
القليل على أقلة وقلل «١». ويجوز أن يريد بالقلة: الذلة والقماءة، ولا يريد قلة العدد. والمعنى:
أنهم لقلتهم لا يبالى بهم ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج، سارعنا إلى حسم فساده، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن، لئلا يظنّ به ما يكسر من قهره وسلطانه. وقرئ: حذرون وحاذرون وحادرون «٢»، بالدال غير المعجمة. فالحذر:
اليقظ، والحاذر: الذي يجدّد حذره. وقيل: المؤدى في السلاح، وإنما يفعل ذلك حذرا واحتياطا لنفسه. والحادر: السمين القوى. قال:
أحبّ الصّبىّ السوء من أجل أمّه | وأبغضه من بغضها وهو حادر «٣» |
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٥٧ الى ٦٠]
فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠)
وعن مجاهد: سماها كنوزا لأنهم لم ينفقوا منها في طاعة الله. والمقام: المكان، يريد:
المنازل الحسنة والمجالس البهية. وعن الضحاك: المنابر. وقيل السر في الحجال «٤» كَذلِكَ يحتمل ثلاثة أوجه: النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه. والجر على أنه وصف لمقام، أى: مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم. والرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف، أى: الأمر كذلك. فَأَتْبَعُوهُمْ فلحقوهم. وقرئ: فاتبعوهم مُشْرِقِينَ داخلين في وقت الشروق، من شرقت الشمس شروقا إذا طلعت.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٦١ الى ٦٨]
فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨)
(٢). قوله «وقرئ حذرون وحاذرون وحادرون» في الصحاح: وقرئ: وإنا لجميع حاذرون. وحذرون. وحذرون، أيضا بضم الذال، حكاه الأخفش. ومعنى «حاذرون» متأهبون. وفيه: آد الرجل، أى قوى، من الأداة، فهو مؤد بالهمز، أى: شاك في السلاح. وفيه آديت السفر فأنا مؤد له، إذا كنت متهيئا له. (ع)
(٣). الحادر: القوى الشديد، أو الشجاع الباسل، أى: إن مدار حب الولد على حب أمه، لا على حسن أوصافه وضمير «أبغضه» عائد على الصبى بدون وصفه، لكن هذه شيمة المنهمك في حب النساء.
(٤). قوله «وقيل السر في الحجال» السر: الجماع، والحجال: جمع حجلة وهي بيت العروس يزين بالثياب والأسرة والستور، كذا في الصحاح. (ع)

سَيَهْدِينِ طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم. وقرئ، فلما تراءت الفئتان. إنا لمدّركون: بتشديد الدال وكسر الراء، من ادّرك الشيء إذا تتابع ففنى. ومنه قوله تعالى بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ قال الحسن: جهلوا علم الاخرة. وفي معناه بيت الحماسة:
أبعد بنى أمّى الّذين تتابعوا | أرجّى الحياة أم من الموت أجزع «١» |
وقرئ: كل فلق. والمعنى واحد. والطود: الجبل العظيم «٢» المنطاد في السماء وَأَزْلَفْنا ثَمَّ حيث انفلق البحر الْآخَرِينَ قوم فرعون، أى: قربناهم من بنى إسرائيل: أو أدنينا بعضهم من بعض، وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد، أو قدمناهم إلى البحر. وقرئ: وأزلقنا، بالقاف، أى: أزللنا أقدامهم. والمعنى: أذهبنا عزهم، كقوله:
تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها | وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل «٣» |
أبعد بى أمى الذين تتابعوا | أرجى حياة أم من الموت أجزع |
ثمانية كانوا ذؤابة قومهم | بهم كنت أعطى ما أشاء وأمنع |
أولئك إخوان الصفاء رزئتهم | وما الكف إلا أصبع ثم أصبع |
(٢). قوله «والطود الجبل العظيم المنطاد في السماء» في الصحاح «طود في الجبال» : مثل طوف وطوح. والمطاود مثال المطاوح. (ع)
(٣). لزهير يمدح هرم بن سنان والحارث بن عوف. وعبس وذبيان كلاهما اسم قبيلة. يقول: تداركتما هاتين القبيلتين بالصلح بينهما ودفع ديات قتلاهم، وقد ثل: أى هدم عرشها. وهذا تمثيل لذهاب عزهم وفناء دولتهم.
وزلت النعل بالقدم: زلقت عن مقرها، وهذا أيضا تمثيل لاختلال أمرهم وفساد رأيهم. وفي البيت شبه الطباق، حيث أن الأولى أتاها العذاب من فوق رءوسها، والثانية: أتاها من تحت أرجلها