٧٥ - ثم ذكر أن كل ما يحصل في الوجود فهو محفوظ في اللوح المحفوظ، فقال: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ﴾؛ أي: وما من شيء غائب، وأمر يغيب عن الخلق، فالتاء فيه للمبالغة كتاء علَّامة، ﴿فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا﴾ وهو مكتوب محفوظ ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: مظهر حافظ للكائنات، وهو اللوح المحفوظ، أو كتاب ظاهر واضح لمن ينظر إليه من الملائكة.
والمعنى: أي وما من أمر مكتوم، وسر خفي يغيب عن الناظرين في السماء، أو في الأرض إلا وهو مثبت في أم الكتاب، الذي أثبت ربنا فيه كل ما هو كائن من ابتداء الخلق إلى يوم القيامة، وهو بيِّن لمن نظر إليه، وقرأ ما فيه مما أثبته ربنا جلت قدرته، ونحو الآية قوله: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧٠)﴾.
وقال الزمخشري (١): سميِّ الشيء الذي يغيب ويخفى غائبة، وخافية، فكانت التاء فيهما بمنزلتها في العاقبة والعافية، ونظيرهما النطيحة والذبيحة، والرمية في أنها أسماء غير صفات، ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة، كالراوية والداعية، كما في قولهم: ويل للشاعر من راوية السوء، كأنه قال: وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله تعالى وأحاط به، وأثبته في اللوح المبين الظاهر لمن ينظر فيه من الملائكة انتهى.
والخلاصة: أي وما من خافية فيهما إلا في لوح محفوظ ظاهر لمن يطالعه من الملائكة، ومن جملة ذلك ما يستعجلونه من العذاب، فإنه مؤقت بوقت، ومؤجل بأجل، علمه عند الله سبحانه، فكيف يستعجلونه قبل أجله المضروب له.
ثم إنه ينبغي للمؤمن أن يكون سليم الصدر، ولا يجعل في نفسه حقدًا وحسدًا وعداوة لأحد، والنصيحة في هذا للعقلاء أن لا يصيخوا إلى الواشي والنمام، والغيَّاب والعياب، فإن عرض المؤمن كدمه، ولا ينبغي إساءة الظن في حق المؤمن بأدنى سبب. وقد ورد: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".
الإعراب
﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦)﴾.
﴿فَمَا﴾ ﴿الفاء﴾: استئنافية، ﴿ما﴾: نافية. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿جَوَابَ قَوْمِهِ﴾: خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم على اسمها، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أن﴾ المصدرية، والجملة الفعلية مع ﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم ﴿كَانَ﴾ مؤخرًا عن خبرها، والتقدير: فما كان جواب قومه إلا قولهم: أخرجوا آل لوط، وجملة ﴿كَانَ﴾ مستأنفة استئنافًا بيانيًا. ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَخْرِجُوا﴾، ﴿إِنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿أُنَاسٌ﴾: خبره، وجملة ﴿يَتَطَهَّرُونَ﴾: صفة لـ ﴿أُنَاسٌ﴾ وجملة ﴿إن﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾ على كونها معللة للإخراج.
﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨)﴾.
﴿فَأَنْجَيْنَاهُ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف؛ تقديره: فخرج لوط من قريتهم بأهله فأنجيناه. ﴿أنجيناه﴾: فعل وفاعل ومفعول به. ﴿وَأَهْلَهُ﴾: معطوف على الهاء، أو مفعول معه، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء، ﴿امْرَأَتَهُ﴾: منصوب على الاستثناء. ﴿قَدَّرْنَاهَا﴾: فعل وفاعل ومفعول به. ﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾: متعلق بـ ﴿قَدَّرْنَاهَا﴾ والجملة الفعلية في محل النصب حال من ﴿امْرَأَتَهُ﴾؛ أي: حالة كونها مقدرًا كونها من الغابرين. ﴿وَأَمْطَرْنَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿أَمْطَرْنَا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿أَنْجَيْنَاهُ﴾ ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به. ﴿مَطَرًا﴾: مفعول به ﴿فَسَاءَ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، أو استئنافية، ﴿سَاءَ﴾ فعل ماض لإنشاء الذم. ﴿مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَمْطَرْنَا﴾، أو مستأنفة مسوقة لإنشاء الذم.
﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩)﴾.
﴿قُلِ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة مسوقة لأمر رسوله - ﷺ - بحمده تعالى، وبالسلام على المصطفين الأخيار من خلقه، وكان هذا الحمد براعة استهلال؛ لما سيلقيه من البواهين والدلائل على الوحدانية والعلم والقدرة التي سيسرد ذكرها، وذلك بعد أن فرغ من قصص هذه السورة الخمس؛ ليكون نموذجًا يتأسى به كل كاتب وخطيب، ويحتذي به في كل علم مفاد. ﴿الْحَمْدُ﴾: مبتدأ، ﴿لِلَّهِ﴾: خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿وَسَلَامٌ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء به ما فيه من معنى الدعاء. ﴿عَلَى عِبَادِهِ﴾: خبر، والجملة معطوفة على جملة ﴿الْحَمْدُ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُلِ﴾، ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿عِبَادِهِ﴾، ﴿اصْطَفَى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف؛ تقديره: اصطفاهم الله سبحانه. ﴿آللَّهُ﴾ الهمزة: للاستفهام، يُطلب بها وبـ ﴿أَمَّ﴾ تعيين أحد الشيئين، ﴿آللَّهُ خَيْرٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾، ﴿أَمْ﴾: عاطفة متصلة لتوفر شروطها، وهو تقدم همزة الاستفهام عليها، ودخولها على المفرد ﴿مَا﴾: اسم موصول معطوف على الجلالة. ﴿يُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف؛ تقديره: أي أم الأصنام التي يشركونها به تعالى، وقيل: ﴿مَا﴾: مصدرية، والكلام حينئذٍ على حذفه مضاف من الأول؛ أي: توحيد الله خير أم شرككم. اهـ "سمين".
﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾.
﴿أَمَّنْ﴾: ﴿أم﴾ منقطعة بمعنى همزة التقرير، أو التوبيخ، وبل الإضرابية لعدم شرط كونها متصلة، ﴿مَّنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾: فعل ومفعول، وفاعل مستتر يعود على ﴿الله﴾، ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، والجملة صلة الموصول، وخبر المبتدأ محذوف، تقديره؛ أمن خلق السماوات والأرض خير أم ما يشركون، والجملة الاسمية في محل النصب
معطوفة على جملة قوله: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ﴾ على كونها مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿وَأَنْزَلَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر معطوف على ﴿خَلَقَ﴾. ﴿لَكُمْ﴾: حال من ﴿مَاءً﴾ أو متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾، ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ أيضًا، ﴿مَاءً﴾: مفعول به، ﴿فَأَنْبَتْنَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿أَنْبَتْنَا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿أَنْزَلَ﴾ على طريق الالتفات، كما سيأتي في مبحث البلاغة، ﴿بِهِ﴾ متعلقان به، ﴿حَدَائِقَ﴾: مفعول به، ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾: صفة لـ ﴿حَدَائِقَ﴾، وسوَّغ إفراده كون المنعوت جمع كثرة لما لا يعقل.
﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾.
﴿مَا﴾: نافية، ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص، ﴿لَكُمْ﴾: خبرها، مقدم على اسمها، ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿تُنْبِتُوا﴾: فعل وفاعل منصوب بحذف النون، ﴿شَجَرَهَا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم ﴿كَانَ﴾ مؤخرًا، والتقدير: ما كان إنبات شجرها كائنًا لكم، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل النصب صفة ثانية لـ ﴿حَدَائِقَ﴾، أو حال منها لتخصصها بالصفة ﴿أَإِلَهٌ﴾: ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الإنكاري، ﴿إلَهٌ﴾ مبتدأ، سوَّغ الابتداء بالنكرة تقدم الاستفهام عليه، ﴿مَعَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: هل إله آخر كائن مع الله سبحانه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿بَلْ﴾ حرف إضراب وانتقال من تبيكتهم بطريق الخطاب إلى بيان سوء حالهم، ﴿هُمْ قَوْمٌ﴾: مبتدأ وخبر، وجملة ﴿يَعْدِلُونَ﴾ صفة ﴿قَوْمٌ﴾، والجملة معترضة بين المقولات.
﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٦١)﴾.
﴿أَمَّنْ﴾: ﴿أم﴾: منقطعة، ﴿مَّنْ﴾ اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، والخبر محذوف، تقديره: خير أما يشركون؟ والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾، ﴿جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعولان، والجملة صلة لـ ﴿مَّنْ﴾ الموصولة. ﴿وَجَعَلَ﴾: فعل، وفاعل مستتر، معطوف على ﴿جَعَلَ﴾
الأول، ﴿خِلَالَهَا﴾ ظرف مكان في محل المفعول الثاني، ﴿أَنْهَارًا﴾ مفعول أول لـ ﴿جَعَلَ﴾، ﴿وَجَعَلَ﴾: فعل وفاعل مستتر معطوف على ﴿جَعَلَ﴾ الأول، ﴿لَهَا﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلَ﴾. ﴿رَوَاسِيَ﴾: مفعول أول له. ﴿وَجَعَلَ﴾: معطوف على ﴿جَعَلَ﴾ الأول. ﴿بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ﴾: ظرف في محل المفعول الثاني. ﴿حَاجِزًا﴾: مفعول أول لـ ﴿جَعَل﴾. ﴿أَإِلَهٌ﴾: ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الإنكاري، ﴿أَإِلَهٌ﴾: مبتدأ. ﴿مَعَ اللَّهِ﴾: خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿بَلْ﴾: حرف إضراب وانتقال. ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة معترضة بين المقولات.
﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)﴾.
﴿أَمَّنْ﴾ ﴿أم﴾: منقطعة، بمعنى همزة الاستفهام وبل الإضرابية، ﴿مَّنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، والخبر محذوف، تقديره: خير، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. و ﴿يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، صلة الموصول. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، في محل النصب على الظرفية، متعلق بـ ﴿يُجِيبُ﴾. ﴿دَعَاهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعل مستتر يعود على ﴿الْمُضْطَرَّ﴾، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذَا﴾ إليها، والتقدير: أمن يجيب المضطر وقت دعوته إياه؟ ﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على ﴿يُجِيبُ﴾. ﴿وَيَجْعَلُكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول أول. ﴿خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾: مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة ﴿يُجِيبُ﴾. ﴿أَإِلَهٌ﴾: ﴿الهمزة﴾ للاستفهام، ﴿إِلَهٌ﴾: مبتدأ. ﴿مَعَ اللَّهِ﴾: خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿قَلِيلًا﴾: صفة لمصدر محذوف، منصوب بما بعده؛ أي تذكرًا قليلًا، أو لوقت محذوف، و ﴿مَا﴾: زائدة؛ زيدت لتأكيد القلة، ﴿تَذَكَّرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجمل في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾.
{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)}.
﴿أَمَّنْ﴾ ﴿أم﴾: منقطعة، ﴿مَن﴾: مبتدأ خبره محذوف؛ أي: أمن يهديكم خير أما يشركون؟ والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾، ﴿يَهْدِيكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَهْدِيكُمْ﴾، ﴿وَالْبَحْرِ﴾: معطوف على ﴿الْبَرِّ﴾، ﴿وَمَنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل الرفع معطوف على ﴿مَنْ﴾ الأول، ﴿يُرْسِلُ﴾: فعل وفاعل مستتر، صلة الموصول، ﴿الرِّيَاحَ﴾: مفعول به، ﴿بُشْرًا﴾: حال من ﴿الرِّيَاحَ﴾، ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُرْسِلُ﴾. ﴿أَإِلَهٌ﴾: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري، ﴿إله﴾: مبتدأ، ﴿مَعَ اللَّهِ﴾: خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿تَعَالَى اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة معترضة، ﴿عَمَّا﴾: متعلق بـ ﴿تَعَالَى﴾، ﴿يُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل، والعائد محذوف؛ والتقدير: تعالى الله سبحانه عن الأصنام التي يشركونها به.
﴿أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦٤)﴾.
﴿أَمَّنْ﴾ ﴿أم﴾: منقطعة، ﴿مَّنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، والخبر محذوف، تقديره: خير، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾، ﴿يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، معطوف على ﴿يَبْدَؤا﴾. ﴿وَمَنْ﴾: اسم موصول معطوف على ﴿مَّنْ﴾ الأول، ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر ومفعول به صلة الموصول، ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾: متعلق بـ ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾، ﴿وَالْأَرْضِ﴾ معطوف على ﴿السَّمَاءِ﴾، ﴿أَإِلَهٌ﴾: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري، ﴿أَإِلَهٌ﴾: مبتدأ، ﴿مَعَ اللَّهِ﴾: خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿قُل﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة، ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾، ﴿إن﴾: حرف شرط،
﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، ﴿صَادِقِينَ﴾: خبره، وجواب ﴿إِنْ﴾ معلوم مما قبلها، تقديره: إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم، وجملة ﴿إنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة، ﴿لَا﴾: نافية، ﴿يَعْلَمُ﴾ فعل مضارع، ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل الرفع فاعل ﴿يَعْلَمُ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾، ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة، ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، ﴿الْغَيْبَ﴾: مفعول به، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء منقطع بمعنى لكن، ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ، خبره محذوف، تقديره: لكن الله يعلم ذلك، والجملة الاستدراكية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾، ويصج أن تكون ﴿مَنْ﴾: في محل نصب مفعولًا به، ﴿الْغَيْبَ﴾: بدل اشتمال منها، ﴿الله﴾: فاعل ﴿يَعْلَمُ﴾. والمعنى: قل لا يعلم الأشياء التي تحدث في السماوات والأرض الغائبة عنا إلا الله تعالى. ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿مَا﴾: نافية، ﴿يَشْعُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لَا يَعْلَمُ﴾، ﴿أَيَّانَ﴾: اسم استفهام بمعنى متى، في محل النصب على الظرفية، متعلق بـ ﴿يُبْعَثُونَ﴾، وهي معلقة لـ ﴿يَشْعُرُونَ﴾ عن العمل فيما بعدها، ﴿يُبْعَثُونَ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٦٦)﴾.
﴿بَلِ﴾: حرف إضراب انتقالي، ﴿ادَّارَكَ﴾: فعل ماض بمعنى انعدم واضمحل، ﴿عِلْمُهُمْ﴾ فاعل، والجملة مستأنفة، ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ متعلق بـ ﴿ادَّارَكَ﴾، أو بـ ﴿عِلْمُهُمْ﴾، وادارك وإن كان ماضيا لفظا فهو مستقبل معنى؛ لأنه كان حتما، كقوله: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾، ﴿بَلْ﴾: حرف إضراب انتقالي، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ ﴿فِي شَكٍّ﴾: خبر، ﴿مِنْهَا﴾: صفة لـ ﴿شَكٍّ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿بَلْ﴾:
حرف إضراب انتقالي أيضًا، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، ﴿مِنْهَا﴾: متعلق بـ ﴿عَمُونَ﴾: خبر، والجملة مستأنفة، والأصل عميون، استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الميم بعد حذف كسرتها فالتقى ساكنان، فحذفت الياء فصار ﴿عَمُونَ﴾، كما سيأتي.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿كَفَرُوا﴾ فعل وفاعل، صلة الموصول، ﴿أَإِذَا﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، تقديره: أنخرج من قبورنا إذا كنا ترابًا، ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط متعلق بنخرج المحذوف، لا بمخرجون؛ لأن ما بعد الهمزة وإن واللام لا يعمل فيما قبلها، ﴿كُنَّا تُرَابًا﴾: فعل ناقص واسمه وخبره، ﴿وَآبَاؤُنَا﴾: معطوف على اسم ﴿كان﴾ لوجود الفصل بـ ﴿تُرَابًا﴾، وجملة ﴿كان﴾ في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذا﴾، تقديره: أنخرج من قبورنا وقت كوننا ترابًا وأباؤنا؟، لا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَئِنَّا﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري، ﴿إنا﴾: ناصب واسمه، ﴿لَمُخْرَجُونَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿مُخْرَجُونَ﴾: خبر إن، وهذه الجملة مع استفهامها مؤكدة للجملة التي قبلها، ﴿لَقد﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿وُعِدْنَا﴾: فعل ونائب فاعل، ﴿هَذَا﴾: مفعول ثان لـ ﴿وُعِدْنَا﴾، ﴿نَحْنُ﴾: تأكيد لضمير ﴿وُعِدْنَا﴾، ﴿وَآبَاؤُنَا﴾ معطوف عليه، وجاز العطف عليه بوجود الفصل بالضمير المنفصل والمفعول الثاني، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿وُعِدْنَا﴾، ﴿إِنْ﴾: نافية، ﴿هَذَا﴾: مبتدأ، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿أَسَاطِيرُ﴾: خبر المبتدأ، ﴿الْأَوَّلِينَ﴾: مضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة،
﴿سِيرُوا﴾ فعل وفاعل، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾، ﴿فَانْظُرُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿سِيرُوا﴾، ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم عليها للزومه الصدارة، ﴿كَانَ عَاقِبَةُ﴾: فعل ناقص واسمه، ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ مضاف إليه، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل النصب مفعول ﴿انْظُرُوا﴾، علق عنها باسم الاستفهام. ﴿وَلَا تَحْزَنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿لَا﴾: ناهية جازمة، ﴿تَحْزَنْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على محمد، مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿قُلْ﴾، ﴿وَلَا تَكُنْ﴾: جازم وفعل ناقص مجزوم، معطوف على ﴿لَا تَخزَنْ﴾ واسمها ضمير يعود على محمد، ﴿فِي ضَيْقٍ﴾: خبرها، ﴿مِمَّا﴾ ﴿من﴾: حرف جر، ﴿ما﴾: مصدرية، وجملة ﴿يَمْكُرُونَ﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية، الجار والمجرور صفة لـ ﴿ضَيْقٍ﴾؛ أي: في ضيق كائن من مكرهم.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢)﴾.
﴿وَيَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجله مستأنفة، ﴿مَتَى﴾: اسم استفهام في محل النصب على الظرفية الزمانية، متعلق بمحذوف خبر مقدم لـ ﴿هَذَا﴾ و ﴿هَذَا﴾: مبتدأ مؤخر، و ﴿الْوَعْدُ﴾: بدل منه، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿وَيَقُولُونَ﴾، ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾: فعل ناقص واسمه وخبره، في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، تقديره: إن كنتم صادقين فمتى هذا الوعد، والجملة الشرطية في محل النصب مقول ﴿وَيَقُولُونَ﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على النبي، والجملة مستأنفة، ﴿عَسَى﴾: فعل ماض من أفعال الرجاء، يرفع الاسم، وينصب الخبر، واسمها ضمير مستتر فيه، تقديره: هو، يعود على الشأن، ﴿أَنْ﴾: حرف مصدر، ﴿يَكُونَ﴾: فعل ناقص منصوب بـ ﴿أن﴾، واسمها ضمير مستتر يعود على الشأن، والمصدر المؤول من ﴿أَنْ يَكُونَ﴾: خبر ﴿عَسَى﴾، ﴿رَدِفَ﴾: فعل ماض بمعنى قرب، ﴿لَكُمْ﴾ متعلق به، ﴿بَعْضُ﴾:
فاعل، ﴿الَّذِي﴾: مضاف إليه، وجملة ﴿تَسْتَعْجِلُونَ﴾ صلته، والعائد محذوف. تقديره: بعض الذي تستعجلونه، وجملة ﴿رَدِفَ﴾ في محل النصب خبر ﴿يَكُونَ﴾، والتقدير: عسى أن يكون رديفًا قريبًا لكم بعض العذاب الذي تستعجلونه، وجملة ﴿أَنْ يَكُونَ﴾: خبر ﴿عَسَى﴾، والتقدير: عسى هو - أي الشأن - كون العذاب الذي تستعجلونه رديفًا قريبًا لكم، وجملة ﴿عَسَى﴾: في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٧٣)﴾.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَذُو فَضْلٍ﴾: خبره ومضاف إليه، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء، والجملة مستأنفة، ﴿عَلَى النَّاسِ﴾ متعلق بـ ﴿فَضْلٍ﴾، ﴿وَلَكِنَّ﴾ ﴿الواو﴾: حالية، ﴿لكن﴾: حرف نصب واستدراك، ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾: اسمها، وجملة ﴿لَا يَشْكُرُونَ﴾ خبرها، وجملة الاستدراك في محل النصب حال من ﴿النَّاسِ﴾، والتقدير: وإن ربك لذو فضل على الناس حالة كون أكثرهم غير شاكرين له.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٤) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٧٥)﴾.
﴿وَإِنَّ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَيَعْلَمُ﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، و ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يعلم﴾، وجملة ﴿يعلم﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾: معطوفة على جملة ﴿إنَّ﴾ الأولى، ﴿تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة ﴿مَا﴾ الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: ما تكنه صدورهم. ﴿وَمَا﴾: معطوفة على ﴿مَا﴾ الأولى، وجملة ﴿يُعْلِنُونَ﴾ صلته، والعائد محذوف تقديره: وما يعلنونه، ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿مَا﴾: نافية، ﴿مِن﴾: زائدة، ﴿غَائِبَةٍ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء، بالنكرة تقدم النفي عليها، ﴿فِي السَّمَاءِ﴾: صفة لـ ﴿غَائِبَةٍ﴾، ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاءِ﴾، ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر واستثناء مفرغ، ﴿فِي كِتَابٍ﴾: خبر ﴿غَائِبَةٍ﴾، ﴿مُبِينٍ﴾: صفة ﴿كِتَابٍ﴾
والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿يَتَطَهَّرُونَ﴾؛ أي: ينزهون أنفسهم، ويتباعدون عما نفعله، ويزعمون أنه من القاذورات.
﴿قَدَّرْنَاهَا﴾؛ أي: قضينا وحكمنا، ﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾؛ أي: الباقين في العذاب، ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ هذا التأكيد يدل على شدة المطر، وأنه غير معهود.
﴿حَدَائِقَ﴾ جمع حديقة؛ أي: بستان من أحدق بالشيء إذا أحاط به، ولما كان البستان محوَّطًا بالحيطان سمي حديقة، وإلا فلا يسمى بها، وفي "المصباح": والحديقة البستان يكون عليه حائط، فعيلة بمعنى مفعولة؛ لأن الحائط أحدق بها؛ أي: أحاط، ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان، وإن كان بغير حائط، والجمع الحدائق، وفي "الصحاح": الحديقة كل بستان عليه حائط، ومن أقوالهم: ورد عليَّ كتابك فتنزهت في آنق رياضه وبهجة حدائقه، وقال في "المفردات": الحدائق جمع حديقة، وهي قطعة من الأرض ذات ماء سميت بها تشبيهًا بحدقة العين في الهيثة وحصول الماء فيها، وحدقوا به وأحدقوا أحاطوا به، تشبيهًا لإدارة الحدقة. انتهى.
﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ البهجة حسن اللون، وظهور السرور فيه؛ أي: صاحبة حسن ورونق يبتهج به النظار، وكل موضع ذي أشجار مثمرة محاط عليه فهو حديقة، وكل ما يسر منظره فهو بهجة، و ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ نعت لحدائق. وسوَّغ إفراده كون المنعوت جمع كثرة لما لا يعقل. قال بعضهم:
وَجَمْعُ كَثْرَةٍ لِمَا لاَ يَعْقِلُ | الأَفْصَحُ الإِفْرَاد فِيْهِ يَا فُلُ |
يكون من قولهم: عدل عن الحق إذا جار عدولًا انتهى، فهم جاروا وظلموا بوضع الكفر موضع الإيمان، والشرك محل التوحيد.
﴿قَرَارًا﴾ أي: مستقرًا؛ أي: دحاها وسواها بحيث يمكن الاستقرار عليها، يقال: قر في مكانه يقر قرارًا إذا ثبت ثبوتًا جامدًا، وأصله القر، وهو البرد، لأجل أن البرد يقتضي السكون، والحر يقتضي الحركة.
﴿وَجَعَلَ خِلَالَهَا﴾ جمع خلل، وهي الفرجة بين الشيئين، نحو خلل الدار، وخلل السحاب ونحوهما، أوساطها.
﴿رَوَاسِيَ﴾ أي: جبالًا ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة، يقال: رسا الشيء يرسو إذا ثبت، قال في "كشف الأسرار": الرواسي جمع الجمع، يقال: جبل راس وجبال راسية، ثم تُجمع الراسية على الرواسي.
﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا﴾؛ أي: مانعًا معنويًا، وهو القدرة القاهرة، قال في "المفردات": الحجز المنع بين الشيئين بفاصل بينهما، وسمي الحجاز بذلك لكونه حاجزًا بين الشام والبادية، والحاجز هنا المانع الإلهي، إذ ليس هناك حاجزٌ حسي كما هو مشاهد.
﴿الْمُضْطَرَّ﴾ والمضطر هنا اسم مفعول من الاضطرار، وهو المكروب المجهود الذي لا حول له ولا قوة. والاضطرار افتعال من الضرورة، أصله المضتر قلبت تاء الافتعال طاء لوقوعها إثر مطبق، وهو الضاد، والضرورة هي الحالة المحوجة إلى اللجاء، والمضطر الذي أحوجته شدة من الشدائد إلى اللجاء والضراعة إلى الله تعالى، كالمرض والفقر والدين والغرق والحبس والجور والظلم وغيرها من نوازل الدهر، فكشفها بالشفاء والإغناء والإنجاء والإطلاق والتخليص. ذكره في "الروح".
﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ والسوء كل ما يسوء الإنسان؛ أي: يحزنه سواء كان في نفسه، أو في غيره، كولده أو صديقه أو أهله أو ماله. فذكره بعد الضر، من ذكر العام بعد الخاص. اهـ شيخنا.
﴿خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ من الخلافة، وهي الملك والتسلط، ﴿قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ أصله تتذكرون؛ لأنه من باب تفعل الخماسي فأدغمت التاء في الذال، فالذال والتاء مفتوحتان، و ﴿مَا﴾ مزيدة لتقليل القليل، وهو كناية عن العدم بالكلية فالمراد نفي تذكرهم رأسًا. اهـ. شيخنا، وفي "الكرخي": والمعنى: نفي التذكر، والقلة تُستعمل في معنى النفي. اهـ، ﴿مَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾؛ أي: يوجده أول مرة، فالخلق بمعنى المخلوق.
﴿قُلْ هَاتُوا﴾ قال الحريري: تقول العرب للواحد المذكر: هات بكسر التاء، والجمع هاتوا، وللمؤنث هاتي، ولجماعة الإناث هاتين، وللاثنين من المذكر والمؤنث هاتيا دون هاتا، من غير أن يفرقوا في الأمر لهما، كما لم يفرقوا بينهما في ضمير المثنى، في مثل قولك غلامهما، وضربهما، ولا في علامة التثنية التي في قولك: الزيدان والهندان.
وكان الأصل في هات: آت المأخوذ من أتي؛ أي: أعطي، فقُلبت الهمزة هاء كما قُلبت في أرقت الماء، وفي إياك، فقيل: هرقت وهيَّاك. وفي "ملح العرب": أن رجلًا قال لأعرابي: هات. فقال: والله ما أهاتيك؛ أي: ما أعطيك.
﴿بُرْهَانَكُمْ﴾ والبرهان أوكد الأدلة، وهو الذي يقتضي الصدق أبدًا، ﴿الْغَيْبَ﴾ وهو كل ما غاب عن العباد، كالساعة وأمور الآخرة، ونحوها، ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: متى يحشرون من القبور، فـ ﴿أَيَّانَ﴾ مركبة من أي وآن. فأي للاستفهام، وآن بمعنى الزمان، كما مر في مبحث التفسير.
﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ﴾ أصله تدارك فابدلت التاء دالًا، وأسكنت للإدغام، واجتُلبت همزة الوصل للابتداء، ومعناه تلاحق وتدارك. قال في "القاموس": جهلوا علمها ولا علم عندهم من أمرها. انتهى، والمراد التتابع في الاضمحلال والفناء، ﴿فِي شَكٍّ﴾؛ أي: في حيرة عظيمة.
﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾؛ أي: جاهلون بحيث لا يكادون يدركون دلائلها لاختلال بصائرهم بالكلية، جمع عم، وهو أعمى القلب، قال في "المفردات":
العمى يقال: في افتقاد البصر، وافتقاد البصيرة، ويقال في الأول: أعمى، وفي الثاني: عميٌ وعمٍ، وعمى القلب أشد، ولا اعتبار لافتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة، إذ رُب أعمى في الظاهر بصير في الباطن، ورب بصير في الصورة أعمى في الحقيقة، كحال الكفار والمنافقين والغافلين، وعلاج هذا العمى إنما يكون بضده، وهو العلم الذي به يُدرك الآخرة وما تحويه من الأمور. اهـ "الروح"، وأصله عميون استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الميم بعد حذف حركتها.
﴿إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ والأساطير الأحاديث التي ليس لها حقيقة ولا نظام، جمع إسطار وإسطير بالكسر، وأسطور بالضم، وبالهاء في الكل، جمع سطر.
﴿عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ من الإجرام، وأصل الجرم قطع الثمر عن الشجر، والجرامة رديء الثمر المجروم، واستعير لكل اكتساب مكروه، ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ وفي "القاموس": ردفه - كسمع ونصر - تبعه، ولكنه ضمن هنا معنى دنا أو قرب. ولذلك عدي باللام، أو أن اللام زائدة كما مر.
﴿مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾؛ أي: ما تخفيه، من أكن إذا أخفى، والإكنان جعل الشيء في الكن، وهو ما يحفظ فيه الشيء.
﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ﴾ في "السمين": في هذه التاء قولان:
أحدهما: أنها للمبالغة، كراوية وعلامة.
والثاني: أنها كالتاء الداخلة على المصادر، نحو العافية، والعاقبة، قال الزمخشري: ونظيرها الذبيحة والنطيحة والرمية في أنها أسماء غير صفات. اهـ.
قولهْ ﴿وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ﴾ بثبوت النون هنا على الأصل. وقد حذفت من هذا المضارع في القرآن في عشرين موضعًا، تسعة منها مبدوءة بالتاء، وثمانية بالياء، واثنان بالنون، وواحد بالهمزة. وهو قوله: ﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ اهـ شيخنا. ﴿فِي ضَيْقٍ﴾ أي: في حرج وضيق صدر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾.
ومنها: براعة الاستهلال في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ فإنه كان هذا الحمد براعة استهلال لما سيلقيه من البراهين والدلائل على الوحدانية، والعلم والقدرة التي سيذكرها.
ومنها: أسلوب التبكيت والتهكم في قوله: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ بعد قوله: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ فقد انتقل في نقل الأخبار من الغيبة إلى التكلم عن ذاته في قوله: ﴿فَأَنْبَتْنَا﴾ والسر فيه تأكيد اختصاص فعل الإنبات بذاته تعالى، وللإيذان بأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف، وما يبدو فيها من تزاويق الألوان، وتحاسين الصور ومتباين الطعوم، ومختلف الروائح المتفاوتة في طيب العرف والأريج. كل ذلك لا يقدر عليه إلا قادر خالق، وهو الله وحده، ولذلك رشح هذا الاختصاص بقوله بعد ذلك: ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾ وقد أدرك أبو نواس هذه الحقيقة، فقال:
تَأَمَّلْ فِيْ رِيَاضِ الأَرْضِ وَانْظُرْ | إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيْكُ |
عُيُوْنٌ مِنْ لُجَيْنٍ شَاخِصَاتٌ | بِأنْظَارِ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيْكُ |
عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ | بِأَنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيْكُ |
ومنها: الطباق في قوله: ﴿ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾.
ومنها: الاستعارة اللطيفة في قوله: ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾؛ أي: أمام نزول المطر، فاستعار اليدين للأمام. صفحة رقم 44
ومنها: الطباق في قوله: ﴿يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ استعار العمى للتعامي عن الحق وعدم التفكر والتدبر في آلاء الله سبحانه.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا﴾.
ومنها: تكرير همزة الإنكار في قوله: ﴿أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ للمبالغة في التعجب والإنكار.
ومنها: الوعيد والتهديد في قوله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩)﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ لأن أصل الإجرام قطع الثمر عن الشجر، فاستعير لكل اكتساب مكروه.
ومنها: التأكيد بـ ﴿إن﴾ و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ﴾ وفي قوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ لأن معنى تكن تخفي.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (٨٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)﴾
المناسبة
قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر ما يتعلق بالنشأة الأولى، وأنه خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وما يتصل بالبعث والنشور، وأقام على ذلك الدليل يتلو الدليل بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد.. أردف ذلك الكلام على نبوة محمد - ﷺ -، وأقام الأدلة على صحتها، وصدق دعواه فيما يدعى، وكان من أعظم ذلك القرآن الكريم، لا جرم بين الله تعالى إعجازه من وجوه:
١ - أن ما فيه من القصص موافق لما في التوارة والإنجيل، مع أنه - ﷺ - كان
أميًا، ولم يخالط أحدًا من العلماء للاستفادة والتعلم، فلا يكون ذلك إذًا إلا من وحي إلهي من لدن حكيم خبير.
٢ - أن ما فيه من دلائل عقلية على التوحيد والبعث والنبوة والتشريع العادل المطابق لحاجة البشر في دنياهم وآخرتهم، لا يوجد له نظير في كتاب آخر، فلا بد أن يكون ذلك من عند الله تعالى.
٣ - أنه قد بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة، حتى لم يستطع أحد أن يتصدى لمعارضته، مع حرصهم عليها أشد الحرص، فدل ذلك على أنه خارج عن قوى البشر، وأنه من الملأ الأعلى، ومن لدن خالق القوى والقدر.
ثم ذكر بعد ذلك أنه جاء حكمًا على بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، فأبان لهم الحق في هذا، كاختلافهم في أمر المسيح فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله، ومن قائل إنه ثالث ثلاثة، وقوم يقولون: إنه كاذب في دعواه النبوة، كما نسبوا مريم إلى ما هي منزهة عنه، وقالوا: إن النبي المبشَّر به في التوراة هو يوشع عليه السلام، أو هو نبي آخر يأتي آخر الدهر، إلى نحو ذلك مما اختلفوا فيه، وأنه لا يحكم إلا بالعدل، فقوله الحق وقضائه الفصل.
ثم أمر رسول - ﷺ - أن يتوكل عليه، فإنه حافظه، وناصره. وأن يُعرض عن اْولئك الذين لا يستمعون لدعوته؛ لأنهم صم بكم لا يعقلون، والذكرى لا تنفع إلا من له قلب يعي، وآذان تسمع دعوة الداعي إلى الحق فتستجيب لها.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذٍ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد - ﷺ -.. أردف ذلك بذكر مقدمات القيامة، وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ يُنفخ في الصور فيفزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله تعالى، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب.