/ ١٤٨ ب: جواب ﴿لَوْلَا﴾ محذوف، أي: لعاجلناهم بالعقوبة.
(٣) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب.
(٤) هكذا في النسخ الثلاث، وكذا في "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤٧؛ أي: متابعة الاحتجاج. والله أعلم.
(٥) "تفسير ابن جرير" ٢٠/ ٨٣، والثعلبي ٨/ ١٤٨ ب، ولم ينسباه.
(٦) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤٧، ولم ينسبه. أخرج ابن جرير ٢٠/ ٨٣، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٨٤، عن مجاهد: يهود تأمر قريشًا أن تسأل محمدًا مثل ما أوتي موسى.

مُوسَى} التوراة جملة واحدة (١).
قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ أي: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من التوراة (٢) قبل القرآن. يعني: كفار مكة احتج الله عليهم لما قالوا: هلا أوتى محمد مثل ما أوتى موسى؟ بكفرهم بما أوتي موسى. أي: فقد كفروا بآيات موسى، كما كفروا بآيات محمد، و ﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ قال الكلبي: وذلك أنهم بعثوا رهطًا إلى يهود المدينة يسألونهم عن بعث محمد وشأنه! فقالوا: إنا نجده في التوراة بنعته وصفته، فرجع الرهط إليهم، وأخبروهم بقول اليهود، فقالوا عند ذلك: ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ (٣).
وقرئ (سَاحِرَانِ) (٤) وهو اختيار أبي عبيدة؛ لقوله: ﴿تَظَاهَرَا﴾ أي: تعاونا، والمعاونة إنما تكون في الحقيقة للساحرين، لا للسحرين (٥)،
(٢) في نسخة: (أ)، (ب): أي: أولم يكفروا بتوراة موسى.
(٣) ذكره الثعلبي ٨/ ١٤٩ أ، عن الكلبي. وظاهر هذا أن الآية خطاب لكفار قريش، وفيها التشنيع عليهم بكفرهم بموسى عليه الصلاة والسلام، وهذا بعيد، والأقرب ما أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٨٣، عن مجاهد في تفسير هذه الآية: يقول الله لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: قل لقريش يقولوا لهم، أي: لليهود: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل.
(٤) قرأ عاصم وحمزة والكسائي: ﴿سِحْرَانِ﴾ ليس قبل الحاء ألف، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (سَاحِرَانِ) بألف قبل الحاء. "السبعة في القراءات" ٤٩٥، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤٢٣، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٤١.
(٥) ذكر هذا التوجيه أبو علي في "الحجة" ٥/ ٤٢٣، ولم ينسبه لأبي عبيد؛ وإنما نسبه له الثعلبي ٨/ ١٤٩ أ.

والتظاهر بالناس وأفعالهم أشبه. قال ابن عباس: يريدون: موسى وهارون. وهو قول سعيد بن جبير (١).
وروى مسلم بن يسار عن ابن عباس قال: يعنون: موسى ومحمدًا صلى الله عليهما وسلم، وهو قول الحسن (٢). ومن قرأ: ﴿سِحْرَانِ﴾ أراد: الكتابين (٣).
قال مقاتل: يعنون التوراة والقرآن (٤). وهو قول عكرمة والكلبي (٥). وعلى هذا معنى: ﴿تَظَاهَرَا﴾ تعاونا على الضلالة (٦)؛ كأن المعنى: كل سِحرٍ منهما يقوي الآخر، ويتفقان، فنسب التظاهر إلى السحرين على الاتساع (٧).
(٢) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٨٣، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٨٥، عن ابن عباس، من طريق: مسلم بن يسار. وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٩٢، عن الكلبي. وذكره الفراء، ولم ينسبه، وصدره بـ: يقال. "معاني القرآن" ٢/ ٣٠٦. واقتصر عليه النيسابوري، في "وضح البرهان" ٢/ ١٥٣.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤٢٣.
(٤) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب. وذكره الثعلبي ٨/ ١٤٩ أ، ولم ينسبه.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٩٢، عن الكلبي، وهو في "تنوير المقباس" ٣٢٨. وأخرج عبد الرزاق ٢/ ٩٢، رواية تخالف ما ذكر عن عكرمة؛ فعن مجاهد قال: سألت ابن عباس وهو بين الركن والباب، في الملتزم، وهو متكئ على يد عكرمة مولاه، فقلت: أسحران، أم ساحران قال: فقلت ذلك مرارًا، فقال عكرمة: ساحران، اذهب أيها الرجل، أكثرت عليه. وأخرج القول بأن المراد بهما: القرآن والتوراة، ابن جرير ٢٠/ ٨٤، عن ابن عباس، وابن زيد.
(٦) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب. و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٠٧.
(٧) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤٢٣.