آيات من القرآن الكريم

وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ١٥ الى ٤٤]

وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤)
أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)

صفحة رقم 296

القراآت:
وادِ النَّمْلِ ممالة: عباس وقتيبة. وقرأ يعقوب وعلي والسرنديبي عن قنبل بالياء في الوقف. لا يَحْطِمَنَّكُمْ بالنون الخفيفة: عباس ورويس. أَوْزِعْنِي بفتح الياء: ابن كثير وكذلك في «الأحقاف» ما لِيَ لا بفتح ياء المتكلم: ابن كثير وعلي وعاصم لَيَأْتِيَنِّي بنون الوقاية بعد الثقيلة: ابن كثير. فَمَكَثَ بفتح الكاف: عاصم وسهل ويعقوب غير رويس. الآخرون بضمها مِنْ سَبَإٍ بفتح الهمزة لامتناع الصرف:
البزي وأبو عمرو وعن قنبل بهمزة ساكنة. وفي رواية أخرى عنه وعن ابن فليح وزمعة بغير همز. الباقون بهمزة منونة مكسورة، وكذلك في سورة سبأ. أَلَّا يَسْجُدُوا مخففا: يزيد وعلي ورويس. الآخرون بالتشديد. وقال ابن مجاهد: إذا وقفوا على أَلَّا وقفوا على «ألا يا» والابتداء اسجدوا تُخْفُونَ وتُعْلِنُونَ بتاء الخطاب فيهما: علي وحفص والباقون على الغيبة فَأَلْقِهْ بسكون الهاء: حمزة وعاصم غير المفضل وأبو عمرو غير عباس، وقرأ باختلاس حركة الهاء: يزيد وقالون ويعقوب غير زيد وأبو عمرو من طريق الهاشمي عن اليزيدي الباقون بالإشباع إِنِّي أُلْقِيَ بفتح ياء المتكلم: أبو جعفر ونافع أتمدونني بالياء في الحالين: ابن كثير وسهل وافق به أبو جعفر ونافع وأبو عمرو في الوصل اتمدوني بتشديد النون وبالياء في الحالين: حمزة ويعقوب. الآخرون بإظهار النونين وحذف الياء أتاني الله بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن فليح وحفص. فمن فتح الياء فالوقف بالياء لا غير، من حذف الياء فإنه يقف بغير الياء إلا سهلا ويعقوب فإنهما يقفان بالياء. وقرأ علي آتانِيَ اللَّهُ بالإمالة أَنَا آتِيكَ بالإمالة وكذلك ما بعده: حمزة في رواية خلف وابن سعدان والعجلي وأبي عمرو وخلف لنفسه فلما رأيه بكسر الراء: نصير لِيَبْلُوَنِي بفتح الياء: أبو جعفر ونافع. اقَيْها
وبابه بالهمز: ابن مجاهد وأبو عون عن قنبل والأحسن تركها. قال في الكشاف: من همز فوجهه أنه سمع سؤقا فأجرى عليه الواحد.
الوقوف:
عِلْماً ج للعدول عن بيان إيتاء الفضل ابتداء إلى ذكر قول المنعم عليهما شكرا ووفاء الْمُؤْمِنِينَ هـ شَيْءٍ ط الْمُبِينُ هـ يُوزَعُونَ هـ النَّمْلِ لا لأن ما بعده جواب «إذا» مَساكِنَكُمْ ج لانقطاع النظم لنهي الغائب مع اتحاد القائل وَجُنُودُهُ لا لأن الواو للحال لا يَشْعُرُونَ هـ الصَّالِحِينَ هـ الْهُدْهُدَ ز على معنى بل أكان من الغائبين على معنى التهديد والأصح أن «أم» متصل بمعنى الاستفهام في ما لِيَ أي أنا لا أراه أو هو غائب الْغائِبِينَ هـ مُبِينٍ هـ يَقِينٍ هـ عَظِيمٌ هـ لا يَهْتَدُونَ هـ لا ومن خفف

صفحة رقم 297

أَلَّا وقف مطلقا تُعْلِنُونَ هـ الْعَظِيمِ هـ سجدة الْكاذِبِينَ هـ يَرْجِعُونَ هـ كَرِيمٌ هـ الرَّحِيمِ هـ لا لتعلق «أن» مُسْلِمِينَ هـ أَمْرِي ج لانقطاع النظم مع اتحاد القائل تَشْهَدُونِ هـ تَأْمُرِينَ هـ أَذِلَّةً ج لأن قوله وَكَذلِكَ يحتمل أن يكون من تتمة قولها أو هو تصديق من الله لما قالت يَفْعَلُونَ هـ الْمُرْسَلُونَ هـ بِمالٍ ز لانتهاء الاستفهام مع فاء التعقيب وبيان الاستغناء على التعجيل آتاكُمْ ج لاختلاف الجملتين على أن «بل» ترجح جانب الوقف تَفْرَحُونَ هـ صاغِرُونَ هـ مُسْلِمِينَ هـ مَقامِكَ ج للابتداء بإن مع اتحاد القائل أَمِينٌ هـ طَرْفُكَ ط للعدول أَمْ أَكْفُرُ
هـ لِنَفْسِهِ ج كَرِيمٌ هـ لا يَهْتَدُونَ هـ عَرْشُكِ ط هُوَ ج لاحتمال أن يكون ما بعده من كلامها أو من كلام سليمان مُسْلِمِينَ هـ مِنْ دُونِ اللَّهِ ط كافِرِينَ هـ صَّرْحَ
ج اقَيْها
طوارِيرَ
هْ عالَمِينَ
هـ.
التفسير:
لما فرغ من قصة موسى شرع في قصة ثانية وهي قصة داود وابنه سليمان.
والتنوين في عِلْماً إما للنوع أي طائفة من العلم أو للتعظيم أي علما غزيرا. قال علماء المعاني: الواو في وَقالا للعطف على محذوف لأن هذا مقام الفاء كقولك: أعطيته فشكر. فالتقدير: ولقد آتيناهما علما فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة والفضيلة فيه وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ وبيانه أن الشكر باللسان إنما يحسن إذا كان مسبوقا بعمل القلب وهو العزم على فعل الطاعة وترك المعصية، وبعمل الجوارح وهو الاشتغال بالطاعات فكأنه قال: ولقد آتيناهما علما فعملا به قلبا وقالبا وَقالا باللسان الْحَمْدُ لِلَّهِ قلت: لقائل أن يقول:
الأصل عدم الإضمار وقوله هذا مقام الفاء ممنوع، وإنما يكون كذلك إذا أريد التعقيب والتسبيب فإن كان المراد مجرد الإخبار عما فعل بهما وعما فعلا فالواو كقولك «أعطيته وشكر». وقوله عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ يجوز أن يكون واردا على سبيل التواضع وإن كانا مفضلين على جميع أهل زمانهما. ويجوز أن يكون واردا على الحقيقة بالنسبة إلى زمانهما أو بالنسبة إلى سائر الأزمنة وهذا أظهر. وإنما وصف العباد بالمؤمنين لئلا يظن أن سبب الفضيلة هو مجرد الإيمان ولكن ما يزيد عليه من الاستغراق في بحر العبودية والعرفان. وفي الاية دليل على شرف العلم وأن العالم يجب أن يتلقى علمه بشكر الله تعالى قلبا وقالبا وما التوفيق إلا منه. قوله وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ عن الحسن أنه المال لأن النبوة عطية مبتدأة، وزيف بأن المال أيضا عطية مبتدأة ولذلك يرث الولد إذا كان مؤمنا ولا يرث إذا كان كافرا أو قاتلا. وما المانع من أن يوصف بأنه ورث النبوة لما قام بها عند موته كما يرث الولد المال إذا قام به عند موته. والظاهر أنه أراد وراثة النبوة والملك معا دليله قوله تشهيرا لنعمة الله

صفحة رقم 298

ودعاء للناس إلى تصديق المعجزة يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ والمنطق يشمل كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف مفيدا وغير مفيد، ومنه قولهم «نطقت الحمامة». قال المفسرون: إنه تعالى جعل الطير في أيامه مما له عقل وليس كذلك حال الطيور في أيامنا وإن كان فيها ما ألهمه الله تعالى الدقائق التي خصت بالحاجة إليها. يحكى أنه مر على بلبل في شجرة فقال لأصحابه: إنه يقول: إني أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفا أي التراب.
وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول: ليت الخلق لم يخلقوا. وصاح طاوس فقال: يقول: كما تدين تدان. وأخبر أن الهدهد يقول: استغفروا الله يا مذنبون. والخطاف يقول: قدموا خيرا تجدوه. والرخمة تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه. والقمريّ يقول: سبحان ربي الأعلى. والقطاة تقول: من سكت سلم. والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه. والديك يقول: اذكروا الله يا غافلون. والنسر يقول: يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت.
والعقاب يقول: في البعد من الناس أنس. ومعنى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بعض كل شيء. وقال في الكشاف: أراد كثرة ما أوتي كما تقول «فلان يقصده كل أحد» تريد كثرة قاصديه. وإنما قال عُلِّمْنا وَأُوتِينا لأنه أراد نفسه وأباه، ويجوز أن يريد نفسه فقط لا على طريق التكبر بل على عادة الملوك يعظمون أنفسهم لمصلحة التهييب. وقوله إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ قول وارد على سبيل الشكر والتحدث بالنعم كما
قال رسول الله ﷺ «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» «١»
أي أقول هذا شكرا لا فخرا. يروى أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ.
خمسة وعشرون للجن ومثله للإنس ومثله للطير ومثله للوحش، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية، وقد نسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ، وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة، فتقعد الأنبياء عليهم السلام على كراسيّ الذهب والعلماء على كراسيّ الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر، وإنه كان يقول مع ذلك: لتسبيحة واحدة يقبلها الله خير مما أوتي آل داود. ومعنى يُوزَعُونَ يحبسون. قيل: كانوا يمنعون من يتقدم من عسكره ليكون مسيره مع جنوده على ترتيب، ومنه يعلم أنه كان في كل قبيل منها وازع يكون له تسلط على الباقين يكفهم ويصرفهم.
ومعنى أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قطعوه وبلغوا آخره من قولهم «أتى على الشيء» إذا أنفذه

(١) رواه أبو داود في كتاب السنّة باب ١٣. ابن ماجة في كتاب الزهد باب ٣٧. أحمد في مسنده (١/ ٥).

صفحة رقم 299

وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي. ويجوز أن يقصد إتيانهم من فوق لأن الريح كانت تحملهم في الهواء فلذلك عدي ب «على» عن قتادة أنه دخل الكوفة فاجتمع عليه الناس فقال: سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة حاضرا وهو غلام حدث فقال: سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى؟ فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة: كانت أنثى لقوله تعالى قالَتْ نَمْلَةٌ ولو كان ذكرا لم تجز التاء لأن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فلا بد من التمييز بالعلامة.
وحين عبر عن تفاهم النمل بلفظ التقاول جعل خطابهم خطاب أولي العقل فحكى أنها قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ أما جواب للأمر وإما نهي بدلا من الأمر أي لا تكونوا بحيث يحطمكم أي يكسركم سليمان وجنوده على طريقة «لا أرينك هاهنا». وفي قوله سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ دون أن يقول جنود سليمان مبالغة أخرى كما تقول:
أعجبني زيد وكرمه. وفي الآية دلالة على أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز وإنما يلزم من في الطريق التحرز. وفي قوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ تنبيه على وجود الجزم بعصمة الأنبياء كأنها عرفت أن النبي لعصمته لا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السهو. وعن بعضهم أنها خافت على قومها أن يقعوا في كفران نعمة الله تعالى إذا رأوا جلالة سليمان، وهذا معنى الحطم فلذلك أمرتهم بدخول المساكن. وفيه تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محذورة. قيل: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً أي شارعا في الضحك آخذا فيه ولكن لم يبلغ حدّ القهقهة وكمال الضحك. وما
روي أنه ﷺ ضحك حتى بدت نواجذه
فعلى وجه المبالغة في الضحك النبوي. وإنما أضحكه من قولها شفقتها على قومها وسروره بما آتاه الله من إدراك الهمس واشتهاره بالتحرز والتقوى ولذلك مال إلى الدعاء قائلا: رَبِّ أَوْزِعْنِي قال جار الله: حقيقته اجعلني أزع شكر نعمتك عندي وأربطه لا ينفلت عني فلا أزال شاكرا لك. وإنما أدرج ذكر الوالدين لأن النعمة على الولد نعمة عليهما وبالعكس. ثم طلب أن يضيف لواحق نعمه إلى سوابقها ولا سيما النعم الدينية فقال: وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ ثم دعا أن يجعله في الآخرة من زمرة الصالحين لأن ذلك غاية كل مقصود. يروى أن النملة أحست بصوت الجنود ولم تعلم أنها في الهواء فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن، ثم دعا بالدعوة.
القصة الثالثة قصة بلقيس وما جرى بينها وبين سليمان وذلك بدلالة الهدهد،
يروى أن سليمان حين تم له بناء بيت المقدس تجهز للحج مع حشمه فأتى الحرم ومكث به أياما يقرب كل يوم خمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة. ثم عزم على السير

صفحة رقم 300

إلى اليمن فخرج من مكة صباحا فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضا أعجبته بهجتها إلا أنهم لم يجدوا الماء فطلب الهدهد لأنه يرى الماء من تحت الأرض.
وعن وهب أنه أخل بالنوبة التي كانت تنوبه فلذلك تفقده. وقيل: إنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فدعا عفريت الطير- وهو النسر- فسأله عنه فلم يجد عنده علمه. ثم قال لسيد الطير- وهو العقاب- عليّ به فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل فقصدته فأقسم عليها بالله لتتركنه فتركته. وقالت: إن نبي الله قد حلف ليعذبنك قال: وما استثنى؟ قالت: بلى قال: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بعذر واضح.
فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرها على الأرض تواضعا له، فلما دنا منه أخذ سليمان برأسه فمده إليه فقال: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل فارتعد سليمان وعفا عنه ثم سأله عما لقي في غيبته. وفي تفقد الهدهد إشارة إلى أن الملوك يجب عليهم التيقظ وعدم الغفلة عن أصغر رعيتهم. وأرجع إلى التفسير. قوله ما لِيَ لا أَرَى استبعاد منه أنه لا يراه وهو حاضر في الجند كأن ساترا ستره ثم لاح له أنه غائب فقال أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ وقد مر في الوقوف قوله لَأُعَذِّبَنَّهُ لا شك أن تعذيبه إنما يكون بما يحتمله حاله. فقيل: أراد أن ينتف ريشه ويشمسه وكان هذا عذابه للطير. وقيل: كان يطلي بالقطران ويشمس. وقيل: هو أن يلقيه للنمل لتأكله. وقيل: إيداعه القفص. وقيل: التفريق بينه وبين إلفه. وقيل: أراد لألزمنه صحبة الأضداد كما قيل: أضيق السجون مجالسة الأضداد. وقيل: لألزمنه خدمة أقرانه. ولعل تعذيب الهدهد وذبحه في عصره جائز لمصلحة السياسة كما أباح لنا ذبح كل مأكول لحمه لمصلحة التغذي. وحاصل القسم يرجع إلى قوله ليكونن أحد هذه الأمور الثلاثة: التعذيب أو الذبح أو الإتيان بعذر بين وحجة واضحة.
ويحتمل أن يكون قد عرف إتيانه بالعذر بطريق الوحي فلذلك أدرجه في سلك ما هو قادر على فعله فأقسم عليه. ثم أخبر الله سبحانه أنه أتى بسلطان مبين وذلك قوله فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ أي غير زمان بعيد فَقالَ مخاطبا لسليمان أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ قالوا: فيه إبطال قول من زعم أن إمام الزمان لا يخفى عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه.
وفيه دليل على شرف العلم وأن صاحبه له أن يكافح به من هو أعلى حالا منه. والإحاطة بالشيء علما هو أن يعلمه من جميع جهاته. وقوله مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ من جملة صنائع البديع على أن النبأ خبر له شأن فذكره في هذا الموضع دون أن يقول «من سبا بخبر» حسن على حسن. وسبأ اسم للقبيلة فلا ينصرف أو اسم للحي أو الأب الأكبر فينصرف، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ثم سميت مدينة مأرب بسبأ وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث.
ويحتمل أن يراد بسبأ المدينة أو القوم. ثم شرع في النبأ وهو قوله إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً

صفحة رقم 301

واسمها بلقيس بنت شراحيل ملك اليمن كابرا عن كابر إلى تبع الأول، ولم يكن له ولد غيرها فورثت الملك وكانت هي وقومها مجوسا عبدة الشمس. والضمير في تَمْلِكُهُمْ يعود إلى سبأ إن أريد به القوم وإلى الأهل المحذوف إن أريد به المدينة. وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي بعض كل ما يتعلق بالدنيا من الأسباب. وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ كأنه استعظم لها ذلك مع صغر حالها إلى حال سليمان، أو استعظمه في نفسه لأنه لم يكن لسليمان مثله مع علو شأنه، وقد يتفق لبعض الأمراء شيء لا يكون مثله لمن فوقه في الملك، وقد يطلع بعض الأصاغر على مسألة لم يطلع عليها أحد كما اطلع الهدهد على حال بلقيس دون سليمان. ووصف عرش الله بالعظم إنما هو بالإضافة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض. يحكى من عظم شأنه أنه كان مكعبا ثلاثين في ثلاثين أو ثمانين وكان من ذهب وفضة مكللا بأنواع الجواهر وكذا قوائمه، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق، قال بعض المعتزلة: في قوله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ دليل على أن المزين للكفر والمعاصي هو الشيطان. وأجيب بأن قول الهدهد لا يصلح للحجة والتحقيق فيه قد مر ولا يبعد أن يلهم الله الهدهد وجوب معرفته والإنكار على من يعبد غيره خصوصا في زمن سليمان عليه السلام.
قوله أَلَّا يَسْجُدُوا من قرأ بالتشديد على أن الجار محذوف فإن كان متعلقا بالصد فالتقدير صدهم لأن أَلَّا يَسْجُدُوا وإن كان متعلقا ب لا يَهْتَدُونَ ف أَلَّا مزيدة أي لا يهتدون إلى أن يسجدوا. ومن قرأ بالتخفيف فقوله أَلَّا حرف تنبيه ويا حرف النداء والمنادى محذوف والتقدير: ألا يا قوم اسجدوا كقوله:

ألا يا أسلمي يا دارميّ على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
قال الزجاج: السجدة في الآية على قراءة التخفيف دون التشديد. والحق عدم الفرق لأن الذم على الترك كالأمر بالسجود في الاقتضاء. والخبء مصدر بمعنى المخبوء وهو النبات والمطر وغيرهما مما خبأه الله عز وجل من غيوبه، ومن جملة ذلك اطلاع الكواكب من أفق الشرق بعد اختفائها في أفق الغرب، ومنها الأقضية والأحكام والوحي والإلهام، ومنها إنزال الملك وكل أثر علوي. وفي تخصيص وصف الله تعالى في هذا المقام بإخراج الخبء إشارة إلى ما عهده الهدهد من قدرة الله تعالى في إخراج الماء من الأرض، ألهمه هذا التخصيص كما ألهمه تلك المعرفة. ولما انجر كلام الهدهد إلى هذه الغاية قالَ سليمان سَنَنْظُرُ أي نتأمل في صفحات حالك أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ وهذا أبلغ من أن لو قال له

صفحة رقم 302

«كذبت» لأنه إذا كان معروفا بالكذب كان متهما في كل ما أخبر به. ثم ذكر كيفية النظر في أمره فقال اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ لم يقل إليها لأنه كان قد قال وَجَدْتُها وَقَوْمَها فكأن سليمان قال: فألقه إلى الذين هذا دينهم اهتماما فيه بأمر الدين. ولمثل هذا قال في الكتاب أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ومعنى ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه تسمع ما يقولون يَرْجِعُونَ من رجع القول كقوله يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ [سبأ: ٣١]
يروى أنها كانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها، فدخل من كوة وطرح الكتاب على حجرها وهي مستلقية نائمة.
وقيل: نقرها فانتبهت فزعة. وقيل: أتاها والجنود حواليها من فوق والناس ينظرون حتى رفعت رأسها فألقى الكتاب في حجرها. وقيل: كان في البيت كوة تقع الشمس فيها كل يوم فإذا نظرت إليها سجدت فجاء الهدهد فسد تلك الكوة بجناحيه، فلما رأت ذلك قامت إليه فألقى الكتاب إليها. وهاهنا إضمار أي فذهب فألقى ثم توارى ثم كأن سائلا سأل فماذا قالت بلقيس؟ فقيل قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ مصدر بالتسمية أو حسن مضمونه أو هو من عند ملك كريم أو هو مختوم.
يروى أنه طبع الكتاب بالمسك وختمه بخاتمه وقال ﷺ «كرم الكتاب ختمه».
وعن ابن المقفع: من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به. ثم إن سائلا كأنه قال لها ممن الكتاب وما هو؟ فقالت إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ كيت وكيت.
سؤال: لم قدم سليمان اسمه على اسم الله؟ والجواب أنها لما وجدت الكتاب على وسادتها ولم يكن لأحد إليها طريق ورأت الهدهد علمت أنه من سليمان وحين فتحت الكتاب رأت التسمية، ولذلك قالت ما قالت، أو لعل سليمان كتب على عنوان الكتاب إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ فقرأت عنوانه أوّلا ثم أخبرت بما في الكتاب. أو لعل سليمان قصد بذلك أنها لو شتمت لأجل كفرها حصل الشتم لسليمان لا لله تعالى. و «أن» في أَنْ لا تَعْلُوا مفسرة لما ألقي إليها أي لا تتكبروا كما تفعل الملوك.
يروى أن نسخة الكتاب: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: السلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين.
وكان كتب الأنبياء عليهم السلام جملا وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهي عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجز برسالة الهدهد. قوله قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ استئناف آخر وهكذا إلى تمام القصة. ومعنى أَفْتُونِي أشيروا عليّ بما يحدث لكم من الرأي. والفتوى الجواب في الحادثة وأصلها من الفتاء في

صفحة رقم 303

السن وقطع الأمر فصله والقضاء فيه، أرادت بذلك استعطافهم وتطييب نفوسهم واستطلاع آرائهم، فأجابوا بأنهم أصحاب القوى الجسدانية والخارجية، ولهم النجدة والبلاء في الحرب، ومع ذلك فوضوا الأمر إليها فما أحسن هذا الأدب. ويحتمل أن يراد نحن من أبناء الحرب لا من أرباب الرأي والمشورة وإنما الرأي إليك، وحيث كان يلوح من وصفهم أنفسهم بالشجاعة والعلم بأمور الحرب أنهم مائلون إلى المحاربة، أرادت أن تنبههم إلى الأمر الأصوب وهو الميل إلى الصلح فلذلك قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وذلك إذا أرادوا قهرها والتسلط عليها ابتداء وإلا فالإفساد غير لازم، بل لعل الإصلاح ألزم إذا سلكت سبيل العدل والإنصاف فليس للظلمة في الآية حجة. ومفعول مُرْسِلَةٌ محذوف أي مرسلة رسلا مع هدية وهي اسم المهدي كالعطية اسم المعطي. وإنما رأت الإهداء أوّلا لأن الهدية سبب استمالة القلوب.
قال ﷺ «تهادوا تحابوا»
قال في الكشاف: روي أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن الأساور والأطواق والقرطة راكبي خيل مغشاة بالديباج مرصعة اللجم والسروج بالجواهر، وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان، وألف لبنة من ذهب وفضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت، وحقا فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب: وبعثت رجلين من أشراف قومها- المنذر بن عمرو وآخر ذا رأي وعقل- وقالت: إن كان نبيا ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقبا مستويا وسلك في الخرزة خيطا. ثم قالت: للمنذر: إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك، وإن رأيته بشا لطيفا فهو نبي. فأقبل الهدهد فأخبر سليمان فأمر الجن فضربوا لبن الذهب والفضة وفرشوه في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان وعن يساره على اللبنات، وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن اليمين وعن اليسار، ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه، واصطفت الشياطين صفوفا فراسخ والأنس كذلك، والوحش والطير كذلك.
فلما دنا القوم ونظروا بهتوا ورأوا الدواب على اللبنات فتقاصرت إليهم نفوسهم ورموا بما معهم، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم بوجه طلق وقال: ما وراءكم؟ وقال: أين الحق؟
وأخبرهم بما فيه. ثم أمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة فجعل رزقها في الشجر، وأخذت دودة بيضاء الخيط فأدخلته في الجزعة، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الاخرى ثم تضرب به وجهها، والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه، ثم رد الهدية
وذلك قوله على سبيل الإنكار أتمدونني بمال ثم قال على سبيل الإعلام وتعليل الإنكار فَما آتانِيَ اللَّهُ من الكمالات والقربات والدرجات خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ ثم أضرب

صفحة رقم 304

عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو أنهم لا يعرفون الفرح إلا في أن يهدي إليهم حظ من الدنيا، فعلى هذا تكون الهدية مضافة إلى المهدي إليه. والمعنى بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ هذه التي أهديتموها تَفْرَحُونَ فرح افتخار على الملوك. ويحتمل أن يكون الكلام عبارة عن الرد كأنه قال: بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها ثم قال للرسول أو للهدهد معه كتاب آخر ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ومعنى لا قِبَلَ لا طاقة ولا مقابلة.
والذل أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العز والملك، والصغار أن يقعوا مع ذلك في أسر واستعباد
يروى أنه لما رجعت إليها الرسل عرفت أن سليمان نبي وليس لهم به طاقة، فشخصت إليه في أثني عشر ألف
قيل. مع كل قيل ألوف. وأمرت عند خروجها أن يجعل عرشها في آخر سبعة أبيات في آخر قصر من قصور سبعة، وغلقت الأبواب ووكلت به حرسا فلعل سليمن أوحي إليه ذلك فأراد أن يريها بعض ما خصه الله به من المعجزات فلذلك قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها وعن قتادة: أراد أن يأخذه قبل أن تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها. وقيل: أراد بذلك اختبار عقلها كما يجيء. وقيل: أراد أن يعرف تجملها ومقدار مملكتها قبل وصولها إليه. والعفريت من الرجال الخبيث المنكر الذي يعفر أقرانه، ومن الشياطين الخبيث المارد، ووزنه «فعليت». قالوا: كان اسمه ذكوان. وآتِيكَ بِهِ في الموضعين يجوز أن يكون فعلا مضارعا وأن يكون اسم فاعل.
ومعنى. أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ إما على ظاهره وهو أن يقوم فيقعد، وإما أن يكون المقام هو المجلس ولا بد فيه من عادة معلومة حتى يصح أن يؤقت به. وعلى هذا فقيل: المراد مجلس الحكم. وقيل: مقدار فراغه من الخطبة. وقيل: إلى انتصاف النهار. وَإِنِّي عَلَيْهِ أي على حمله لَقَوِيٌّ أَمِينٌ آتي به على حاله لا أتصرف فيه بشيء. واختلفوا في الذي عنده علم من الكتاب فقيل: هو الخضر عليه السلام. وقيل: جبرائيل. وقيل: ملك أيد الله به سليمان. وقيل: آصف بن برخيا وزيره أو كاتبه. وقيل: هو سليمان نفسه استبطأ العفريت فقال له: أنا أريك ما هو أسرع مما تقول. وقد يرجح هذا القول بوجوه منها: أن الشخص المشار إليه بالذي يجب أن يكون معلوما للمخاطب وليس سوى سليمان، ولو سلم أن آصف أيضا كان كذلك فسليمان أولى بإحضار العرش في تلك اللمحة والإلزام تفضيل آصف عليه من هذا الوجه. ومنها قول سليمان. هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ويمكن أن يقال: الضمير راجع إلى استقرار العرش عنده، ولو سلم رجوعه إلى الإتيان بالعرش فلا يخفى أن كمال حال التابع والخادم من جملة كمالات المتبوع والمخدوم، ولا يلزم من أن يأمر الإنسان غيره بشيء أن يكون الآمر عاجزا عن الإتيان بذلك الشيء. واختلفوا أيضا في الكتاب فقيل: هو

صفحة رقم 305

اللوح. وقيل: الكتاب المنزل الذي فيه الوحي والشرائع. وقيل: كتاب سليمان أو كتاب بعض الأنبياء. وما ذلك العلم؟ قيل: نوع من العلم لا يعرف الآن. والأكثرون على أنه العلم باسم الله الأعظم وقد مر في تفسير البسملة كثير مما قيل فيه. ومما وقفت عليه بعد ذلك أن غالب بن قطان مكث عشرين سنة يسأل الله الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فأري في منامه ثلاث ليال متواليات: قل يا غالب يا فارج الهم يا كاشف الغم يا صادق الوعد يا موفيا بالعهد يا منجز الوعد يا حي يا لا إله إلا أنت صل اللهم على محمد وآل محمد وسلم. والطرف تحريك الأجفان عند النظر فوضع موضع النظر فإذا فتحت العين توهمت أن نور العين يمتد إلى المرئي وإذا غمضت توهمت أن ذلك النور قد ارتدّ، فمعنى الآية أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك. يروى أن آصف قال له: مدّ عينك حتى ينتهي طرفك فمدّ عينه فنظر نحو اليمن ودعا آصف فغاص العرش في مكانه ثم ظهر عند مجلس سليمان بالشام بقدرة الله قبل أن يرتدّ طرفه. ومن استبعد هذا في قدرة الله فليتأمل في الحركات السماوية على ما يشهد به علم الهيئة حتى يزول استبعاده.
وقال مجاهد: هو تمثيل لاستقصار مدة الإتيان به كما تقول لصاحبك: افعل هذا في لحظة أو لمحة. وحين عرف سليمان نعمة الله في شأنه وأن ذلك صورة الابتلاء بين أن شكر الشاكر إنما يعود إلى نفس الشاكر لأنه يرتبط به العتيد ويطلب المزيد كما قيل: الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة. وروي في الكشاف عن بعضهم أن كفران النعمة بوار وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها، فاستدع شاردها بالشكر واستدم راهنها بكرم الجوار. قوله «أقشعت نافرة» أي ذهبت في حال نفارها وراهنها أي ثابتها. وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عن عبادة كل عابد فضلا عن شكر شاكر كَرِيمٌ لا يقطع إمداد نعمه عنه لعله يتوب ويصلح حاله. زعم المفسرون أن الجن كرهوا أن يتزوّجها سليمان فتفضي إليه بإسرارهم لأنها كانت بنت جنية، أو خافوا أن يولد له منها ولد تجمع له فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد فقالوا له: إن في عقلها شيئا وهي شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش وذلك قوله نَكِّرُوا لَها عَرْشَها أي اجعلوه متنكرا متغيرا عن هيئته وشكله كما يتنكر الرجل لغيره لئلا يعرفه. قالوا:
وسعوه وجعلوا مقدمه مؤخره وأعلاه أسفله. وقوله نَنْظُرْ بالجزم جواب للأمر وقرىء بالرفع على الاستئناف. أَتَهْتَدِي لمعرفة العرش أو للجواب الصائب إذا سئلت عنه أو للدين والإيمان بنبوة سليمان إذا رأت تلك الخوارق. وقوله أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ أبلغ من أن لو قال «أم لا تهتدي» كما مر في قوله أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ

صفحة رقم 306

أَهكَذا
أي مثل ذا عَرْشُكِ لئلا يكون شبه تلقين فقالت كَأَنَّهُ هُوَ ولم تقل: هو هو مع أنها عرفته ليكون دليلا على وفور عقلها حيث لم تقطع في المحتمل وتوقفت في مقام التوقف. أما قوله وَأُوتِينَا الْعِلْمَ فمعطوف على مقدر كأنهم قالوا عند قولها كأنه هو قد أصابت في جوابها وطابقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله وصحة نبوة سليمان بهذه الخوارق. وَأُوتِينَا نحن الْعِلْمَ بالله وبقدرته قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام وَصَدَّها عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس وكونها بين ظهراني الكفرة. والغرض تلقي نعمة الله بالشكر على سابقة الإسلام. وقيل: هو موصول بكلام بلقيس. والمعنى وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة نبوة سليمان قبل هذه المعجزة أو الحالة وذلك عند وفدة المنذر. ثم قال سبحانه وَصَدَّها قبل ذلك عما دخلت فيه ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وقيل: الجار محذوف أي وصدها الله أو سليمان عما كانت تعبد، واختبر ساقها بأن أمر أن يبني على طريقها قصر من زجاج أبيض فأجرى من تحته الماء وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره، ووضع سريره في آخر فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس. ثم يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
أي القصر أو صحن الدارلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً
أي ماء غامرا كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
لتخوض في الماء فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما إلا أنها شعراء، فصرف سليمان بصره وناداهانَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ
أي مملس نْ قَوارِيرَ
هذا عند من يقول: تزوجها وأقرها على ملكها وأمر الجن فبنوا له همدان وكان يزورها في الشهر مرّة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له. قالوا: كون ساقها شعراء هو السبب في اتخاذ النورة، أمر به الشياطين فاتخذوها. وقال آخرون: المقصود من الصرح تهويل المجلس، وحصل كشف الساق على سبيل التبع. عن ابن عباس: لما أسلمت قال لها:
اختاري من أزوّجكه؟ فقالت: مثلي لا ينكح الرجال مع سلطان. فقال: النكاح من الإسلام.
فقالت: إن كان كذلك فزوّجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه ثم ردهما إلى اليمن ولم يزل بها ملكاالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
أي بالكفر في الزمن السالف أو بسوء ظني بسليمان إذ حسبت أنه يغرقني في الماء. وهذا التفسير أنسب بما قبله ولعل في قولهاعَ سُلَيْمانَ
أي مصاحبة له إشارة إلى إسلامها تبع لإسلام سليمان وأنها تريد أن تكون معه في الدارين جميعا والله أعلم.
التأويل:
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ الروح وَسُلَيْمانَ القلب عِلْماً لدنيا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ وهم الأعضاء والجوارح المستعملة في العبودية. وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ لأن كل إلهام وفيض يصدر من الحضرة الإلهية يكون عبوره على داود الروح إلا أنه للطافته لا

صفحة رقم 307

يحفظها وإنما يحفظها القلب لكثافته، ولذلك كان سليمان أقضى من داود. قوله مَنْطِقَ الطَّيْرِ يعني الرموز والإشارات التي يحفظها بلسان الحال أرباب الأحوال الطائرين في سماء سناء الفناء. وقيل: أراد الخواطر الملكية الروحانية. قوله مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ أي من الصفات الشيطانية والإنسانية والملكية فَهُمْ يُوزَعُونَ على طبيعتهم بالشريعة وادي النمل هوى النفس الحريصة على الدنيا وشهواتها قالَتْ نَمْلَةٌ هي النفس اللوامة يا أيها النمل هي الصفات النفسانية ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ محالكم المختلفة وهي الحواس الخمس وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنهم على الحق وأنتم على الباطل لأن الشمس لاحس عندها من نورها ولا من الظلمة التي تزيلها نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ بتسخير جنودي لي وعلى والديّ وهما الروح والجسد. أنعم على الروح بإفاضة الفيوض، وعلى الجسد باستعماله في أركان الشريعة. وفي قوله بِنَبَإٍ يَقِينٍ إشارة الى أن من أدب المخبر أن لا يخبر إلا عن يقين وبصيرة ولا سيما عند الملوك. وفي قول سليمان سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ إشارة إلى أن خبر الواحد وإن زعم اليقين لا يعوّل عليه إلا بأمارات أخر. كِتابٌ كَرِيمٌ كأنها عرفت أنها بكرامته تهتدي إلى حضرة الكريم: إن ملوك الصفات الربانية إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً الشخص الإنساني أَفْسَدُوها بإفساد الطبيعة الحيوانية وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها وهم النفس الأمارة وصفاتها أَذِلَّةً بسطوات التجلي وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ مع الأنبياء والأولياء. وفي قوله أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها إشارة إلى أن سليمان كان واقفا على أن في قومه من هو أهل لهذه الكرامة وكرامات الأولياء من قوة إعجاز الأنبياءيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
فيه دليل على أن سليمان أراد أن ينكحها وإلا لم يجوّز النظر إلى ساقيها. أَسْلَمْتُ
نفسي للنكاح عَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ
وفي الله.
تأويل آخر: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ هم أهل العشق الطيارة في فضاء سماء القدس وجوّ عالم الإنس. والهدهد الرجل العلمي الذي عول على فكره وإعمال قريحته في استنباط خبايا الأسرار وكوامن الأستار. عَذاباً شَدِيداً بالرياضة والمجاهدة. أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ بسكين مخالفات الإرادة. سبأ مدينة الاختلاط والإنس بالإنس والمرأة الدنيا وبهجتها، وعرشها العظيم حب الجاه والمناصب يسجدون لشمس عالم الطبيعة وهو الهوى، والهدية عرض الدنيا وزينتها، والإتيان بالعرش قبل إتيانهم هو إخراج حب الجاه من الباطن حتى تنقاد الأعضاء والجوارح بالكلية لاشتغال العبودية. آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الجاه. والعفريت الرياضة الشديدة والذي عنده علم من الكتاب هو الجذبة التي توازي عمل الثقلين، وتنكير العرش تغيير حب الجاه للهوى بحبه للحق، والقصر قصر التصرف في

صفحة رقم 308

الدنيا للحق بالحق، وكشف الساق كناية عن اشتداد الأمر عليه، والقوارير عبارة عن رؤية بواطن الأمور مع الاشتغال بظواهرها، وهذه من جملة منطق الطير يفهم إن شاء العزيز وحده والله أعلم.
تم الجزء التاسع عشر، ويليه الجزء العشرون وأوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً...

صفحة رقم 309
غرائب القرآن ورغائب الفرقان
عرض الكتاب
المؤلف
نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
تحقيق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية