آيات من القرآن الكريم

وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ يُكِنُّونَ أَشْيَاءَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، مِنْهَا: أَنَّهُمْ يَتَرَبَّصُونَ بِهِمُ الدَّوَائِرَ، وَأَنَّهُمْ تُخَامِرُ نُفُوسَهُمْ خَوَاطِرُ إِخْرَاجِهِ وَإِخْرَاجِ الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا الِاسْتِئْنَافُ لَمَّا كَانَ ذَا جِهَةٍ مِنْ مَعْنَى وَصْفِ اللَّهِ بإحاطة الْعلم عطفت جُمْلَتَهُ عَلَى جُمْلَةِ وَصْفِ اللَّهِ بِالْفَضْلِ، فَحَصَلَ بِالْعَطْفِ غَرَض ثَان مِنْهُم، وَحَصَلَ مَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ مِنْ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ.
وَأَمَّا التَّوْكِيدُ بِ إِنَّ فَهُوَ عَلَى نَحْوِ تَوْكِيدِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ لِتَنْزِيلِ السَّائِلِ مَنْزِلَةَ الْمُتَرَدِّدِ وَذَلِكَ تَلْوِيحٌ بِالْعِتَابِ.
وتُكِنُّ تُخْفِي وَهُوَ مِنْ (أَكَنَّ) إِذَا جَعَلَ شَيْئًا كَانًّا، أَيْ حَاصِلًا فِي كِنٍّ. وَالَكِنَّ:
الْمَسْكَنُ. وَإِسْنَادُ تُكِنُّ إِلَى الصُّدُورِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الصُّدُورَ مَكَانَهُ. والإعلان:
الْإِظْهَار.
[٧٥]
[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٧٥]
وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ [النَّمْل: ٧٤]. وَهُوَ فِي مَعْنَى التَّذْيِيلِ لِلْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا ذُكِرَ مِنْهَا عِلْمُ اللَّهِ بِضَمَائِرِهِمْ فَذَيَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَإِنَّمَا جَاءَ مَعْطُوفًا لِأَنَّهُ جَدِيرٌ بِالِاسْتِقْلَالِ بِذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعْلِيمٌ لِصِفَةِ عِلْمِ اللَّهِ
تَعَالَى وَتَنْبِيهٌ لَهُمْ مِنْ غَفْلَتِهِمْ عَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ لِمَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ.
وَالْغَائِبَةُ: اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْغَائِبِ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلنَّقْلِ مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ كَالتَّاءِ فِي الْعَافِيَةِ، وَالْعَاقِبَةِ، وَالْفَاتِحَةِ. وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْغَيْبِ وَهُوَ ضِدُّ الْحُضُورِ، وَالْمُرَادُ:
الْغَائِبَةُ عَنْ عِلْمِ النَّاسِ. اسْتَعْمَلَ الْغَيْبَ فِي الْخَفَاءِ مَجَازًا مُرْسَلًا.
وَالْكِتَابُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ، اسْتُعِيرَ لَهُ الْكِتَابُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّحَقُّقِ وَعَدَمِ قَبُولِ التَّغْيِيرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا غَيْبِيًّا يُسَجَّلُ فِيهِ مَا سَيَحْدُثُ.
وَالْمُبِينُ: الْمُفَصَّلُ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُفَصَّلَ يَكُونُ بَيِّنًا وَاضِحًا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ حَقِيقَةُ شَيْءٍ مِمَّا خَفِيَ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا

صفحة رقم 29
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية