آيات من القرآن الكريم

تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧ الى ١٤]

وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١)
إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَعَنُّتِ الْكَفَّارِ وَعِنَادِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ لِلْحَقِّ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا تَعَلَّلُوا بِقَوْلِهِمْ مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ يَعْنُونَ كَمَا نَأْكُلُهُ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ كَمَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ أَيْ يَتَرَدَّدُ فِيهَا وَإِلَيْهَا طَلَبًا لِلتَّكَسُّبِ وَالتِّجَارَةِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً يَقُولُونَ: هَلَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَكُونَ لَهُ شَاهِدًا عَلَى صِدْقِ مَا يَدَّعِيهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزُّخْرُفِ: ٥٣] وَكَذَلِكَ قَالَ هَؤُلَاءِ عَلَى السَّوَاءِ تشابهت قلوبهم، ولهذا قالوا أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَيْ عِلْمُ كَنْزٍ يُنْفِقُ مِنْهُ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها أَيْ تَسِيرُ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ، وَهَذَا كُلُّهُ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَى اللَّهِ وَلَكِنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ فِي تَرْكِ ذَلِكَ وَلَهُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا أَيْ جَاءُوا بِمَا يَقْذِفُونَكَ بِهِ وَيَكْذِبُونَ بِهِ عَلَيْكَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَاحِرٌ مَسْحُورٌ مَجْنُونٌ كَذَّابٌ شَاعِرٌ، وَكُلُّهَا أَقْوَالٌ بَاطِلَةٌ، كُلُّ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ وَعَقْلٍ يَعْرِفُ كَذِبَهُمْ وَافْتِرَاءَهُمْ في ذلك، ولهذا قال فَضَلُّوا عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا وَذَلِكَ أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى، فَإِنَّهُ ضَالٌّ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ، لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ ومنهجه مُتَّحِدٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مخبرا نبيه أنه إن شَاءَ لَآتَاهُ خَيْرًا مِمَّا يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا وأفضل وأحسن، فقال تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ الآية، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، قَالَ:
وَقُرَيْشٌ يسمون كل بيت من حجارة قصرا كبيرا كان أو صغيرا «١»، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ خَيْثَمَةَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتَ أَنْ نُعْطِيَكَ خَزَائِنَ الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبيا قبلك، ولا نعطي أحدا مِنْ بَعْدِكَ وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ «اجْمَعُوهَا لِي فِي الْآخِرَةِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ «٢» الآية.
وَقَوْلُهُ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ أَيْ إِنَّمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ هَكَذَا تَكْذِيبًا وَعِنَادًا لَا أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ ذَلِكَ تَبَصُّرًا وَاسْتِرْشَادًا بَلْ تَكْذِيبُهُمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُمْ عَلَى قَوْلِ مَا يَقُولُونَهُ مِنْ هَذِهِ الأقوال وَأَعْتَدْنا أي أرصدنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً أَيْ عَذَابًا أَلِيمًا حارا لا يطاق في نار
(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٣٦٩.
(٢) انظر تفسير الطبري ٩/ ٣٦٩.

صفحة رقم 87

جهنم. قال الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (السَّعِيرُ) وَادٍ مِنْ قَيْحِ جَهَنَّمَ. وَقَوْلُهُ إِذا رَأَتْهُمْ أَيْ جَهَنَّمُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يَعْنِي فِي مَقَامِ الْمَحْشَرِ. قَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً أَيْ حَنَقًا عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ أَيْ يَكَادُ يَنْفَصِلُ بعضها عن بَعْضٍ مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا عَلَى مَنْ كَفَرَ بالله.
وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ حَاتِمِ بن الأحنف الْوَاسِطِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيَّ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ كثير، عن خالد بن دريك بإسناده عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: قال رسول الله: «مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، أَوِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ وَالِدَيْهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ- وَفِي رِوَايَةٍ- فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا» قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْنَيْنِ؟ قَالَ «أَمَا سَمِعْتُمُ اللَّهَ يَقُولُ إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ الْآيَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خِدَاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْوَاسِطِيِّ بِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حدثنا أبو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عِيسَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ وَمَعَنَا الرَّبِيعُ بْنُ خيثم، فَمَرُّوا عَلَى حَدَّادٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ إِلَى حَدِيدَةٍ فِي النَّارِ، وَنَظَرَ الرَّبِيعُ بْنُ خيثم إليها، فتمايل الربيع لِيَسْقُطَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَتُونٍ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فِلَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالنَّارُ تَلْتَهِبُ فِي جَوْفِهِ، قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً فصعق، يعني الربيع، وحملوه إلى أهل بيته، فرابطه عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الظُّهْرِ، فَلَمْ يَفِقْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لِيُجَرُّ إِلَى النَّارِ فَتَشْهَقُ إِلَيْهِ شَهْقَةَ الْبَغْلَةِ إِلَى الشَّعِيرِ، ثُمَّ تَزْفَرُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا خَافَ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أبي حاتم بأسناده مُخْتَصَرًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عن أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ فَتَنْزَوِي وَتَنْقَبِضُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَيَقُولُ لَهَا الرَّحْمَنُ: مَا لَكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ يَسْتَجِيرُ مِنِّي، فَيَقُولُ: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا كَانَ هَذَا الظَّنُّ بِكَ، فَيَقُولُ: فَمَا كَانَ ظَنُّكَ؟ فَيَقُولُ: أَنْ تَسَعَنِي رَحْمَتُكَ، فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا عَبْدِي، وَإِنَّ الرَّجُلَ ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة الْبَغْلَةِ إِلَى الشَّعِيرِ، وَتَزْفَرُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا خَافَ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ مَنْصُورٍ عَنْ مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله

(١) تفسير الطبري ٩/ ٣٧٠.
(٢) تفسير الطبري ٩/ ٣٧٠.

صفحة رقم 88
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية