آيات من القرآن الكريم

وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ

من أمارات القيامة ومقدماتها
- ١- إخراج دابة الأرض وحشر الظالمين المكذبين بآيات الله ورسله أمام ربهم
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٨٢ الى ٨٦]
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦)
الإعراب:
أَنَّ النَّاسَ أَنَّ بالفتح: إما في موضع نصب مفعول به ل تُكَلِّمُهُمْ أي تخبرهم، أي تخبرهم أن الناس، وإما في موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر، أي تكلمهم بأن الناس، وبِآياتِنا في موضع نصب متعلق ب يُوقِنُونَ أي كانوا لا يوقنون بآياتنا. ومن قرأ بالكسر: «إن» فعلى الابتداء والاستئناف.
البلاغة:
أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيه أسلوب التوبيخ والتأنيب.
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً فيه ما يسمى في علم البديع بالاحتباك، وهو أن يحذف من أوله ما أثبت في آخره وبالعكس، وبيانه هنا: جعلنا الليل مظلما

صفحة رقم 33

ليسكنوا فيه، والنهار مبصرا ليتصرفوا فيه، فحذف «مظلما» لدلالة مُبْصِراً عليه، وحذف «ليتصرفوا فيه» لدلالة لِيَسْكُنُوا فِيهِ.
المفردات اللغوية:
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أي إذا دنا أو قرب وقوع معنى القول وهو ما وعدوا به من البعث والعذاب الذي ينزل بالكفار أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ كائنا حيا يدب على الأرض، وهو الجسّاسة تُكَلِّمُهُمْ تنبئهم وتخبرهم أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ أي أن أكثر الناس كانوا لا يؤمنون بآيات الله الدالة على مجيء الساعة، والله أعلم بحقيقة تلك الدابة، ولعلها إنسان عادي، والمهم الإخبار عن تكذيب الجم الغفير من الناس بوقوع القيامة.
وَيَوْمَ أي واذكر يوم القيامة نَحْشُرُ نجمع مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ من للتبعيض فَوْجاً جماعة مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا من للتبيين، وهم الرؤساء المتبعون يُوزَعُونَ يجمعون بمنع أولهم وإيقافه من أجل آخرهم حتى يتلاحقوا ويجتمعوا في موقف المناقشة والحساب حَتَّى إِذا جاؤُ مكان الحساب أو المحشر قالَ تعالى لهم أَكَذَّبْتُمْ أنبيائي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً
الواو للحال، أي أكذبتم بآياتي بادي الرأي، ولم تتأملوا بحقيقتها، ولم تنظروا نظرا يحيط علمكم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق أو التكذيب، فمعنى: لم تحيطوا بها علما: لم تدركوا حقيقة كنهها. والواو للعطف، أي أجمعتم بين التكذيب بها وعدم إلقاء الأذهان لتحققها؟ أي النظرة السطحية لها أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أم أي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك، وهو استفهام للتبكيت، إذ لم يفعلوا غير التكذيب من الجهل، وأما: فيه إدغام «ما» الاستفهامية ب «ذا» الموصول، أي ما الذي كنتم تعملون فيما أمرتم به؟
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ حلّ بهم العذاب، وهو كبّهم في النار بعد ذلك بِما ظَلَمُوا بسبب ظلمهم، وهو الشرك والتكذيب بآيات الله فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ باعتذار إذ لا حجة لهم أَلَمْ يَرَوْا ألم يعلموا أَنَّا جَعَلْنَا خلقنا لِيَسْكُنُوا فِيهِ ليستريحوا فيه ويهدأوا مُبْصِراً يبصر فيه بضوئه أسباب المعيشة ليتصرفوا فيه، وجعل الإبصار للنهار وهو لأهله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ دلالات على قدرة الله تعالى، وهي تدل على الأمور الثلاثة: التوحيد والحشر وبعثة الرسل لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ خصوا بالذكر لانتفاعهم بها في الإيمان لأن تعاقب النور والظلمة على وجه مخصوص لا يكون إلا بقدرة قاهرة، وإن من قدر على إبدال الظلمة بالنور من مادة واحدة قدر على إبدال الموت بالحياة من مواد الأبدان.

صفحة رقم 34

المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى الدلائل على كمال قدرته وكمال علمه، وفرع على ذلك القول بإمكان البعث والحشر والنشر، ثم أوضح كون القرآن معجزا، ونبّه بإعجازه على إثبات نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم، أردف ما سبق ببيان مقدمات قيام القيامة، وهي إما كالعلامة للقيامة كإخراج دابة الأرض، وإما أن تقع عند قيام القيامة كنفخ الصور.
وإنما أخر تعالى الكلام عن علامات القيامة عن إثبات النبوة، لأن هذه الأشياء لا يمكن معرفتها إلا بقول النبي الصادق.
التفسير والبيان:
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ أي أنه في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، واستحقاقهم العذاب الموعود به، وذلك قرب مجيء الساعة، يخرج الله للناس دابة من الأرض تحدثهم أن أكثر الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون.
ولعل تلك الدابة هي إنسان كما قال بعض المفسرين الجدد لوصفها بالكلام ولأن كل ما يدب على الأرض فهو دابة.
وسميت تلك الدابة في الآثار بالجسّاسة، وورد في شأنها أحاديث آحاد، منها
ما رواه مسلم وأهل السنن عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من غرفة، ونحن نتذاكر أمر الساعة، فقال: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى بن مريم عليه السلام، والدجال، وثلاثة

صفحة رقم 35

خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن، تسوق أو تحشر الناس، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا».
وأما موضع خروجها فهو:
سئل النبي صلّى الله عليه وسلم: من أين تخرج الدابة؟ فقال:
«من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى، يعني المسجد الحرام» «١».
وبعد ذكر العلامة الأولى لقيام الساعة ذكر تعالى العلامة الثانية وهي:
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً، مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا، فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ: أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً، أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي ويوم نجمع يوم القيامة جماعة من رؤساء كل أمة من الظالمين المكذبين بآيات الله ورسله، ونحبس أولهم على آخرهم، ليجتمعوا في موقف الحشر والحساب، حتى إذا جمعوا ووقفوا بين يدي الله عز وجل للحساب والنقاش، فيقول الله لهم توبيخا وتبكيتا: أكذبتم بآياتي الدالة على لقاء هذا اليوم، غير ناظرين بما يحيطكم علما بحقيقة الآيات، وإذا لم تتأملوا فيها، فبماذا كنتم تشغلون أنفسكم أو تعملون فيها من تصديق أو تكذيب؟! فقوله: أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بمعنى: بل ماذا كنتم تعملون؟! وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا، فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ أي وحينئذ يحل العذاب بأولئك المكذبين بآيات الله بسبب ظلمهم، أي تكذيبهم وكفرهم، فيشغلهم عن النطق والاعتذار، كما قال تعالى: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ [المرسلات ٧٧/ ٣٥].
ثم ذكر الله تعالى دليل التوحيد والحشر والنبوة، فقال:
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي ألم يعلم هؤلاء المكذبون بآياتنا أنا خلقنا الليل للسكن والنوم

(١) انظر تفسير ابن كثير: ٣/ ٣٧٥ وما بعدها. [.....]

صفحة رقم 36

والراحة والقرار بعد عناء التعب في النهار، وخلقنا النهار منيرا مشرقا للتصرف أو التقلب في المعايش والمكاسب والأسفار والتجارات وغيرها من شؤونهم التي يحتاجونها، إن في ذلك الخلق والإيجاد لدلالات على قدرة الله على البعث بعد الموت، للجزاء والحساب، وعلى توحيده، لقوم يصدقون بالله ورسله.
فمن تأمل في تعاقب الليل والنهار والانتقال من حال شبيهة بالموت إلى حال الحركة والحياة، أدرك أن القيامة كائنة لا محالة، وأن الله سيبعث من في القبور.
فقه الحياة أو الأحكام:
إن مفاجات يوم القيامة وأهوالها كثيرة وغريبة ومذهلة، فمن مقدماتها:
إخراج دابة من الأرض عند استحقاق العذاب تخبر بأن أكثر الناس كانوا لا يصدقون بآيات الله.
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض».
واختلف المفسرون في تعيين هذه الدابة وصفتها ومن أين تخرج اختلافا كثيرا، قال القرطبي: أول الأقوال أنه فصيل ناقة صالح عليه السلام، وهو أصحها- والله أعلم- لما
ذكر أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدابة فقال: «لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية- يعني مكة- ثم تكمن زمانا طويلا، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك، فيفشو ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها القرية- يعني مكة- ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة، خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام، لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب، فارفضّ الناس منها شتّى ومعا..» الحديث.

صفحة رقم 37

وموضع الدليل من هذا الحديث أنه الفصيل قوله: «وهي ترغو» والرغاء إنما هو للإبل وذلك أن الفصيل لما قتلت الناقة هرب، فانفتح له حجر، فدخل في جوفه، ثم انطبق عليه، فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عز وجل «١».
ثم ذكر الله تعالى بعض الأمور الواقعة بعد قيام القيامة وهو حشر زمرة وجماعة من كل أمة، ممن يكذب بالقرآن وبالأدلة الدالة على الحق، فهم يوزعون أي يدفعون ويساقون إلى موضع الحساب، وقال قتادة: أي يردّ أولهم على آخرهم، حتى إذا حضروا الموقف قال الله: أكذبتم بآياتي التي أنزلتها على رسلي، وبالآيات التي أقمتها دليلا على توحيدي، ولم تعلموا بحقيقتها، وإنما أعرضتم عنها مكذبين جاهلين غير مستدلين؟ ثم يقول لهم تقريعا وتوبيخا: ماذا كنتم تعملون حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا ما فيها.
ولكن وجب العذاب عليهم بظلمهم أي بشركهم، فهم لا ينطقون، أي ليس لهم عذر ولا حجة.
ثم أقام الله تعالى دليلا على البعث والتوحيد والنبوة مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر، وهو خلق الليل للنوم والاستقرار، وخلق النهار المنير المشرق الذي يبصر فيه الناس الأشياء للحركة ونشاط الحياة وسعي الرزق، إن في ذلك لدلالات على قدرة الله وتوحيده وإمكانه الحشر لقوم يؤمنون بالله. أما وجه دلالته على التوحيد فهو أن التقليب من النور إلى الظلمة ومن الظلمة إلى النور بدقة متناهية لا يحصل إلا بقدرة قاهرة عالية. وأما وجه دلالته على الحشر فلأنه لما ثبتت قدرة الله تعالى على هذا التقليب فهو قادر على القلب من الحياة إلى الموت ومن الموت إلى الحياة، وأما وجه دلالته على النبوة فلأنه تعالى يقلب الليل والنهار لمنافع الناس، وفي بعثة الأنبياء والرسل إلى الناس منافع عظيمة، فما المانع من بعثتهم إلى الناس لتحصيل تلك المنافع؟

(١) تفسير القرطبي: ١٣/ ٢٣٥.

صفحة رقم 38
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية