
فمضى وقدّمها وكانت عادة | منه إذا هي عرّدت أقدامها «١» |
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٩٨ الى ٢٠٧]
وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢)
فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)
الأعجم: الذي لا يفصح وفي لسانه عجمة واستعجام. والأعجمى مثله، إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد. وقرأ الحسن: الأعجميين. ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه، قالوا له: أعجم وأعجمى، شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين، وقالوا لكل ذى صوت من البهائم والطيور وغيرها: أعجم، قال حميد:
ولا عربيّا شاقه صوت أعجما «٢»
(٢).
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة | دعت ساق حر ترحة وتندما |
فغنت على غصن عشاء فلم تدع | لنائحة في نوحها متندما |
عجبت لها أنى يكون غناؤها | فصيحا ولم تغفر بمنطقها فما |
ولم أر مثلي شاقه صوت مثلها | ولا عربيا شاقه صوت أعجما |
الحزن، ضد الفرحة، والتندم: التأسف على ما فات. ويروى «ترنما» وهو تحسين الصوت، وهما نصب على الحالية، أى: حزينة ومتأسفة. أو ذات ترحة وذات تندم. وعشا: نصب على الظرف، فلم تدع: أى تترك لنائحة في غنائها، متندما: أى تندما أو شيئا يتندم به أو فيه. ويجوز أن ضمير نوحها للنائحة، وأنى بمعنى: كيف، أو من أنى. والاستفهام تعجبي. والفصيح: البين الخالي عن اللكنة والتعقيد. وفغر فاه يفغره، من باب نفع:
فتحه، أى: والحال أنها لم تفتح فمها بنطقها، وإنما يخرج صوتها من صدرها. وشاقه: تسبب له في الشوق، والعربي: المفصح. والأعجم: الذي لا يفصح من الحيوان، نقلته العرب لمن لا يفهمون كلامه ولا يفقهون مراده، وربما ألحقوه ياء النسب للمبالغة في شدة العجمة وبينه وبين عربى طباق التضاد.

سَلَكْناهُ أدخلناه ومكناه. والمعنى: إنا أنزلنا هذا القرآن على رجل عربى بلسان عربى مبين، فسمعوا به وفهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجز لا يعارض بكلام مثله، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتب المنزلة قبله على أن البشارة بإنزاله وتحلية المنزل عليه وصفته في كتبهم، وقد تضمنت معانيه وقصصه، وصحّ بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا، فلم يؤمنوا به وجحدوه، وسموه شعرا تارة، وسحرا أخرى، وقالوا: هو من تلفيق محمد وافترائه وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الأعاجم الذي لا يحسن العربية، فضلا أن يقدر على نظم مثله فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ هكذا فصيحا معجزا متحدّى به، لكفروا به كما كفروا، ولتمحلوا لجحودهم عذرا، ولسموه سحرا، ثم قال كَذلِكَ سَلَكْناهُ أى مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم، وهكذا مكناه وقرّرناه فيها، وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها، فكيفما فعل بهم وصنع وعلى أى وجه دبر أمرهم، فلا سبيل أن يتغيروا عماهم عليه من جحوده وإنكاره، كما قال وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ. فإن قلت: كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته؟ قلت: أراد به الدلالة على تمكنه مكذبا في قلوبهم أشدّ التمكن، وأثبته فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه وفطروا. ألا ترى إلى قولهم: هو مجبول على الشح، يريدون: تمكن الشحّ فيه، لأنّ الأمور الخلقية أثبت من العارضة، والدليل عليه أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه «١»، وهو قوله لا يُؤْمِنُونَ بِهِ. فإن قلت: ما موقع لا يُؤْمِنُونَ بِهِ من قوله سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ؟ قلت: موقعه منه موقع الموضع والملخص، لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم، فأتبع ما يقرّر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد. ويجوز أن يكون حالا، أى: سلكناه فيها غير مؤمن به. وقرأ الحسن: فتأتيهم، بالتاء يعنى: الساعة. وبغتة، بالتحريك. وفي حرف أبىّ: ويروه بغتة. فإن قلت: ما معنى التعقيب في قوله فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً...... فَيَقُولُوا؟ قلت: ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته