
هذا هو النظر الذي ارتآه سليمان ليتأكد من صِدْق الهدهد: أنْ يرسله بكتاب منه إلى هؤلاء القوم، وهنا مظهر من مظاهر الإيجاز البليغ في القرآن الكريم، فبعد أن قال سليمان ﴿سَنَنظُرُ﴾ [النمل: ٢٧] قال ﴿اذهب بِّكِتَابِي هذا﴾ [النمل: ٢٨].
فهل كان الكتاب مُعَدَّاً وجاهزاً؟ لا، إنما التقدير: قال سننظر

أصدقتَ أم كنت من الكاذبين، فكتب إليها كتاباً فيه كذا وكذا ثم قال للهدهد: ﴿اذهب بِّكِتَابِي هذا﴾ [النمل: ٢٨] وقد حُذِف هذا للعلم به من سياق القصة.
وقوله: ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [النمل: ٢٨] يعني: ابتعِدْ قليلاً، وحاول أنْ تعرف ﴿مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨] يعني: يراجع بعضهم بعضاً، ويتناقشون فيما في الكتاب، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً﴾ [طه: ٨٩].
والسياق يقتضي أن نقول: فذهب الهدهد بالكتاب، وألقاه عند بلقيس فقرأتْه واستشارتْ فيه أتباعها وخاصتها، ثم قالت: ﴿قَالَتْ ياأيها الملأ﴾