
مُسَيْك. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «١» «سَبَأَ» - بفتح الهَمْزَةِ وتَرْكِ الصَّرْف- على أنه اسمُ بَلْدَةِ وقاله الحسن وقتادة.
وقوله: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي: مما تحتاجُه المملكةُ، قال الحسن: من كل أمر الدنيا «٢»، وهذه المرأةُ هي «بلقيس»، وَوَصَفَ عرشَها بالعِظَم في الهيئةِ ورتبة الملك، ٥٢ أوأكثر بَعضِ النَّاسِ/ في قصَصها بما رأيتُ اختصارَه لعدَمِ صحَّتِه، وإنما اللازم من الآية:
أنها امرأةٌ مَلِكَةٌ عَلى مدائنَ اليمن، ذاتُ مُلْكٍ عظيم، وكانت كافرة من قوم كفار.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٢٥ الى ٣٥]
أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)
وقوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ إلى قوله الْعَظِيمِ، ظاهره: أنه من قوله الهدهد وهو قول ابن زيد وابن إسحاق، ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى اعتراضاً بيْنَ الكَلاَمَيْن، وقراءةُ التشديدِ في أَلَّا تعطى: أن الكلامَ للهدهدِ وهي قراءةُ الجمهورِ «٣»، وقراءة التخفيفِ وهي للكسائي تَمْنَعَهُ «٤» وتقوِّي الآخرَ فتأملْه، وقرأ الأعمشُ «٥» هَلاَّ يَسْجُدُونَ وفي حرف عبد الله «ألا هل تسجدون» بالتّاء، والْخَبْءَ: الخفيّ من
(٢) أخرجه الطبريّ (٩/ ٥٠٩) رقم (٢٦٩٣٥)، وذكره ابن عطية (٤/ ٢٥٦).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٥٦)، و «البحر المحيط» (٧/ ٦٥). [.....]
(٤) وقرأ بها ابن عباس، وأبو جعفر، والزهري، والسلمي، والحسن، وحميد.
ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٥٦)، و «البحر المحيط» (٧/ ٦٥)، و «الدر المصون» (٥/ ٣٠٧)، و «السبعة» (٤٨٠)، و «الحجة» (٥/ ٣٨٣)، و «إعراب القراءات» (٢/ ١٤٨)، و «معاني القراءات» (٢/ ٢٣٨)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٠٩)، و «العنوان» (١٤٤)، و «حجة القراءات» (٥٢٦)، و «شرح شعلة» (٥٢٥)، و «إتحاف» (٢/ ٣٢٥).
(٥) ينظر: «مختصر الشواذ» ص ١١٠، وفيه القراءة هكذا: «هلا يسجدوا» بحذف نون الرفع.
وينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٥٧)، و «البحر المحيط» (٧/ ٦٥)، و «التخريجات النحوية» (٣٤٤).

الأمور وهو من: خَبَأْتُ الشيءَ، واللفظةُ تَعُمّ كل ما خَفِي من الأمور وبه فسر ابن عباس «١». وقرأ الجمهورُ: «يُخْفُونَ وَيُعْلِنون» بياء الغائب وهذه القراءة تُعْطى أنَّ الآيةَ من كلامِ الهدهد. وقرأ الكسائيُّ وحفصٌ عن «٢» عاصم «تُخْفُونَ وَتُعْلِنُونَ» بتاء الخطاب وهذه القراءة تعطى أنَّ الآية من خطاب الله تعالى لأمة سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم.
قوله: فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ، قال وهب بن مُنَبِّه: أمره بالتولِّي حُسنُ أدب ليَتَنَحَّى حَسْبَ ما يُتأَدَّبُ به مع الملوك، بمعنى: وكن قريبا حتى ترى مراجعاتهم، وليكل الأمر، إلى حُكْمِ ما في الكتابِ دونَ أن تكونَ للرسولِ ملازمةٌ ولا إلحاحٌ «٣». ورَوَى وهب بن منبِّه في قصص هذه الآية: أن الهدهدَ وصل فَوَجَدَ دون هذه المَلِكَةِ حُجُبَ جدراتٍ، فَعَمَدَ إلَى كُوَّةٍ كانتْ بلقيسُ صَنَعَتْهَا، لتَدْخُلَ منها الشمسُ عند طلوعها لمعنى عبادَتِهَا إيَّاهَا فدخل منها ورمى بالكتابِ إليها «٤» فقرأتْه وجَمَعَتْ أهْلَ مُلْكِها فخاطبتهم بما يأتي بعد. قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ تعني: الأشراف: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ وصَفَتِ الكتابَ بالكريمِ إما لأنه من عند عظيمٍ، أو لأنه بُدِىء باسمٍ كريمٍ. ثم أخذتْ تصف لهم ما في الكتابِ، ثم أخذتْ في حسْنِ الأدَبِ مَعَ رجَالِها ومشاورتهم في أمرها فراجعها قومُها بما يُقِرُّ عَيْنَها مِنْ إعلامِهم إيَّاها بالقوة، والبأس. ثم سلَّمُوا الأمر إلى نَظَرِها وهذه محاورةٌ حسنة من الجميع. وفي قراءة «٥» عبد الله: «ما كُنْتُ قَاضِيَةً أَمْراً» بالضاد من القضاء، ثم أخبرتْ بلقيسُ بفِعلِ الملوكِ بالقُرَى التي يَتَغَلَّبُونَ عليها، وفي كلامها خوفٌ على قومِها وحَيْطَة لهم، قال الدَّاوُودِيُّ: وعن ابن عباس: رضي الله عنه إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها قال: إذا أخذوهَا عَنْوَةً، أخربوها «٦»، انتهى.
وقوله: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ قالت فرقة: هو من قول بلقيس، وقال ابن عباس: هو
(٢) ينظر: «السبعة» (٤٨١)، و «الحجة» (٥/ ٣٨٥)، و «إعراب القراءات» (٢/ ١٤٩)، و «معاني القراءات» (٢/ ٢٣٩)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١١١)، و «العنوان» (١٤٤)، و «حجة القراءات» (٥٢٨)، و «شرح شعلة» (٥٢٧)، و «إتحاف» (٢/ ٣٢٦).
(٣) أخرجه الطبريّ (٩/ ٥١٢) رقم (٢٦٩٤٦)، وذكره ابن عطية (٤/ ٢٥٧).
(٤) ذكره ابن عطية (٤/ ٢٥٧).
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٥٨)، و «البحر المحيط» (٧/ ٧٠)، و «الكشاف» (٣/ ٣٦٤).
(٦) أخرجه الطبريّ (٩/ ٥١٥) رقم (٢٦٩٥٩)، وذكره ابن كثير (٣/ ٣٦٢)، والسيوطي (٥/ ٢٠٢)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.