آيات من القرآن الكريم

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

الموضع إلا العهد الذي ذكره في مواضع، فالذي خلص من تأويل هذا الفصل على ما درجنا: أنه -عز وجل- ذكر امتنانه على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه لما بعث موسى نبيًا ورسولًا إلى فرعون، أعلمه في ذلك الوقت أنه يبعث من ولد إسماعيل نبيًا، وأنه أخذ بعد ذلك على أمته عهدًا أن يؤمنوا به، وأن العلة في كفرهم به بعد أخذ العهد إنشاؤه منهم قرنًا بعد قرن، فتطاول العمر عليهم حتى نسوا ذلك، وتهاونوا به فلم يؤمنوا.
وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا﴾ أي: مقيمًا في أهل مدين (١)، كمقام موسى وشعيب فيهم ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ تذكرهم بالوعد والوعيد.
قال مقاتل: يقول لم تشهد أهلَ مدين فتقرأ على أهل مكة خبرَهم ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ أرسلناك إلى أهل مكة (٢)، وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها.
قال أبو إسحاق: المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء، ولا تُليت عليك، ولكنا أوحيناها إليك، وقصصناها عليك (٣).
٤٦ - قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾ قال مقاتل: يعني: بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليمًا (٤) ﴿إِذْ نَادَيْنَا﴾ قال ابن عباس: إن الله تعالى وتبارك نادى: يا أمة محمد أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم

(١) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٠٧. و"غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٣٣، و"تفسير ابن جرير" ٢٠/ ٨١، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤٦. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٤٨ أ. وقال مقاتل ٦٦ ب: شاهدا.
(٢) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤٧.
(٤) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب.

صفحة رقم 407

قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، ورحمتكم قبل أن تسترحموني. ونحو هذا روي عن أبي زُرْعة بن عمرو بن جرير موقوفًا عليه (١). وروي عنه عن أبي هريرة مثل ما ذكرنا عن ابن عباس (٢).
قال وهب: وذلك أن موسى لما ذكرَ الله له فضل محمد وأمته، قال: يا رب أرينيهم، قال الله: إنك لن تدركهم، وإن شئت ناديتُ أمته فأسمعتُك صوتَهم، قال: بلى يا رب، فقال الله تعالى: يا أمة محمد، فأجابوه من أصلاب آبائهم، ثم قال الله تعالى: قد أجبتكم قبل أن تدعوني (٣)، كما ذكر ابن عباس.
وقال مقاتل بن حيان: ﴿إِذْ نَادَيْنَا﴾ أمتك وهم في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بُعثتَ (٤).

(١) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٩١، عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، رفع الحديث هكذا في تفسير عبد الرزاق. وأخرج ابن جرير ٢٠/ ٨١، والثعلبي ٨/ ١٤٨ ب، من كلام أبي زرعة. وأبو زُرعة، قيل اسمه: هرم، وقيل: عمرو، وقيل غير ذلك، ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البَجلي، الكوفي، من الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن وابن سيرين، ثقة. "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٨، و"تقريب التهذيب" ١١٤٨. ولا يصح رفع هذا الحديث كما هي رواية عبد الرزاق لأنه برفعه يكون الحديث مرسلاً. والصواب: وقفه، كما قال الواحدي. والله أعلم.
(٢) أخرجه النسائي في "تفسيره" ٢/ ١٤٣، رقم: ٤٠١، موقوفًا على أبي هريرة من طريق أبي زرعة، وكذا الحاكم ٢/ ٤٤٣، رقم: ٣٥٣٥، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. ومن طريق أبي زرعة أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٨١، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٤٨ ب، من كلام وهب بن منه.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٨٣.

صفحة رقم 408
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية