آيات من القرآن الكريم

فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
ﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

تأمل هنا أدب نوح عليه السلام حين يشكو قومه إلى الله ويرفع إليه ما حدث منهم، كل ما قاله: ﴿إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾ [الشعراء: ١١٧] ولم يذكر شيئاً عن التهديد له بالرجم، وإعلان الحرب على دعوته، لماذا؟ لأن ما يهمه في المقام الأول أن يُصدِّقه قومه، فهذا هو الأصل في دعوته.
وقوله: ﴿فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً﴾ [الشعراء: ١١٨] الفتح في الشيء إما: حسياً وإما معنوياً، فمثلاً الباب المغلَق بقُفْل نقول: نفتح الباب: أي نزيل أغلاقه.
فإنْ كان الشيء مربوطاً نزيل الأشكال ونفكّ الأربطة.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف: ﴿وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ﴾ [يوسف: ٦٥] أي: أزالوا الرباط عن متاعهم، هذا هو الفتح الحسِّيّ.

صفحة رقم 10626

أما الفتح المعنوي فنُزيل الأغلاق والأشكال المعنوية ليأتي الخير وتأتي البركة، كما في قوله سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض﴾ [الأعراف: ٩٦].
وفي آية أخرى: ﴿مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ﴾ [فاطر: ٢].
والخير الذي يفتح الله به على الناس قد يكون خيراً مادياً، وقد يكون عِلْماً، كما في قوله تعالى: ﴿أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٧٦].
أي: من العلم في التوراة، يخافون أن يأخذه المؤمنون، ويجعلوه حجة على أهل التوراة إذا ما كان لهم الفتح والغَلَبة، فمعنى: ﴿بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٧٦] أي: بما علَّمكم من علم لم يعلموه هم.
وقد يكون الفتح بمعنى الحكم، مثل قوله سبحانه: ﴿رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين﴾ [الأعراف: ٨٩].
ويكون الفتح بمعنى النصر، كما في قوله تعالى: ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح﴾ [النصر: ١].
ثم يقول نوح عليه السلام: ﴿وَنَجِّنِي﴾ [الشعراء: ١١٨] من كيدهم وما يُهدِّدونني به من الرَّجْم ﴿وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين﴾ [الشعراء: ١١٨] لأن الإيذاء قد يتعدّاه إلى المؤمنين معه، وتأتي الإجابة سريعة: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ﴾

صفحة رقم 10627
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية