
الموضع إلا العهد الذي ذكره في مواضع، فالذي خلص من تأويل هذا الفصل على ما درجنا: أنه -عز وجل- ذكر امتنانه على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه لما بعث موسى نبيًا ورسولًا إلى فرعون، أعلمه في ذلك الوقت أنه يبعث من ولد إسماعيل نبيًا، وأنه أخذ بعد ذلك على أمته عهدًا أن يؤمنوا به، وأن العلة في كفرهم به بعد أخذ العهد إنشاؤه منهم قرنًا بعد قرن، فتطاول العمر عليهم حتى نسوا ذلك، وتهاونوا به فلم يؤمنوا.
وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا﴾ أي: مقيمًا في أهل مدين (١)، كمقام موسى وشعيب فيهم ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ تذكرهم بالوعد والوعيد.
قال مقاتل: يقول لم تشهد أهلَ مدين فتقرأ على أهل مكة خبرَهم ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ أرسلناك إلى أهل مكة (٢)، وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها.
قال أبو إسحاق: المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء، ولا تُليت عليك، ولكنا أوحيناها إليك، وقصصناها عليك (٣).
٤٦ - قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾ قال مقاتل: يعني: بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليمًا (٤) ﴿إِذْ نَادَيْنَا﴾ قال ابن عباس: إن الله تعالى وتبارك نادى: يا أمة محمد أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم
(٢) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤٧.
(٤) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب.

قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، ورحمتكم قبل أن تسترحموني. ونحو هذا روي عن أبي زُرْعة بن عمرو بن جرير موقوفًا عليه (١). وروي عنه عن أبي هريرة مثل ما ذكرنا عن ابن عباس (٢).
قال وهب: وذلك أن موسى لما ذكرَ الله له فضل محمد وأمته، قال: يا رب أرينيهم، قال الله: إنك لن تدركهم، وإن شئت ناديتُ أمته فأسمعتُك صوتَهم، قال: بلى يا رب، فقال الله تعالى: يا أمة محمد، فأجابوه من أصلاب آبائهم، ثم قال الله تعالى: قد أجبتكم قبل أن تدعوني (٣)، كما ذكر ابن عباس.
وقال مقاتل بن حيان: ﴿إِذْ نَادَيْنَا﴾ أمتك وهم في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بُعثتَ (٤).
(٢) أخرجه النسائي في "تفسيره" ٢/ ١٤٣، رقم: ٤٠١، موقوفًا على أبي هريرة من طريق أبي زرعة، وكذا الحاكم ٢/ ٤٤٣، رقم: ٣٥٣٥، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. ومن طريق أبي زرعة أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٨١، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٤٨ ب، من كلام وهب بن منه.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٨٣.