
«إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا» من الكفر والسحر «أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ» ٥٢ في هذا المشهد العظيم بأن الله هو رب العالمين لا أنت ولا غيرك وتقدم بسورة الأعراف وطه بما هو أوسع من هنا فراجعهما.
مطلب في السحر وكيفية إهلاك قوم فرعون:
واعلم أن السحر مأخوذ من السحر وهو ما بين الفجر الأول والثاني، وحقيقة اختلاط الضياء بالظلمة، فما هو بليل لما خالطه من أضواء الصبح، ولا هو بنهار لعدم طلوع الشمس للأبصار فكذلك فعل السحر ليس بباطل محقق فيكون عدما لأن العين أدركت أمرا لا تشك فيه، وما هو حق محض فيكون له وجود في عينه، لأنه ليس هو في نفسه كما تشهده العين وبظنّه الرأي، قال الشعراني بعد ما نقل هذا عن بعض الأكابر: كلام نفيس ما سمعنا مثله قط. راجع تفسير سورة الفلق والناس تجد بحث السحر في صورة مسهبة، وله صلة في الآية ١٠١ من سورة البقرة في ج ٣ قال تعالى «وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي» بني إسرائيل وذلك بعد سنتين من ايمان السحرة، بعد أن أيس من ايمان فرعون وقومه، إذ لم تؤثر فيهم الآيات المارة ١٢٩ فما بعدها من سورة الأعراف «إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ» ٥٣ من فرعون وقومه بعد خروجكم من مصر ليحولوا بينكم وبين مهاجرتكم، فبلغ موسى قومه أمر ربه، فأطاعوه وخرج بهم ليلة عيدهم، وكانوا استعاروا من القبط حليهم ليتزيّنوا به، فلما أحس فرعون بخروجهم قال لقومه ذهب موسى وقومه بأموالنا «فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ» ٥٤ ليجمعوا الناس، ولما احضروهم قام بهم خطيبا فقال «إِنَّ هؤُلاءِ» يشير لموسى وقومه إذ نزلهم منزلة الحاضرين المشاهدين لكمال معلوميتهم عندهم، وهو فريد من بديع الكلام المشتمل عليه كتاب الله الذي لا أبدع منه «لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ» ٥٥ قال ابن مسعود كانوا ستمائة الف وسبعين الفا (على ان ابن خلدون قال في مقدمته إنهم دون هذا العدد بكثير» وإنما قللهم فرعون ليقوي معنويات قومه وجبشه بالنسبة للجيش الذي حشده عليهم، قالوا كانوا الف الف وخمسمائة الف فساقهم أمامه وخرج وراءهم بمائتي الف ملك مع كل ملك الف رجل، والشرذمة الطائفة

القليلة، وإنما أكدها بقوله قليلون، باعتبار أنهم أسباط، وكل سبط قليل عنده فجمع قليل على قليلين، وانما أوقع الله في قلب فرعون هذا ليتم مراده فيه، ويجعل كيده في نحره، ويكون كالباحث عن حتفه بظلفه، وقال في خطبته «وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ» ٥٦ مغضبون مضيّقون صدورنا لمخالفتهم أمرنا، وخروجهم دون إذننا، وأخذهم أموالنا مع قلتهم وذلّتهم «وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ» ٥٧ والحذر من عادتنا والتيقظ والاحتراز، واستعمال الحزم، وأخذ الأمور بالعزم والصبر على الشدة ديدننا، ومن مقتضى المخلين بالأمور الضرب الشديد عليهم، وعلى القوي دائما أن يتقي الأمة الضعيفة إذا خرجت عن سلطانها من أن ينضم إليها ما هو من جنسها، فتشكل قوة يخشى منها، ولذلك علينا أن نسارع إلى قمع شوكتهم، وحسم مادة التشوف لأمثالهم، حتى يعرف كل واحد مكانه ولا يتعدى طوره، فنقابل جرأتهم هذه بالقوة، لئلا يقدم مثلهم فيما بعد على مثل عملهم هذا.
فأظهر لهم بخطابه قوة شكيمته وأغراهم حتى أخرجهم جميعا من بلادهم ولحقوا بموسى وقومه ليردوهم إلى مصر ويضيقوا عليهم أكثر من ذي قبل انتقاما منهم، قال تعالى «فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» ٥٨ من بلادهم الموصوفة بذلك «وَكُنُوزٍ» من ذهب وفضة تركوها فيها وإنما سماها الله كنوزا لأنهم لم يؤدوا حق الله منها وكل مال هذا شأنه يسمى كنزا، قالوا كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام على فرس عتيق في عنق كل فرس طوق من ذهب «وَمَقامٍ كَرِيمٍ» ٥٩ مجلس حسن بهي بهيج، قالوا وكان إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من الذهب يجلس عليها أشراف قومه وأمراؤهم وهم ملأوه أهل الحل والعقد من وزراء ووكلاء وما ضاهاهم مغشاة بأقبية الديباج «كَذلِكَ» كان فرعون وملأوه من العظمة والأبهة، ولما لم يشكر الله على ما أولاه من ذلك المقام، وكفر هذه النعمة وادعى الإلهية فوقها، سلبنا ذلك كله منه ومن قومه «وَأَوْرَثْناها» أي الجنان والكنوز والمقامات وغيرها «بَنِي إِسْرائِيلَ» ٦٠ حيث رجعوا إلى مصر بعد إغراق القبط واستولوا على ديارهم وأموالهم، قال تعالى حاكيا كيفية إغراقهم على الإجمال «فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ» رأى قوم فرعون