
قوله تعالى ذكره: ﴿إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعآء﴾.
المعنى: إنك يا محمد لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلبه فأماته، ولا تقدر أن تسمع ذلك من أصم الله سمعه ﴿إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ﴾ أي إذا هم أدبروا معرضين عنه، فأما قراءة ابن كثير " ولا يسمع " بالياء " الصم " بالرفع، فمعناها: ليس يسمع الصم الدعاء في حال إعراضهم، وتوليتهم عنه.
قال: ﴿وَمَآ أَنتَ بِهَادِي العمي عَن ضَلالَتِهِمْ﴾، أي وما أنت يا محمد بهادي من أعماه الله جل ذكره عن الهدى فجعل على بصره غشاوة ﴿إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾، أي ما يقدر أن يفهم الحق أحد إلا من يصدق بآياتنا ﴿فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم﴾، أي إذا وجب على المختلفين من بني إسرائيل والمشركين من العرب وغيرهم، غضب من الله جل ذكره، إذا لم يكن في علم الله منهم راجع عن كفره، ولا تائب من ضلاله

﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ﴾. أي تخبرهم وتحدثهم بأن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون.
وقرأ ابن عباس، وعكرمة، وعاصم الجحدري وطلحة: ﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ بفتح التاء وتسكين الكاف من كلمه إذا جرحه أي تسمهم.
قال مجاهد: وقع القول: حق القول.
وقال قتادة: وجب القول.
وقال ابن جريج: القول: العذاب.
وقال قتادة: القول: الغضب.
وخروج الدابة في قول جماعة من العلماء، إنما يكون حين لا يأمر الناس بمعروف، ولا ينهون عن منكر.

قال ابن عمر وغيره: وخروجها والله أعلم بعد خروج الدجال، لأن الدجال يخرج فيفتتن الناس به إلا من شاء الله، ثم يقتله عيسى ابن مريم، وتصير الأديان ديناً واحداً وهو الإسلام، ثم تحدث الحوادث، وتتغير الأمور بعد موت عيسى عليه السلام، فتخرج الدابة فتسم الكافر بسواد في وجهه، والمؤمن ببياض في وجهه.
وقد قال الضحاك - في صفة الدجال: إنه وافر الشارب، لا لحية له رأسه كالقلة العظيمة طول وجهه ذراعان، وقامته في السماء ثمانون ذراعاً، وعرض ما بين منكبيه ثلاثون ذراعاً، ثيابه، وخفاه، وسيفه وسرجه، ولجامه: بالذهب والجوهر على رأسه تاج مرصع بالذهب والجوهر، في يده طبرزين هيئته هيئة المجوس، قوسه الفارسية، وكلامه بالفارسية، تطوى له

الأرض ولأصحابه طياً طياً، يطأ مجامعها، ويرد مياهها إلا المساجد الأربعة: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ومسجد بين المقدس، ومسجد الطور، فخروج الدابة هو آخر الآيات / وهو معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا﴾ [الأنعام: ١٥٨] وهو خروج الدابة.
وروي أنه ترفع عند ذلك التوبة، وتخبر الكافر أنه كافر، والمؤمن أنه مؤمن.
وروي: أنه يجعل الله لها من الطول ما تشرف به على الناس

لتكلمهم بكلام يفهمونه، ويسمعونه، وتخبرهم أن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون، وينغلق عند ذلك باب العمل ويجهل فلا ترى عالماً بالدين، ويحصل كل امرئ على ما قدم من خير أو شر. وهو معنى قوله: ﴿وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم﴾ أي وجب عمله كل امئ لنفسه إن خيراً فخير. وإن شراً فشر.
قال ابن عمر: تخرج الدابة من صدع في الصفا.
وروى حذيفة عن النبي ﷺ أنه قال: " تخرج الدابة من أعظم

المساجد حرمة على الله، بينما عيسى بن مريم يطوف بالبيت ومعه المسلمون، إذ تضطرب الأرض تحتهم، تحرك القنديل، وينشف الصفا مما يلي المسعى، وتخرج الدابة من الصفا، أول ما يبدو رأسها، ملصقة ذات وبر وريش، لن يدركها طالب ولا يفوتها هارب، تسم الناس مؤمن وكافر، أما المؤمن فتترك زجهه كأنه كوكب دري، وتكتب بين عينيه نكتة بيضاء مؤمن، وأما الكافر فتكتب بين عينيه نكتة سوداء كافر ".
روى أو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: " تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتختم أنف الكافر بخاتم، ثم إن أهل الدار يجتمعون فيقولون هنا يا مؤمن ويقول هنا يا كافر ".
وقد كثرت في ذلك الأخبار عن حذيفة وابن عمر كلها ترجع إلى معنى هذا الحديث.

ويروى أن موسى ﷺ: " سأل الله تعالى أن يريه الدابة، فمكث ثلاثة أيام، وثلاث ليال لا يظهر منها إلا رأسها، وعنقها، وظهرها ".
وعن ابن عمر أنه قال: تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها السحاب، ورجلاها في الأرض ما خرجتا، فتمر بالإنسان يصلي فتقول: ما الصلاة من حاجتك فتخطمه، قال: وتخرج ومعها خاتم سليمان وعصا موسى. فأما الكافر فتختم بين عينيه بخاتم سليمان فيسود، وأما المؤمن فتمسح وجهه بعصا موسى فيبيض.
قال ابن عباس: هي والله تكلمهم وتكلمهم، تكلم المؤمن وتكلم الكافر.