
مطلب أكثر الموت من الأكل والشرب والحر والقر ومحبة الذكر الحسن:
ذلك لأن أكثر أسباب المرض وإن كانت في الحقيقة من الله، إلا أنها تحدث من التفريط في الأكل والشرب وعدم الوقاية من الحر والبرد، وفيه قيل:
فان الداء أكثر ما تراه | يكون من الطعام أو الشراب |
«وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي» هي قوله لقومه حين أرادوه أن يذهب معهم الى بيت الأوثان (إِنِّي سَقِيمٌ) الآية ٩٠ من الصافات في ج ٢ وقوله حينما سألوه عمن كسر أصنامهم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) الآية ٦٢ من الأنبياء في ج ٢ وقوله للجبار حين سأله عن سارة (قال أختي) وأراد أخته في الدين وإلا فهي زوجته، وقد عدها خطايا بالنسبة لمقامه الشريف وقربه من ربه، وإلا فليست بخطايا وانما هي من معاريض الكلام لدى غير الأنبياء، وقد يعدها العارفون الكاملون خطايا أيضا بالنسبة لمقامهم، لأنهم على قدم الأنبياء، وعلى حد حسنات الأبرار سيئات المقربين، وهؤلاء يسمون أمثالها خطايا تواضعا لربهم وتعظيما صفحة رقم 273

لأنفسهم، وتعليما للغير بطلب المغفرة عما صدر منهم، «يَوْمَ الدِّينِ» ٨٢ الذي يدان به الناس عما عملوه في دنياهم فيجازون عليه، روى مسلم عن عائشة قالت قلت يا رسول الله: ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويقري الضعيف وبطعم المسكين أكان ذلك نافعا له؟ قال لا ينفعه إنه لم يقل يوما (رب اغفر لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ). وفي هذا كله يشير عليه السّلام الى قومه بأنه لا يصلح للالهية إلا من يفعل هذه الافعال ولما أيس منهم باعلام الله تعالى إياه هجرهم ونحى نحو ما أمره به ربه وقال «رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً» لأستعد به لخلافة الحق ورياسة الخلق «وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» ٨٣ الأنبياء قبلي في درجتهم ومنزلتهم عندك «وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ» ٨٤ من بعدي بأن أذكر لديهم بخير من ثناء حسن وحسن سمعة، وقد أجيبت دعوته لأن أهل الأديان يثنون عليه خيرا ويعظمونه وكل أمة تحبّه، وذكر اللسان بدل القول لأنه يكون به ولا حاجة لتقدير مضاف أي صاحب لسان كما قاله بعض المفسرين، لأن الثناء يكون باللسان وغيره قال:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة | يدي ولساني والضمير المحجّبا |

مطلب عدم المغفرة للمشرك وعدم نفع المال والولد مع الكفر:
وإنما دعا له بالمغفرة، لأنه كان وعده بالإيمان به وكان يرجو منه ذلك، قال تعالى (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) الآية ١٢٥ من سورة التوبة في ج ٣ وفيها دليل على جواز الاستغفار للكفار ماداموا على كفرهم خلافا لما نقله الشهاب في شرح مسلم النووي من أن كونه عز وجل لا يغفر الشرك مخصص بهذه الأمة، وكان قبلهم قد يغفر لمنافاته صراحة هذه الآية، وعدم الغفران للمشركين عام في كل أمة، قال تعالى: (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) الآيتين من آخر سورة الأعلى المارة أي ان هذا الذي هو في القرآن هو في صحف إبراهيم وموسى، وفيه ما لم يكن فيها أما ما فيها فكله فيه وزيادة «وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ» ٨٧ الناس من قبورهم لان ذلك اليوم «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ» ٨٨ عند مالكه ولا ينفع عنده كل شيء واقتصر على المال والبنين لانهما معظم المحاسن والزينة والرفاه، راجع الآية ٤٥ من سورة الكهف في ج ٢ «إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» ٨٩ من الشك فيه والشرك به لا الذنوب، إذ لا يسلم منها أحد إلا ما ندر عدا الأنبياء بعد النبوة فإنه مقطوع بعصمتهم من كل ذنب حتى في حالة السهو والخطأ والنسيان والغلط راجع الآية ١٢٢ من سورة طه المارة تجد تفسير ما يتعلق بهذا البحث، وقد أخبر الله عنه بأنه كان ذلك الرجل لقوله جل قوله (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الآية ٨٣ من الصافات في ج ٢ وخصّ القلب لأن بقية الجوارح تبع له، تصلح بصلاحه وتفسد بفساده، قال صلّى الله عليه وسلم في حديث طويل صحيح: ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. وأخرج احمد والترمذي وابن ماجه عن ثوبان قال: لما نزلت (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) الآية ٧٥ من سورة التوبة في ج ٣ قال بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لو علمنا أي المال خيرا اتخذناه، فقال صلّى الله عليه وسلم أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه. وفي هذه الآية دلالة على ان طلب المغفرة له حال لا كما قال بعض المفسرين بعد موته، لأنه مات كافرا ولا