آيات من القرآن الكريم

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ
ﯰﯱﯲﯳ

القوم: هم الرجال خاصة، وسُمُّوا قوماً؛ لأنهم هم الذين يقومون بأهم الأشياء، ويقابل القوم النساء، كما جاء شرح هذا المعنى في قوله سبحانه: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ﴾ [الحجرات: ١١].
فالرجال هم القوم؛ لأنهم يقومون بأهم الأمور، وعليهم مدار حركة الحياة، والنساء يستقبلْنَ ثمار هذه الحركة، فينقونها بأمانة ويُوجِّهونها التوجيه السليم.
والشاعر العربي أوضح هذا المعنى بقوله:

وَمَا أَدْرِي ولسْتُ إخَاَلُ أدْرِي أَقْوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ
ونفهم أيضاَ هذه القِوامة للرجل من قَوْل الله تعالى حينما وعظ

صفحة رقم 10616

آدم وحذَّره من الشيطان: ﴿إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة﴾ [طه: ١١٧] وحسب القاعدة نقول: فتشقيا.
لكن الحق تبارك وتعالى يقول: ﴿فتشقى﴾ [طه: ١١٧] أنت يا آدم وحدك في حركة الحياة، فالرجل يتحمل هذه المشقة ويكرم المرأة أن تُهَان أو تشقى، لكن ماذا نفعل وهي تريد أن تُشقِي نفسها؟!
ونلحظ أن الآية تقول: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين﴾ [الشعراء: ١٠٥] كيف وهم ما كذّبوا إلا رسلهم نوحاً عليه السلام؟ وكانوا مؤمنين قبله بآدم وإبراهيم مثلاً.
قالوا: لأن الرسل عن الله إنما جاءوا في أصول ثابتة في العقيدة وفي الأخلاق لا تتغير في أي دين؛ لذلك فمن كذَّب رسوله فكأنه كذَّب كل الرسل، ألاَ ترى أن من أقوال المؤمنين أن يقولوا:
﴿قُلْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ على إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط وَمَا أُوتِيَ موسى وعيسى والنبيون مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٨٤].
وقال تعالى: ﴿آمَنَ الرسول بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ بالله وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥].
فإنْ قُلْتَ: فماذا عن اختلاف المناهج والشرائع من نبي لآخر؟ نقول: هذه اختلافات في مسائل تقتضيها تطورات المجتمات، وهي فرعيات لا تتصل بأصل العقائد والأخلاق الكريمة.
لذلك نجد هذه لازمة في كُلِّ مواكب الرسالات، يقول: المرسِلِين، المرسَلِين؛ لأن الذي يُكذِّب رسوله فيما اتفق فيه الأجيال

صفحة رقم 10617

من عقائد وأخلاق، فكأنه كذّب جميع المرسلين.

صفحة رقم 10618
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية