
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٧]
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧)فلمّا رجعوا إلى بلقيس، وأخبروها بما شاهدوا وسمعوا علمت أنه لا وجه لها سوى الاستسلام والطاعة، فعزمت على المسير إلى خدمته، وأوحى الله إلى سليمان بذلك، وأنها خرجت مستسلمة، فقال: أيكم يأتينى بعرشها؟.
قوله جل ذكره:
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)
بسط الله- سبحانه- ملك سليمان، وكان في ملكه الجنّ والإنس والشياطين الجنّ على جهة التسخير، والإنس على حكم الطوع، والشياطين وكانوا على أقسام.
ولمّا قال: «أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها؟» قال عفريت من الجن- وكان أقواهم- «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ»، فلم يرغب سليمان في قوله لأنه بنى القول فيه على دعوى قوّته «١».
قوله جل ذكره: «قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ».

«الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ» (قيل هو آصف) «١» وكان صاحب كرامة. وكرامات الأولياء ملتحقة بمعجزات الأنبياء، إذ لو لم يكن النبيّ صادقا في نبوته لم تكن الكرامة تظهر على من يصدّقه ويكون من جملة أمته.
ومعلوم أنه لا يكون في وسع البشر الإتيان بالعرش بهذه السرعة، وأن ذلك لا يحصل إلا بخصائص قدرة الله تعالى. وقطع المسافة البعيدة في لحظة لا يصح تقديره في الجواز إلا بأحد وجهين: إمّا بأن يقدّم «٢» الله المسافة بين (العرش وبين منزل سليمان) «٣»، وإمّا بأن يعدم العرش ثم يعيده في الوقت الثاني بحضرة سليمان. وأيّ واحد من القسمين كان- لم يكن إلّا من قبل الله، فالذى كان عنده علم من الكتاب دعا الله- سبحانه- واستجاب له في ذلك، وأحضر العرش، وأمر سليمان حتى غيّر صورته فجعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه، وأثبته على تركيب آخر غير ما كان عليه.
ولمّا رأى سليمان ذلك أخذ في الشكر لله- سبحانه- والاعتراف بعظم نعمه، والاستحياء، والتواضع له، وقال: «هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي» لا باستحقاق منى، ولا باستطاعة من غيرى، بل أحمد النعمة لربّى حيث جعل في قومى ومن أمتى من له الجاه عنده فاستجاب دعاءه.
وحقيقة الشكر- على لسان العلماء- الاعتراف بنعمة المنعم على جهة الخضوع والأحسن أن يقال الشكر هو الثناء على المحسن بذكر إحسانه، فيدخل في هذا شكر الله للعبد لأنه ثناء منه على العبد بذكر إحسان العبد، وشكر العبد ثناء على الله بذكر إحسانه..
إلّا إنّ إحسان الحقّ هو إنعامه، وإحسان العبد طاعته وخدمته لله، وما هو الحميد من أفعاله.
فأمّا على طريق أهل المعاملة وبيان الإشارة: فالشكر صرف النعمة في وجه الخدمة.
(٢) فى م (يعدم) بالعين، وإعدام المسافة أي جعلها في حكم العدم مقبول في المعنى، وينسجم مع جعل العرش في حكم العدم وإعادة خلقه من جديد.. وكذلك تقديم المسافة (بالقاف) مقبول حتى يصبح نقله من مكان إلى مكان قريب ميسورا، فالإعدام أو التقديم كلاهما مقبول لأن القدرة الإلهية تشملهما.
(٣) هكذا في م ولكنها في ص (بين القريتين) أي قرية سليمان وقرية بلقيس.