
يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨)
شرح الكلمات:
وقص عليه القصص: أخبره بشأنه كله من قتله القبطي وطلب السلطة له ونصح المؤمن له بمغادرة البلاد ووصوله إلى ماء مدين.
لا تخف نجوت من القوم الظالمين: أي من فرعون وملئه إذ لا سلطان لهم على بلاد مدين.
يا أبت استأجره: أي اتخذه أجيراً يرعى لنا الغنم بدلنا.
القوي الأمين: ذكرت له كفاءته وهي القوة البدنية والأمانة.
على أن تأجرني ثماني حجج: أي ثماني سنوات إذ الحجة عام والجمع حجج.
فإن أتممت عشراً فمن عندك: أي جعلت الثمانية عشراً فرغبت عشراً فهذا من كرمك.
قال ستجدني إن شاء الله من الصالحين: أي الذين يوفون ولا ينقضون ولا ينقصون.
ذلك بيني وبينك: أنا أفي بشرطي وأنت تفي بشرطك.
أيما الأجلين قضيت: أي الأجلين الثمانية أو العشرة أتممت.
فلا عدوان علي: وذلك بطلب الزيادة فوق الثمانية أو فوق العشرة.

والله على ما نقول وكيل: أي وكيل وحفيظ أي أشهد الله على العقد بشطريه أي النكاح ورعي الغنم وبذلك تم العقد.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ما تم بين موسى وابنتي شعيب من السقي لهما ومجيء إحداهما تبلغه رسالة والدها ومشيه معها وقوله تعالى ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ﴾ أي جاء موسى شعيباً ﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ (١) ﴾ أي أخبره بشأنه كله من قتله القبطبي خطأ وطلب السلطات له ونصح مؤمن آل فرعون له بالخروج من البلاد، ووصوله إلى ماء مدين قال له شعيب عندئد ﴿لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ يعني فرعون وحكومته وهذا ما يعرف الآن باللجوء السياسي فأمنه على نفسه لأن فرعون لا سلطان له على (٢) هذه البلاد.
وقال له شعيب: اجلس تعش معنا فقال موسى أخاف أن يكون عوضاً عما سقيت لابنتيك ما شيتهما وإني لمن أهل بيت لا يطلبون على عمل الخير عوضاً فقال له شعيب لا ليس هذا بأجر على سقيك وإنما عادتنا أن نقري الضيف ونطعم الطعام فأكل ولم ير بذلك بأسا. وقوله تعالى ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ يروى أنها لما قالت ﴿إِنَّ خَيْرَ (٣) مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ أثارت حفيظته بهذه الكلمة فسألها: كيف علمت ذلك فذكرت له عن القوة في سقيه (٤) لهما وعن الأمانة في عض بصره عن النظر إليها، فصدقها شعيب وقال لموسى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ﴾ أي أزوجك ﴿إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾ (٥) ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ (٦) حِجَجٍ﴾ أي سنين جمع حجة وهي (٧) السنة وقوله ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ أي إحسانا منك وكرما، ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ بطلب العشرة
٢- إذ السلطان للكنعانيين وهم أهل بأس وشدة ونجدة.
٣- الجملة تعليلية لجملة الإشارة عليه بالاستئجار.
٤- قال بعض أهل العلم: وضفته بالقوة لأنه زاحم الرعاء وغلبهم وهم يزدحمون على الماء حتى سقى، وقيل كانت على البئر صخرة لا يرفعها إلا العدد من الناس فرفعها موسى وحده.
٥- الإشارة إلى المرأتين اللتين سقى لهما سواء كانتا حاضرتين في المجلس أو ذهن موسى.
٦- هذا جمع عقد النكاح مع عقد الإجارة. والمشهور من عند الفقهاء أن الشرط المقارن لعقد النكاح إن كان مما ينافي عقد النكاح فهو باطل ويفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده ويلغى الشرط المنافي للنكاح، وأما الشرط غير المنافي للنكاح فهو جائز ولا حرج فيه لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: "أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج".
٧- مشتقة من اسم الحج، لأن الحج يقع كل سنة، وموسم الحج يقع في آخر شهر من السنة.

﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي الذين يوفون بعهودهم قال موسى رداً على كلامه ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ أنا عليَّ أن أفي بما اشترطت عليَّ وأنت عليك أن تفي بما اشترطت لي على نفسك ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ (١) ﴾ الثمانية أو العشرة ﴿قَضَيْتُ﴾ أي وفيت وأديت ﴿فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ أي بطلب الزيادة على الثمانية ولا على العشرة. فقال شعيب: نعم ﴿وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ فأشهد الله تعالى على صحة (٢) العقد وبذلك أصبح موسى زوجاً لابنة شعيب التي عيّنها له والغالب أنها الكبرى التي شهدت له بالأمانة والقوة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تجلى كرم شعيب ومروءةه وشهامته في تطمين موسى وإكرامه وإيوائه.
٢- بيان أن الكفاءة شرط في العمل ولا أفضل من القوة وهي القدرة البدنية والعلمية والأمانة.
٣- مشروعية عرض الرجل ابنته على من يرى صدقه وأمانته ليزوجه بها.
٤- مشروعية إشهاد الله تعالى على العقود بمثل ﴿وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾.
٥- فضيلة موسى عليه السلام بإيجار نفسه على شبع بطنه وإحصان فرجه.
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا
٢- اكتفى شعيب وموسى بإشهاد الله تعالى فهل يصح في الإسلام بدون إشهاد؟ الجمهور على عدم صحته بل لا بد من الإشهاد عليه وهو كذلك.