آيات من القرآن الكريم

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ

والثاني- قال مالك: إنه ينعقد دون شهود لأنه عقد معاوضة، فلا يشترط فيه الإشهاد، وإنما يشترط فيه الإعلان والتصريح، وفرق ما بين النكاح والسفاح: الدّفّ.
- ٥- عودة موسى عليه السلام إلى مصر ونبوته
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٩ الى ٣٢]
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢)
الإعراب:
أَنْ يا مُوسى أَنْ مفسرة لا مخففة في موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر، وتقديره: بأن يا موسى.
وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ معطوف على قوله: أَنْ يا مُوسى.

صفحة رقم 93

فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ تَهْتَزُّ جملة فعلية، في موضع الحال من الهاء والألف في رَآها أي مهتزة مشبهة جانا. وَلَّى: أصله وَلَّى فتحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبها ألفا، وهو جواب «لمّا». ومُدْبِراً حال من ضمير وَلَّى وعامله وَلَّى. ولَمْ يُعَقِّبْ جملة فعلية في موضع نصب على الحال من ضمير وَلَّى وهو العامل فيها أيضا.
فَذانِكَ بُرْهانانِ مبتدأ وخبر، وذان: تثنية ذا، قرئ بتخفيف النون وتشديدها، والتشديد عوض عن حذف ألف ذا التي كانت في الواحد.
البلاغة:
تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ تشبيه مرسل مجمل، حذف فيه وجه الشبه، فصار مجملا.
وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ كناية، كنى بالجناح عن اليد لأنها للإنسان كالجناح للطائر.
المفردات اللغوية:
قَضى... الْأَجَلَ أتم المدة المحددة المتفق عليها بينهما، وهو رعيه عشر سنين وَسارَ بِأَهْلِهِ زوجته بإذن أبيها نحو مصر، روي أنه قضى أقصى الأجلين، ثم عزم على الرجوع آنَسَ أبصر من بعيد مِنْ جانِبِ الطُّورِ من الجهة التي تلي الطور: وهو اسم لجبل في سينا بِخَبَرٍ عن الطريق، وكان قد أخطأها أَوْ جَذْوَةٍ جمرة ملتهبة أو عود غليظ في رأسه نار تَصْطَلُونَ تستدفئون.
مِنْ شاطِئِ الْوادِ من جانب الْأَيْمَنِ لموسى فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ المكان الذي بارك الله فيه لموسى لسماعه كلام الله فيها مِنَ الشَّجَرَةِ بدل من شاطئ بدل الاشتمال لأنها كانت نابتة على الشاطئ، وهي شجرة عناب أو عليق أو عوسج أَنْ يا مُوسى أي يا موسى تَهْتَزُّ تتحرك كَأَنَّها جَانٌّ الجانّ: الحية الصغيرة التي توجد في الدور ولا تؤذي، أي تشبه الحية في الهيئة والجثة، أو السرعة، أو الجني في سرعة الحركة وعظم الخلقة وَلَّى مُدْبِراً أدبر هاربا منهزما منها من الخوف وَلَمْ يُعَقِّبْ لم يرجع يا مُوسى أي نودي يا موسى إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ من المخاوف، فإنه لا يخاف لدي المرسلون.
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ أي أدخلها في طوق قميصك وأخرجها مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي عيب كبرص ونحوه وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع مِنَ الرَّهْبِ الخوف الحاصل من إضاءة اليد، بأن تدخلها في جيبك (فتحة القميص من جهة الرأس) وعبر عن اليد بالجناح لأنها للإنسان كالجناح للطائر.

صفحة رقم 94

فَذانِكَ أي العصا واليد بُرْهانانِ دليلان مرسلان، أو حجتان فاسِقِينَ خارجين عن حدود الله، فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم.
المناسبة:
بعد أن أتم موسى عليه السلام أوفى الأجلين، عزم على العودة إلى مصر، لزيارة أقاربه، وبينا هو في الطريق، وكانت الليلة باردة شاتية، أبصر من ناحية جبل الطور نارا، فطلب من أهله المكث في مكانهم، ليحضر لهم جذوة نار، فناداه ربه، وآتاه النبوة والرسالة.
التفسير والبيان:
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ... لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي فلما أكمل الأجلين وأتمهما وهو رعي غنم شعيب عشر سنين، وهذا مستفاد أيضا من الآية الكريمة حيث قال تعالى فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ أي الأكمل منهما، وأن ذلك الإيناس حصل عقيب مجموع الأمرين، وليس فقط عقيب أحدهما، وهو قضاء الأجل.
وسار إلى ما يريد مع أهله أي زوجته، أبصر نارا تضيء على بعد من ناحية جبل الطور، فطلب من أهله المكوث في مكانهم حتى يذهب إلى النار، فيأتي من أهلها بخبر الطريق أو بقطعة أو شعلة من النار ليستدفئوا بها من البرد، وذلك لأنه سار في ليلة مظلمة مطيرة باردة، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى منفردا مع أهله.
وخاطب أهله بقوله: امْكُثُوا بصيغة الجمع للتعظيم. وقوله:
بِخَبَرٍ فيه دلالة على أنه ضل الطريق، وقوله: لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فيه دلالة على البرد.
فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أي فلما وصل إلى مكان وجود النار التي

صفحة رقم 95

رآها من بعيد، ناداه ربه من جانب الوادي الأيمن، أي عن يمين موسى من ناحية الغرب، كما قال تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ [القصص ٢٨/ ٤٤] مما يدل على أنه قصد النار إلى جهة القبلة، والجبل الغربي عن يمينه.
ناداه ربه في البقعة المباركة من ناحية الشجرة: يا موسى، إني أنا الله رب العالمين، إني أنا ربك فاخلع نعليك، إنك بالوادي المقدس طوى، أي الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين، الفعال لما يشاء، لا إله غيره، ولا رب سواه، تنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله.
ووصف البقعة بكونها مباركة، لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة، وتكليم الله تعالى إياه. ومن الأولى: مِنْ شاطِئِ والثانية: مِنَ الشَّجَرَةِ لابتداء الغاية، أي أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة.
وقد خلق الله تعالى في موسى أثناء ذلك علما يقينيا بأن ذلك الكلام هو كلام الله، وسمع الكلام القديم من الله تعالى، لا من الشجرة، على رأي أبي الحسن الأشعري، وسمع الصوت والحرف المخلوق في الشجرة والمسموع منها، على رأي أبي منصور الماتريدي.
ثم أيده بمعجزتين هما:
أولا- وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ، فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ، وَلَّى مُدْبِراً، وَلَمْ يُعَقِّبْ أي ونودي بأن ألق عصاك التي في يدك، فألقاها فصارت حية تسعى، فعرف وتحقق أن الذي يكلمه ويخاطبه هو الذي يقول للشيء: كُنْ فَيَكُونُ فلما رآها تتحرك وتضطرب كأنها جان من الحيات أو ثعبان، لسرعة حركتها، أو شبهها بالجانّ من حيث الاهتزاز والحركة، لا من حيث المقدار، ولّى هاربا ولم يرجع ولم يلتفت إلى ما وراءه لأن طبع البشر ينفر من ذلك.

صفحة رقم 96

فهدّأ الحق تعالى روعه قائلا:
يا مُوسى، أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ، إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ أي يا موسى ارجع إلى مكانك أو مقامك الأول، ولا تخف من الحية أو الثعبان، فأنت آمن من كل سوء.
ثانيا- اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي أدخل يدك في جيب أو فتحة قميصك العليا من جهة الرأس، ثم أخرجها، تخرج تتلألأ، ولها شعاع، كأنها قطعة قمر، من غير عيب ولا برص فيها.
وإزالة لخوفه من الآيتين المعجزتين السابقتين قال تعالى له:
وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ أي وضع يدك على صدرك، يذهب عنك ما تجده من الخوف، فكان إذا خاف من شيء ضم إليه يده، فإذا فعل ذلك ذهب ما طرأ عليه من الخوف. وقوله: مِنَ الرَّهْبِ أي من أجل الرهب.
وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء، فوضع يده على فؤاده، فإنه يزول عنه ما يجده أو يخيفه، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة سبحانه.
قال ابن عباس: كل خائف إذا وضع يده على صدره، زال خوفه.
فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ أي فتلك الآيتان المعجزتان وهما إلقاء العصا وجعلها حية تسعى، وإدخال يدك في جيبك، فتخرج بيضاء من غير سوء، هما دائما دليلان قاطعان واضحان على قدرة الله وصحة نبوتك، يؤيدانك في رسالتك إلى فرعون وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع، إنهم قوم خارجون عن طاعة الله، مخالفون لأمره ودينه، فكانوا جديرين بإرسالك إليهم مؤيدا بهاتين المعجزتين.

صفحة رقم 97

فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى الآتي:
١- يسير المهيّؤون للنبوة بتوجيه وإلهام من الله تعالى، فلما انتهي موسى من الوفاء بما عاهد عليه شعيب من رعي غنمه مهرا للزواج بابنته، اتجه عائدا مع زوجته إلى مصر، في ليلة ظلماء شاتية باردة، مشيا من دون راحلة في الإياب كما كان الحال في الذهاب من مصر إلى مدين، وكان قد أتم أكمل الأجلين، عملا بخلق النبوة، وأخذا بالأكمل، كما ثبت في الخبر عن نبينا عليه السلام.
وفي أثناء الطريق الذي أخطأه وفي شدة البرد التي ألمت به وبأهله رأى نارا من بعيد، فطلب من أهله المقام في المكان الذي وقفا فيه، وبادر إلى الإتيان بشعلة نار أو قطعة جمر للتدفئة، وللسؤال من أهل النار عن الطريق.
٢- دل قوله: وَسارَ بِأَهْلِهِ على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء، لما له عليها من فضل القوامة وزيادة الدرجة، إلا أن يلتزم لها أمرا، فالمؤمنون عند شروطهم، وأحق الشروط أن يوفى به شروط الزواج.
٣- كان ترائي النار استدعاء من رب الكون لمائدة تكليم رب العزة وإيتائه النبوة والرسالة، وهنيئا لموسى عليه السلام بتلك الدعوة التي هي أكرم وأشرف دعوة على الإطلاق، إذ صار بضيافتها كليم الله، ورسول رب العالمين إلى عظيم الطغاة فرعون وحاشيته.
٤- ناداه ربه بكلام لطيف في بقعة مباركة من شاطئ الوادي المقدس الأيمن: على يمين موسى، طوى من ناحية شجرة، على الجانب الغربي اتجاها، من جبل الطور، وكان مطلع النداء التعريف بالمنادي: إني أنا الله رب العالمين. وهذا نفي لربوبية غيره سبحانه.

صفحة رقم 98

فصار بهذا الكلام من أصفياء الله عز وجل، لا من رسله لأنه لا يصير رسولا إلا بعد أمره بالرسالة، وقد أمر بها بعد هذا الكلام وهو: إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ أي من المرسلين لقوله تعالى: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ وقوله إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ٥- أيده الله بمعجزتي العصا واليد، فخاف منهما لأول وهلة، ثم هدّأ الله روعه، وسكّن خوفه، وأعاده بعد الهرب إلى ساحة المناجاة مع ربه، وجعل له علاجا للخوف بضم يده إلى صدره، وكان موسى يرتعد خوفا إما من آل فرعون، وإما من الثعبان، فأوحى الله له: إذا هالك أمر يدك وشعاعها، فأدخلها في جيبك وارددها إليه تعد كما كانت.
٦- قدمنا قول ابن عباس: ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى عليه السلام، ثم يدخل يده، فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب. وهكذا تكون محن الأنبياء عليهم السلام دائما فرجا ومخرجا للأمة. وبه تبين الهدف من قوله:
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ وهو خروج اليد بيضاء، ومن قوله: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ وهو إخفاء الرهب.
وقد تساءل الزمخشري ثم الرازي بقوله: قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموما: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ وفي الآخرة مضموما إليه: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ والجواب أن المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى، وبالمضموم إليه اليد اليسرى، وكل من اليدين جناح «١».

(١) الكشاف: ٢/ ٤٧٣، تفسير الرازي: ٢٤/ ٢٤٧ وما بعدها.

صفحة رقم 99
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية