
كثيرة ﴿قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾، أي: أخرهما ﴿وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ﴾، يجمعون إليك، كل ساحر علم بالسحر.
قال تعالى: ﴿فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾، أي: فجمع الحاشرون السحرة لوقت معلوم، تواعد فرعون وموسى بالاجتماع فيه وذلك يوم الزينة.
﴿وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى﴾ [طه: ٥٩]، ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ﴾، لتنظروا لمن الغلبة ألموسى أم للسحرة؟ وقيل: المعنى: وقال بعض الناس لبعض: هل أنتم مجتمعون لننظر لمن الغلبة لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين موسى.
وروى: أن الاجتماع كان بالاسكندرية قاله ابن زيد.
فبلغ ذنب الحية يومئذ من وراء البحيرة وهربوا وأسلموا فرعون فهمّت

به فقال: خذها يا موسى، وكان مما يلي الناس به منه أنه لا يضع على الأرض شيئاً فأحدث يومئذٍ تحته، وكان إرساله الحية في القبة الخضراء. فكل ذلك قاله ابن زيد.
وقال ابن لهيعة: كان فرعون لحيته خضراء، وكانت تضرب ساقه إذا رهب، وكانت له جمة خضراء مثل ذلك من خلفه، وكان إذا ركب غطى شعره، من خلفه الظهر، ومن بين يديه لحيته.
ثم قال: ﴿فَلَمَّا جَآءَ السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً﴾، أي: لما جاء السحرة فرعون لموسى قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً قبلك على سحرنا إن كنا نحن الغالبين موسى. قال لهم فرعون: نعم لكم الأجر قبلي إن غلبتهم وإنكم إذا غلبتهم لمن المقربين مني، فقالوا عند ذلك لموسى ﴿إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين﴾ [الأعراف: ١٥]، وحذف هذا لدلالة الكلام عليه وقد نصه تعالى في غير هذا الموضع ولم يحذفه للإفهام وحذفه هنا للاختصار

والإيجاز، ودلالة الكلام عليه. فقال لهم موسى ﴿أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ﴾، يعني من حبالهم وعصيهم، فألقوا ذلك. ﴿وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ﴾، أي: أقسموا بعزة فرعون وسلطانه ﴿إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون﴾، موسى ﴿فألقى موسى عَصَاهُ﴾، حين ألقت السحرة حبالها وعصيها ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾، أي: تزدري ما يأتون به من القرية والسحر الذي لا حقيقة له.
روي: أن حبالهم وعصيهم كانت حمل ثلاث مائة بعير، فابتلعت العصا جميع ذلك، ثم دنا موسى فقبض عليها بيده فصارت عصا، كما كانت أولاً وليس لتلك الحبال والعصي أثر، فألقي السحرة عند ذلك ساجدين مذعنين

أي تبين لهم كذب ما أتوا به وصدق ما جاء به موسى وإنه لا يقدر على ذلك ساحر، وقالوا في سجودهم ﴿آمَنَّا بِرَبِّ العالمين﴾، الذي دعا موسى إلى عبادته. ﴿رَبِّ موسى وَهَارُونَ﴾، والتقدير: فألقي الذين كانوا السحرة ساجدين لأنهم لم يسجدوا حتى آمنوا، وزال عنهم ذنب السحر فلا يسموا سحرة إلا على ما كانوا عليه. وذكر ابن وهب عن القاسم بن أبي بزة أنه قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل، وسبعين ألف عصا، حتى جعل موسى ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى﴾
[طه: ٦٦] فأوحى الله إليه ﴿أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ [الأعراف: ١١٧] فألقى عصاه فغذا هي ثعبانٌ مبين فاغرٌ فاه يبلغ حبالهم وعصيهم، فألقى السحرة عند ذلك ساجدين، فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلها، فعند ذلك قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، قال: وكانت امرأة فرعون تسأل: من غلب؟ فيقال غلب موسى وهارون. فتقول: آمنت برب موسى وهارون. فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن هي رجعت عن قولها فهي