آيات من القرآن الكريم

تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) وليصحح ما طرأ على المبادئ التي تضمنتها الكتب الأولى من تحريف وتبديل وسوء تأويل وليكون عليها مهيمنا ولتلك المبادئ مرجعا كما ذكر ذلك في آيات عديدة أوردنا كثيرا منها آنفا، ومنها آية سورة المائدة هذه: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وآية سورة المائدة أيضا هذه: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ [٤٨] وآيات سورة النمل هذه: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) ويتمثل في ذلك كله فحوى ومدى آية سورة الأنبياء هذه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧).
دلالة تعبيري اكْتَتَبَها وتُمْلى عَلَيْهِ
هذا، وتعبيرا اكْتَتَبَها وتُمْلى عَلَيْهِ الواردان في الآية الخامسة ينطويان على دلالة قرآنية على أن النبي ﷺ لم يكن يقرأ ويكتب كما هو المتبادر.
وهذه الدلالة صريحة أكثر في آية سورة العنكبوت هذه: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨).
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧ الى ١٠]
وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠)

صفحة رقم 63

(١) لولا: هنا بمعنى هلّا للتحدي.
(٢) فلا يستطيعون سبيلا: فلا يجدون طريقا أو حجة إلى إبطال أمر النبي ﷺ بما يضربونه من أمثال، أو يوردونه من تعجيزات أو يقولونه من أقوال، أو إنهم ضلّوا عن الحق فلا يستطيعون تبيّنه بمثل تلك الأمثال.
في الآيات حكاية لأقوال أخرى كان الكفار يقولونها حيث كانوا يبدون دهشتهم لدعوى النبي ﷺ برسالة الله تعالى ويقولون كيف يكون رسولا من الله تعالى ثم هو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق كما يفعل سائر الناس، وحيث كانوا يطلبون ما يدعم دعواه هذه ويتحدّونه بإنزال ملك يؤيده أو إلقاء كنز عليه ينفق منه أو خلق جنة يأكل منها، وحيث كانوا يقولون للمصدقين المؤمنين إنكم إنما تتّبعون رجلا يقول ما يقول ويدعو إلى ما يدعو تحت تأثير السحر.
وقد احتوت الآيتان الأخيرتان ردّا تسفيهيا فيه خطاب تطميني للنبي ﷺ في الوقت ذاته، فإنهم بمثل هذه الأقوال والتحدّيات قد ضلّوا عن طريق الحق والهدى فلن يستطيعوا تبيّنها، وإن الله قادر لو شاء أن يجعل له من القصور والجنات أفضلها وأعظمها فهو خالق الأكوان ولا يعجزه شيء من ذلك بطبيعة الحال.
ولقد روى الطبري أن الآيتين الأولى والثانية نزلتا في مناسبة اجتماع تمّ بين زعماء المشركين والنبي ﷺ جادلوه وتحدّوه بمطالب متعددة. والذي يتبادر لنا من انسجام المجموعة وعطفها على ما سبقها أن تحدّي الكفّار قد كان قبل نزول هذه الآيات والتي قبلها وأن المجموعتين نزلتا معا أو واحدة بعد أخرى لتحكي أقوالهم وتردّ عليهم وتندّد بهم وتقرّر حقيقة الرسالة النبويّة وهدفها وتثبّت النبي وتؤيده في موقفه معهم.

صفحة رقم 64

تعليق على تحدّي الكفار باستنزال ملك لتأييد النبي صلى الله عليه وسلم
وحكاية طلب الكفار باستنزال ملك يؤيد النبي ﷺ ويكون معه نذيرا تحكى عنهم هنا لأول مرة. وقد تكررت حكاية ذلك عنهم في هذه السورة وفي سور أخرى حيث يبدو أن هذا كان من مظاهر تحدّيهم التي رأوها هامة ورأوا تكرارها من آن لآخر. وحيث يؤيد هذا ما نبهنا عليه في سورتي المدثّر والنجم من اعتقادهم بوجودهم وصلتهم بالله تعالى وحظوتهم لديه. وقيامهم بخدمات متنوعة له حتى اعتقدوا أنهم بناته وعبدوهم على سبيل الاستشفاع بهم.
تعليق على ما يفرضه العرب من طبيعة للنبي تغاير طبيعة البشر
والآية السابعة تشير إلى ما كان يفرضه العرب في «النبي» من طبيعة غير طبيعة البشر ومن قوّة ومواهب فوق قوى البشر ومواهبهم، ثم إلى سبب من أسباب وقوفهم من النبي ﷺ موقف المكذّب المرتاب وهو طبيعته البشرية التي لم يكن فيها أي فارق عن سائر الناس فكان هذا مما جعلهم يطلبون المؤيدات لدعواه الصلة بالله تعالى، وقد تكرر هذا منهم في آيات ومواقف عديدة أوردناها في سياق تفسير سورة المدثر. وكانت الآيات تردّ عليهم ردّا مماثلا لما احتوته الآيات التي نحن في صددها دون إجابة إلى تحدّيهم لأن الدعوة إلى الله ومكارم الأخلاق لا تحتاج إلى مؤيدات خارقة لمن يدعو إليها مع ترديدها تقرير بشرية النبي ﷺ في كل شيء وكونه لا يملك لأحد ضرّا ولا رشدا وكونه لا يجيره من الله أحد وكونه لا يعلم الغيب ولا يستطيع دفع ضرر عن نفسه وجلب خير له إلّا ما شاء الله كما جاء في آيات سورة الأعراف [١٨٨] وسورة الجن [٢١- ٢٢] اللتين سبقتا هذه السورة وآية سورة الكهف هذه: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠) وأمثالها.

صفحة رقم 65

تعليق على تعبير انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا
والآية التاسعة في تقريرها ضلال الكفار فيما يبدو منهم من أقوال ويضربونه من أمثال ويتحدونه من تحدّيات قد تضمنت تقرير كون مواقفهم هذه هي مواقف عناد ومكابرة وليست صادرة عن نيّة حسنة ورغبة في الحق، وتقرير كون من كانت مواقفه ناشئة عن ذلك لا يستطيع أن يتبيّن الحق والهدى فيما يسمع ويشاهد.
واستعمال كلمة فَضَلُّوا قد تفيد بالإضافة إلى ما قلناه أن إنكار الكفار ومكابرتهم وتساؤلهم وتحدّياتهم ناتجة عن ضعف إدراكهم الذي أدّى بهم إلى الظنّ بأن الرسل يجب أن يكونوا من غير البشر أو أن تكون لهم مواهب تفوق مواهب البشر. وهذا المعنى جاء بصراحة في آيات أخرى منها آيات سورة الإسراء هذه:
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (٩٤). وقد يفيد كذلك أن من الضلال أن يظنّ أن دعوة الناس إلى دين الله وطريق الحق تقتضي أن يقوم بها شخص فوق البشر في حين أن الخصائص التي يقتضي أن يمتاز بها الرسول ليست مما يخرجه من الطبيعة البشرية وإنما هي في الخلق والنفس والروح والعقل.
وفي كل ما تفيده الآية تلقينات جليلة مستمرة المدى في تقبيح المكابرة والشذوذ وعدم تدبّر الأمور، والانحراف عن مقتضى الحق والمنطق وعدم التسليم بهما عند ظهور حجتهما والتحمّل في ما لا طائل من ورائه بسبيل هذا الانحراف.

صفحة رقم 66
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية