
قال مقاتل: توجه نحو مدين بغير دليل، وخشي أن يضل الطريق فقال: عسى ربي يرشدني قصد الطريق إلى مدين (١).
ومعنى ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾: قصد السبيل في الاستواء (٢).
٢٣ - قوله: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ جماعة من الناس (٣)، وهم: الرعاة يسقون مواشيهم وأنعامهم (٤). ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ﴾ أي: من سوى الأمة ﴿امْرَأَتَيْنِ﴾ وهما: ابنتا شعيب، في قول أكثر المفسرين (٥).
﴿تَذُودَانِ﴾ تحبسان غنمهما. هذا قول أكثر المفسرين؛ الكلبي ومقاتل وسعيد بن جبير والسدي، وغيرهم (٦).
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٠١. و"غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٣٢، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٨، وأخرجه ابن جرير ٢٠/ ٥٤، عن قتادة، والحسن.
(٣) "تفسير مقاتل" ٦٤ ب. و"غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٣٢، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٩. وابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ١٤٩، وقد أوصل معاني الأمة إلى ثمانية.
(٤) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٥٤، عن ابن إسحاق. وذكره الثعلبي ٨/ ١٤٤ أ، ولم ينسبه.
(٥) "تفسير مقاتل" ٦٤ ب. وجزم الواحدي هنا باسم أبيهما، تابع فيه ما اشتهر عند أكثر المفسرين، وقد وقع الخلاف في اسمه، وهل هو النبي شعيب -عليه السلام- أم غيره؟ وحكى أنه شعيب: الثعلبي ٨/ ١٥٣ ب، عن: مجاهد والضحاك والسدي والحسن. قال ابن جرير: وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بخبر، ولا خبر في ذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه. وساق ابن كثير ٦/ ٢٢٨، الخلاف في هذا الرجل؛ واستبعد كونه نبي الله شعيب عليه السلام، ثم قال: وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده، كما سنذكره قريبًا إن شاء الله. ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه: ثبرون، والله أعلم.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٠٥. ولم ينسبه. وأخرج ابن جرير ٢٠/ ٥٥، وابن أبي=

قال مقاتل: حابستين الغنم، لتسقيا الغنمَ فضلَ الرِّعاء (١).
وقال السدي: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا، ويخلوا لهم البئر (٢).
وقال عبد الله بن مسلم: أي تكفان غنمهما، وحذف الغنم اختصارًا (٣).
ومعنى الذود في اللغة: الكف والطرد (٤)، ومعنى: ﴿تَذُودَانِ﴾: تدفعان وتكفان. ولم يُذكر في الآية عن أي شيء تدفعان الغنم، فذهب أكثر أهل التفسير إلى أنهما كانتا تدفعانها عن الماء؛ وهو قول من قال: تحبسان؛ لأن دفعها عن الماء حبس لها عنه. واختاره أبو إسحاق؛ قال: ﴿تَذُودَانِ﴾ غنمهما عن أن تقرب موضع الماء؛ لأنها تطردها عن الماء مَنْ هو على السقي أقوى منهما (٥).
وقال الحسن: تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس (٦).
وقال قتادة: ﴿تَذُودَانِ﴾ الناس عن شائهما (٧).
(١) أخرجه أبو يعلى ٥/ ١٨، عن ابن عباس. و"تفسير مقاتل" ٦٤ ب.
(٢) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٥٥، وابن أبيِ حاتم ٩/ ٢٩٦٢، عن أبي مالك، باللفظ نفسه، وأما لفظ السدي عندهما فهو: تحبسان غنمهما. وهذا بدل على أن قوله: قال السدي خطأ؛ لذكره قبل ذلك، فلعله يعني به أبا مالك. والله أعلم.
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٣٢.
(٤) "تهذيب اللغة" ١٤/ ١٥٠ (ذاد)، و"لسان العرب" ٣/ ١٦٧.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج٤/ ١٣٩.
(٦) ذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٥٣ ب
(٧) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٩٠. وابن جرير ٢٠/ ٥٦.

وقال الفراء: تحبسانها عن أن تشذ وتذهب، قال: ولا يجوز أن يقال: ذدت الرجل، إذا حبسته، وإنما كان الذياد حبسًا للغنم؛ لأن الغنم إذا أراد شيء منها أن يشذ ويذهب فرددته فذلك: ذود، وهو: الحبس (١). والقول هو الأول؛ لقوله: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا﴾ (٢) قال محمد بن إسحاق: ما شأنكما لا تسقيان (٣).
وقال أبو إسحاق: أي ما أمركما (٤). ومعناه: ما تخطبان، أي: ما تريدان بذودكما غنمكما عن الماء (٥). فلولا أنهما كانتا تحبسان غنمهما عن الماء في وقت السقي ما سألهما موسى عن شأنهما، ألا ترى أن في جوابهما دليلًا على أنه سألهما عن السبب في ترك السقي مع الناس، وهو قوله: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ وقرئ (يَصْدُرَ) (٦) من: صَدَر، وهو
(٢) وقد سبقه إلى هذا الترجيح ابن جرير ٢٠/ ٥٦، قال: لدلالة قوله: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٥٣ ب. ولم ينسبه.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٩، و"غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٣٢.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٩.
(٦) قرأ أبو عمرو وابن عامر (يَصْدُرَ) بفتح الياء، وضم الدال. وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي (يَصْدُرَ) بضم الياء، وكسر الدال. "السبعة في القراءات" ٤٩٢، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤١٢، و"النشر" ٢/ ٣٤١.

ضد: وَرَدَ. قال الله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ [الزلزلة: ٦] ومعنى ﴿يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ يرجعوا من سقيهم.
ومن قرأ: ﴿يُصْدِرَ﴾ أراد حين يصدروا مواشيهم من وردهم (١). قال ابن عباس: فيخلوا لنا الموضع (٢)، ولكنه حذف المفعول، ومثله كثير، و ﴿الرِّعَاءُ﴾: جمع راع، كما يقال: تاجر وتجار، وصاحب وصحاب، ويجمع أيضًا على: الرعاة، كالبكاة، والغزاة، والدعاة (٣).
قال مقاتل: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ بالغنم راجعة من الماء إلى الرعي فنسقي فضلهم (٤).
وقال ابن إسحاق: ﴿قَالَتَا﴾ نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ لا يقدر على أن يغني ذلك من نفسه، وأن يسقي ماشيته، فنحن ننتظر الناس حتى (٥) إذا فرغوا سقينا ثم انصرفنا (٦). وهذا معنى قوله: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ [قال مقاتل: لا يستطيع أن يسقي الغنم من الكبر (٧).
وقال أبو إسحاق: الفائدة في قولهما: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾] (٨)
(٢) أخرجه بنحوه ابن جرير ٢٠/ ٥٧، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٦٤.
(٣) كتاب "العين" ٢/ ٢٤٠ (رعو). وفي "تهذيب اللغة" ٣/ ١٦٢ (رعى): ويجع الرعي: رعاة ورعيانًا، وأكثر ما يقال: رعاة للولاة، والرعيان لجمع راعي الغنم.
(٤) "تفسير مقاتل" ٦٤ ب. وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٩٠، عن قتادة.
(٥) حتى، من نسخة (ج).
(٦) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٥٧، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٦٤.
(٧) "تفسير مقاتل" ٦٤ ب.
(٨) ما بين المعقوفين من (ج).