آيات من القرآن الكريم

فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ

ونحو الآية قوله: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ».
والخلاصة- إنهم لا يقترحون اقتراحا من فاسد مقترحاتهم، إلا أتيناك بما يدفعه، ويوضح بطلانه.
وبعد أن وصفوا رسوله بتلك الأوصاف السالفة تحقيرا له- سلاه على ذلك، وطلب إليه أن يقول لهم.
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا) أي إنى لا أقول لكم كما تقولون ولا أصفكم بمثل ما تصفوننى به، بل أقول لكم: إن الذين يسحبون إلى جهنم ويجرّون بالسلاسل والأغلال هم شر مكانا وأضل سبيلا، فانظروا بعين الإنصاف، وفكّروا من أولى بهذه الأوصاف منا ومنكم؟ لتعلموا أن مكانكم شر من مكاننا، وسبيلكم أضل من سبيلنا.
وهذا على نسق قوله تعالى: «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ».
ويسمّون هذا الأسلوب فى المناظرة بإرخاء العنان للخصم، ليسهل إفحامه وإلزامه،
روى الترمذي عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف. صنفا مشاة وصنفا ركبانا وصنفا على وجوههم، قيل يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك»
والمراد أن الملائكة عليهم السلام تسحيهم وتجرّهم على وجوههم إلى جهنم، أو يكون الحشر على الوجوه عباوة عن الذلة والخزي والهوان، أو هو من قول العرب مرّ فلان على وجهه إذا لم يدر أين يذهب.
قصص بعض الأنبياء مع أممهم
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٥ الى ٤٠]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠)

صفحة رقم 14

تفسير المفردات
قال الزجاج: الوزير من يرجع إليه للاستعانة برأيه، والتدمير: كسر الشيء على وجه لا يمكن معه إصلاحه، وأعتدنا. هيّأنا وأعددنا، الرس: البئر غير المطوية (غير المبنية) والجمع: رساس. قال أبو عبيدة: والمراد بهم كما قال قتادة أهل قرية من اليمامة يقال لها الرسّ والفلج فتلوا نبيهم فهلكوا، وهم بقية ثمود قوم صالح، والتتبير: التفتيت والتكسير قال الزجاج: كل شىء كسرته وفتّته فقد تبرّته ومنه التّبر لفتات الذهب والفضة، والقرية: هى سذوم أعظم قرى قوم لوط، لا يرجون: أي لا يتوقعون، والنشور:
البعث للحساب والجزاء.
المعنى الجملي
بعد أن تكلم فى دلائل وحدانيته ونفى الأنداد، وفى النبوة وأجاب عن شبهات المنكرين لها، وفى أحوال يوم القيامة وأهوالها التي يلقاها الكافرون، وفى النعيم الذي يتفضل به على عباده المتقين، أردف ذلك بقصص بعض الأنبياء مع أممهم الذين كذّبوهم فحل بهم النكال والوبال، ليكون فى ذلك عبرة لقومه المشركين الذين كذبوا رسوله حتى لا يحل بهم من العذاب مثل ما حل بمن قبلهم إذا هم تمادوا فى تكذيبهم وأصرّوا على بغيهم وطغيانهم.

صفحة رقم 15

وقد ذكر من ذلك خمس قصص: قصة موسى مع فرعون وقومه. وقصة نوح وقومه. وقصة هود مع قومه عاد. وقصة صالح مع قومه ثمود. وقصة أصحاب الرس.
قصة موسى وهارون عليهما السلام
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) أي ولقد أنزلنا على موسى التوراة كما أنزلنا عليك الفرقان، وجعلنا معه أخاه هرون معينا وظهيرا له، ولا تنافى بين هذه الآية وقوله: «وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا» فإنه وإن كان نبيا فالشريعة لموسى عليه السلام وهو تابع له فيها، كما أن الوزير متبع لسطانه.
ثم ذكر ما أمرا به من تبليغ الرسالة مع بيان أن النصر لهما آخرا على أعدائهما.
(فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) أي فقلنا لهما اذهبا إلى فرعون وقومه الذين كذبوا بدلائل التوحيد المودعة فى الأنفس والآفاق، فلما ذهبا إليهم كذبوهما فأهلكناهم أشد إهلاك.
ونحو الآية قوله: «دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها».
وفى ذلك تسلية لرسوله وأنه ليس أول من كذّب من الرسل، فله أسوة بمن سلف منهم.
قصة نوح عليه السلام
(وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) أي وكذلك فعلنا بقوم نوح حين كذبوا رسولنا نوحا عليه السلام، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ويحذّرهم نقمته «وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» فأغرقناهم ولم نترك منهم أحدا إلا أصحاب السفينة وجعلناهم عبرة للناس كما قال: «إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» أي أبقينا لكم

صفحة رقم 16

السفينة، لتذكروا نعمة الله عليكم بإنجائكم من الغرق وجعلكم من ذرية من آمن به وصدّق بأمره.
وفى قوله: كذبوا الرسل وهم لم يكذبوا إلا رسولا واحدا وهو نوح- إيماء إلى أن من كذّب رسولا وأخذا فقد كذب جميع الرسل، إذ لا فرق بين رسول وآخر، إذ جميعهم يدعو إلى توحيد الله ونبذ الأصنام والأوثان قاله الزجاج.
ثم ذكر مآل المكذبين فقال:
(وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً) أي وأعددنا لكل من كفر بالله ولم يؤمن برسله عذابا أليما فى الآخرة.
وفى ذلك رمز إلى أن قريشا سيحل بهم من العذاب فى الدنيا والآخرة مثل ماحل بأولئك المكذبين إذا لم يرعووا عن غيّهم.
قصص عاد وثمود وأصحاب الرس وغيرهم
(وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ) أي ودمّرنا عادا قوم هود عليه السلام بالريح الصرصر العاتية، وثمود قوم صالح بالصيحة، وأهلكنا أصحاب الرس الذين كانوا باليمامة وقتلوا نبيهم. واختار ابن جرير أنهم أصحاب الأخدود الذين ذكروا فى سورة البروج وسيأتى ذكر قصصهم.
(وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) أي وأمما كثيرة أهلكناهم لما كذّبوا رسلنا.
ثم ذكر أنه أنذر أولئك المكذبين وحذرهم قبل أن أوقع بهم فقال:
(وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) أي وكل هؤلاء أوضحنا لهم حججنا، وبينا لهم أذلتنا، وأزحنا عنهم الأعذار، فتمادوا فى كفرهم وطغيانهم، فأهلكناهم أفظع الإهلاك وأشده.
ثم ذكّر مشركى مكة بما يرونه من العبر فى حلّهم وتر حالهم وما يشاهدونه مما حل بأولئك الأمم المكذبة من المثلات فقال:

صفحة رقم 17
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية