آيات من القرآن الكريم

فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

هود «١»، وأقصى المدينة: آخرها وأبعدها، ويسعى، بمعنى يُسرع. قال ابن عباس: وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون، وسيأتي الخلاف في اسمه في سورة المؤمن «٢». فأمّا الملأ، فهم الوجوه من الناس والأشراف. وفي قوله: يَأْتَمِرُونَ بِكَ ثلاثة اقوال: أحدها: يتشاورون فيك ليقتلوك، قاله أبو عبيدة.
والثاني: يَهُمُّون بك، قاله ابن قتيبة. والثالث: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك، قاله الزّجّاج.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢١ الى ٢٨]
فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥)
قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨)
قوله تعالى: فَخَرَجَ مِنْها أي: من مصر خائِفاً وقد مضى تفسيره «٣».
قوله تعالى: نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني المشركين أهل مصر. وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قال ابن قتيبة: أي: تِجَاهَ مَدْيَن ونحوَها، وأصله: اللِّقاء، وزيدت فيه التاء، قال الشاعر:
فاليومَ قَصَّرَ عن تِلْقَائك الأَملُ «٤» أي: عن لقائك. قال المفسرون: خرج خائفاً بغير زاد ولا ظَهْر، وكان بين مصر ومَدْيَن مسيرة ثمانية أيام، ولم يكن له بالطريق عِلْم، ف قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ أي: قَصْدَه. قال ابن عباس: لم يكن له عِلْم بالطريق إِلاَّ حُسْن ظنِّه بربّه. وقال السّدّيّ: بعث الله تعالى له مَلَكاً فدلَّه، قالوا:
ولم يكن له في طريقه طعام إِلا ورق الشجر، فورد ماءَ مَدْيَن وخُضرةُ البقل تتراءى في بطنه من الهُزَال والأُمَّة الجماعة، وهم الرعاة، يَسْقُونَ مواشيهم وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ أي: من سوى الأمّة امْرَأَتَيْنِ وهم ابنتا شعيب قال مقاتل: واسم الكبرى: صبورا، والصغرى: عبرا تَذُودانِ قال ابن قتيبة: أي: تكُفَّان غَنَمهما، فحذف الغنم اختصاراً. قال المفسرون: إنما فَعَلَتا ذلك ليَفْرُغ الناس وتخلوَ لهما البئر، قال موسى: ما خَطْبُكُما أي: ما شأنكما لا تسقيان؟! قالَتا لا نَسْقِي وقرأ ابن مسعود وأبو الجوزاء وابن يعمر وابن السميفع: «لا نُسقي» برفع النون حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وقرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر: «يَصْدُرَ» بفتح الياء وضم الدال، أي: حتى يرجع الرّعاء. وقرأ الباقون: «يصدر» بضمّ

(١) هود: ٥٩.
(٢) غافر: ٢٨.
(٣) القصص: ١٨.
(٤) هو عجز بيت للراعي النميري وصدره: أملت خيرك هل تأتي مواعده

صفحة رقم 379

الياء وكسر الدال، أرادوا: حتى يَرُدَّ الرِّعاء غنمهم عن الماء. والرِّعاء: جمع راعٍ، كما يقال: صاحب وصِحاب. وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير وابن يعمر وعاصم الجحدري: «الرُّعَاءُ» بضم الراء، والمعنى:
نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال، وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يَقْدِر أن يَسْقيَ ماشيته من الكِبَر فلذلك احْتَجْنَا نحن إِلى أن نسقيَ، وكان على تلك البئر صخرة عظيمة، فاذا فرغ الرِّعاء مِنْ سَقيهم أعادوا الصخرة، فتأتي المرأتان إِلى فضول حياض الرِّعاء فتَسْقيان غنمهما. فَسَقى موسى لَهُما.
وفي صفة ما صنع قولان: أحدهما: أنه ذهب إلى بئر أُخرى عليها صخرة لا يقتلعها إِلا جماعة من الناس، فاقتلعها وسقى لهما، قاله عمر بن الخطاب وشُريح. والثاني: أنه زاحم القوم على الماء وسقى لهما، قاله ابن إِسحاق، والمعنى: سقى غنمهما لأجلهما.
ثُمَّ تَوَلَّى أي: انصرف إِلَى الظِّلِّ وهو ظِل شجرة فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما اللام بمعنى إِلى، فتقديره: إِنِّي إِلى ما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وأراد بالخير: الطعام. وحكى ابن جرير أنه أسمع المرأتين هذا الكلام تعريضاً أن تُطْعِماه. فَجاءَتْهُ إِحْداهُما المعنى: فلمّا شربتْ غنمَهُما رَجَعَتا إِلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى، فبعث إِحداهما تدعو موسى. وفيها قولان: أحدهما: الصغرى. والثاني:
الكبرى. فجاءته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قد سترت وجهها بِكُمِّ دِرْعها. وفي سبب استحيائها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كان من صفتها الحياء، فهي تمشي مشي من لم تعتد الخروج والدخول. والثاني:
لأنها دعته لتكافئَه، وكان الأجمل عندها أن تدعوَه من غير مكافأة. والثالث: لأنها رسول أبيها.
قوله تعالى: لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا قال المفسرون: لمَّا سمع موسى هذا القول كرهه وأراد أن لا يتبعها، فلم يجد بُدّاً للجَهْد الذي به من اتِّباعها، فتَبِعها، فكانت الريح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها، فناداها: يا أَمَة الله، كوني خلفي ودُلِّيني الطريق فَلَمَّا جاءَهُ أي: جاء موسى شعيباً وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ أي: أخبره بأمره مِنْ حين وُلد والسبب الذي أخرجه من أرضه قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي: لا سُلطان لفرعون بأرضنا ولسنا في مملكته. قالَتْ إِحْداهُما وهي الكبرى: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي: اتَّخِذه أجيراً إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ أي: خير من استعملتَ على عملكَ مَنْ قَوِيَ على عملك وأدَّى الأمانة وإِنَّما سمَّتْه قويّا، لرفعه الحجر على رأس البئر، وقيل: لأنه استقى بدلو لا يُقِلُّها إِلا العدد الكثير من الرجال، وسمَّته أميناً، لأنه امرها أن تمشيَ خلفه. وقال السدي: قال لها شعيب: قد رأيتِ قوَّته، فما يُدريكِ بأمانته؟ فحدَّثَتْه. قال المفسرون:
فرغب فيه شعيب، فقال له: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ أي: أزوّجك «١»

(١) قال القرطبي في «التفسير» ١٣/ ٢٧٢: استدل أصحاب الشافعي بهذه الآية على أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح، وبه قال ربيعة وأبو ثور وأبو عبيد وداود ومالك على اختلاف منه. وقال علماؤنا في المشهور: ينعقد النكاح بكل لفظ. وقال أبو حنيفة. ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد.
- وقال الإمام الموفق في «المغني» ٩/ ٤٦٠: وينعقد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج والجواب عنهما إجماعا، وهما اللذان ورد بهما نص الكتاب في قوله تعالى: زَوَّجْناكَها وقوله سبحانه وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ولا ينعقد بغير لفظ الإنكاح والتزويج، وبهذا قال ابن المسيب وعطاء والزهري وربيعة والشافعي.
وقال الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأبو عبيد وداود: ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك، وفي لفظ الإجارة روايتان عن أبي حنيفة، وقال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر اه ملخصا.

صفحة رقم 380
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية