آيات من القرآن الكريم

قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]

فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)
قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قال الزجاج: لما جاء رسُولها، ويجوز: فلمَّا جاء بِرُّها.
قوله تعالى: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «أتُمِدُّونَني» بنونين وياء في الوصل. وروى المسيِّبي عن نافع: «أتُمِدُّوني» بنون واحدة خفيفة وياء في الوصل والوقف. وقرأ عاصم، وابن عامر، والكسائي: «أتُمِدُّونَنِ» بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة: «أتُمِدُّونِّي بمال» بنون واحدة مشددة ووقف على الياء.
قوله تعالى: فَما آتانِيَ اللَّهُ قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «فما آتانِ» بكسر النون من غير ياء. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وحفص عن عاصم: «أتاني الله» بفتح الياء. وكلّهم فتح التاء غير الكسائي، فإنه أمالها من «آتاني اللهُ» وأمال حمزة: «أنا آتيكَ به» أشمَّ النون شيئاً من الكسر، والمعنى: فما آتاني الله، أي: من النبوَّة والملك خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ من المال بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ يعني إِذا أهدى بعضكم إِلى بعض فرح، فأمّا أنا فلا، ثم قال للرسول: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ أي: لا طاقة لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها يعني بلدتهم. فلمّا رجعتْ رسلُها إِليها بالخبر، قالت: قد علمتُ أنَّه ليس بملِك وما لنا به طاقة، فبعثتْ إِليه: إِني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما تدعو إِليه، ثم أمرت بعرشها فجُعل وراء سبعة أبواب، ووكَّلتْ به حرساً يحفظونه، وشخصت إِلى سليمان في اثني عشر ألف ملِك، تحت يدي كل ملِك ألوف. وكان سليمان مهيبا لا يبتدئ بشيء حتى يسأل عنه، فجلس يوماً على سرير ملكه فرأى رهجاً قريباً منه، فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس قد نزلت بهذا المكان، وكان قدر فرسخ، وقد كان بلغه أنها احتاطت على عرشها قبل خروجها، وقالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها وفي سبب طلبه له خمسة أقوال «١» : أحدها: ليعلم صِدق الهدهد، قاله ابن عباس. والثاني: ليجعل ذلك دليلاً على صِدق نبوَّته، لأنها خلَّفته في دارها واحتاطت عليه، فوجدته قد تقدَّمها، قاله وهب بن منبه. والثالث: ليختبر عقلها وفطنتها، أتعرفه أم تُنْكِره، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: لأن صفته أعجبتْه، فخشي أن تُسْلِم فيحرم عليه مالها، فأراد أخذه قبل ذلك، قاله قتادة.
(١) قال الطبري في «تفسيره» ٩/ ٥٢١: وأولى الأقوال بالصواب في السبب الذي من أجله خص سليمان بسؤاله الملأ من جنده بإحضار عرش المرأة دون سائر ملكها عندها ليجعل ذلك حجة عليها في نبوته ويعرّفها بذلك قدرة الله وعظيم شأنه، أنها خلفته في بيت في جوف أبيات بعضها في جوف بعض مغلق مقفل فأخرجه الله من ذلك كله بغير فتح أغلاق وأقفال حتى أوصله إلى وليه من خلقه وسلمه إليه فكان لها في ذلك أعظم حجة على حقيقة ما دعاها إليه سليمان وعلى صدقه فيما أعلمها من نبوته.

صفحة رقم 362

والخامس: ليريَها قدرة الله تعالى وعِظَم سلطانه، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ قال أبو عبيدة: العِفْريت من كل جِنّ أو إِنس: الفائق المبالغ الرئيس. وقال ابن قتيبة: العفريت: الشرير الوثيق. وقال الزجاج: العفريت: النافذ في الأمر، المبالغ فيه مع خُبث ودهاء. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والضحاك، وأبو العالية، وابن يعمر، وعاصم الجحدري:
«قال عَفْرِيت» بفتح العين وكسر الراء، وروى ابن أبي شريح عن الكسائي: «عِفْريَةٌ» بفتح الياء وتخفيفها، وروي عنه أيضاً تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث. وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع:
«عِفْرَاةٌ» بكسر العين وفتح الراء وبألف من غير ياء.
قوله تعالى: قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ أي: من مجلسك ومثله: «في مقام أمين» «١». وكان سليمان يجلس للقضاء بين الناس من وقت الفجر إِلى طلوع الشمس، وقيل: إِلى نصف النهار. وَإِنِّي عَلَيْهِ أي: على حمله لَقَوِيٌّ. وفي قوله تعالى: أَمِينٌ قولان: أحدهما: أمين على ما فيه من الجوهر والدُّرِّ وغير ذلك، قاله ابن السائب. والثاني: أمين أن لا آتيك بغيره بدلاً منه، قاله ابن زيد. قال سليمان: أريد اسرع من ذلك. قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ وهل هو إِنسي أم مَلَك؟ فيه قولان:
أحدهما: إِنسيّ، قاله ابن عباس، والضحاك، وأبو صالح، ثم فيه أربعة أقوال: أحدها: أنَّه رجل من بني إِسرائيل، واسمه آصف بن برخياء، قاله مقاتل. قال ابن عباس: دعا آصف- وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف- فبعث اللهُ الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يَخُدُّون الأرض خَدّاً، حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان. والثاني: أنه سليمان عليه السلام، وإِنما قال له رجل: أنا آتيك به قبل أن يرتد إِليك طَرْفك، فقال: هات، قال: أنت النبيُّ ابن النبيِّ، فان دعوتَ الله جاءكَ، فدعا اللهَ فجاءه، قاله محمّد بن المنكدر. والثالث: أنَّه الخضر، قاله ابن لهيعة «٢». والرابع: أنه عابد خرج يومئذ من جزيرة في البحر فوجد سليمان فدعا فأُتيَ بالعرش، قاله ابن زيد. والقول الثاني: أنه من الملائكة، ثم فيه قولان: أحدهما: أنه جبريل عليه السلام. والثاني: مَلَك من الملائكة أيَّد اللهُ تعالى به سليمان، حكاهما الثعلبي. وفي العِلْم الذي عنده من الكتاب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه اسم الله الأعظم، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور. والثاني: أنه عِلْم كتاب سليمان إلى بلقيس. والثالث:
عِلْم ما كتب اللهُ لبني آدم، وهذا على أنه مَلَك، حكى القولين الماوردي. وفي قوله تعالى: قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أربعة أقوال: أحدها: قبل أن يأتيَك أقصى ما تنظر إِليه، قاله سعيد بن جبير. والثاني:
قبل أن ينتهي طرفك إِذا مددته إِلى مداه، قاله وهب. والثالث: قبل أن يرتد طرفك حسيراً إِذا أدمتَ النظر، قاله مجاهد. والرابع: بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرف، قاله الزّجّاج: قال مجاهد: دعا فقال: يا ذا الجلال والإِكرام، وقال ابن السائب: إِنما قال: يا حيّ يا قيّوم.
قوله تعالى: فَلَمَّا رَآهُ في الكلام محذوف تقديره: فدعا اللهَ فأُتيَ به، فلمَّا رآه، يعني: سليمان مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ أي: ثابتاً بين يديه قالَ هذا يعني التمكُّن من حصول المراد.
قوله تعالى: أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ فيه قولان: أحدهما: أأشكر على السرير إِذ أُتيتُ به، أم أكفر إذا

(١) الدخان: ٥١.
(٢) ابن لهيعة: ضعيف إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله، وقد استغرب ابن كثير هذا القول جدا.

صفحة رقم 363
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية