آيات من القرآن الكريم

وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

الإِمام وإِن لم يطالِب المقذوف.
قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا أي: من القذف وَأَصْلَحُوا قال ابن عباس: أظهروا التوبة وقال غيره: لم يعودوا إِلى قذف المُحْصنَات، وفي هذا الإِستثناء قولان: أحدهما: أنه نسخ حدِّ القذف وإِسقاط الشهادة معاً، وهذا قول عكرمة، والشعبي، وطاوس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، والزهري، والشافعي، وأحمد. والثاني: أنه يعود إِلى الفسق فقط، وأما الشهادة، فلا تُقْبَل أبداً، قاله الحسن، وشريح، وإِبراهيم، وقتادة. فعلى هذا القول انقطع الكلام عند قوله: «أبداً» وعلى القول الأول وقع الاستثناء على جميع الكلام، وهذا أصح، لأن المتكلّم بالفاحشة لا يكون جرماً من راكبها، فإذا قُبلت شهادةُ المقذوف بعد ثبوته، فالرامي أيسر جرماً، وليس القاذف بأشدَّ جرماً من الكافر، فإنه إِذا أسلم قبلت شهادته.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٦ الى ١٠]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ.
(١٠٢٤) سبب نزولها أن هلال بن أُمية وجد عند أهله رجلاً، فرأى بعينه وسمع بأذنه، فلم يُهجْه حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله: إِنِّي جئت أهلي، فوجدت عندها رجلاً، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما جاء به، واشتد عليه، فقال سعد بن عبادة: الآن يَضْرِبُ رسولُ الله هلالاً ويُبطل شهادته، فقال هلال: والله إِنِّي لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا، فو الله إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يريد أن يأمر بضربه إِذ نزل عليه الوحي، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس.
(١٠٢٥) وفي حديث آخر، أن الرجل الذي قذفها به شريك بن سحماء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال

أخرجه أحمد ١/ ٢٣٨ والطبري ٢٥٨٢٨ من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس. وإسناده ضعيف لأجل عباد بن منصور، لكن أصله محفوظ، أخرجه البخاري وغيره. وانظر ما بعده وانظر «أحكام القرآن» ١٥٥٥.
صحيح. أخرجه البخاري ٢٦٧١ و ٤٧٤٧ وأبو داود ٢٢٥٤ والترمذي ٣١٧٩ وابن ماجة ٢٠٦٧ والبيهقي ٧/ ٣٩٣ والبغوي ٢٣٧٠ كلهم من حديث ابن عباس، أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلّم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «البينة أو حدّ في ظهرك» فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «البينة وإلا حد في ظهرك». فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد. فنزل جبريل وأنزل عليه وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ فقرأ حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلّم فأرسل إليها. فجاء هلال فشهد. والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟» ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقّفوها وقالوا: إنها موجبة.
قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلّج الساقين فهو لشريك بن سمحاء» فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن». لفظ البخاري. وانظر «أحكام القرآن» ١٥٥٣ بتخريجنا.

صفحة رقم 280

لهلال حين قذفها: «ائتني بأربعة شهداء، وإِلا فحدٌّ في ظهرك»، فنزلت هذه الآية، فنُسخ حكم الجلد في حق الزوج القاذف.

فصل في بيان حكم الآية:


إِذا قذف الرجل زوجته بالزنا، لزمه الحدُّ، وله التخلُّص منه باقامة البيِّنة، أو باللِّعان، فإن أقام البيِّنة لزمها الحدّ، وإِن لاعنها، فقد حقَّق عليها الزّنا، ولها التّخليص منه باللّعان، فإن نكل الزوج عن اللعان، فعليه حدُّ القذف، وإِن نكلت الزوجة، لم تحدّ، وحُبست حتى تُلاعِن أو تُقِرَّ بالزنا في إِحدى الروايتين، وفي الأخرى: يُخلَّى سبيلُها، وقال أبو حنيفة: لا يُحَدُّ واحد منهما، ويُحبس حتى يُلاعِن. وقال مالك، والشافعي: يجب الحدُّ على الناكل منهما.

فصل:


ولا تصح الملاعنة إِلا بحضرة الحاكم. فان كانت المرأة خَفِرة، بعث الحاكم من يُلاعِن بينهما. وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول: أشهد بالله إِني لمن الصادقين فيما رميتُها به من الزنا، أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: ولعنة الله عليه إِن كان من الكاذبين، ثم تقول الزوجة أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا، ثم تقول: وغضب الله عليها إِن كان من الصادقين. والسُّنة أن يتلاعنا قياماً، ويقال للزوج إِذا بلغ اللعنة: اتق الله فانها المُوجِبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وكذلك يقال للزوجة إِذا بلغت إِلى الغضب. فإن كان بينهما ولد، افتقر نفيه عن الأب إِلى ذِكْره في اللعان، فيزيد في الشهادة: وما هذا الولد ولدي، وتزيد هي: وإِن هذا الولد ولده.

فصل:


واختلف الفقهاء في الزوجين اللَّذين يجري بينهما اللعان، فالمشهور عن أحمد أن كل زوج صح قذفه صح لعانه، فيدخل تحت هذا المسلمُ والكافر والحرُّ والعبد، وكذلك المرأة، وهذا قول مالك، والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يجوز اللعان بين الحرِّ والأمَةَ، ولا بين العبد والحرة، ولا بين الذميَّين، أو إِذا كان أحدهما ذميّاً ونقل حرب عن أحمد نحو هذا، والمذهب هو الأول. ولا تختلف الرواية عن أحمد أن فُرقة اللعان لا تقع بلعان الزوج وحده. واختلفت هل تقع بلعانهما من غير فُرقة الحاكم على روايتين. وتحريم اللعان مؤبَّد، فان أكذب الملاعنُ نفسه لم تحلَّ له زوجته أيضاً، وبه قال عمر، وعلي، وابن مسعود، وعن أحمد روايتان، أصحهما: هذا، والثانية: يجتمعان بعد التكذيب، وهو قول أبي حنيفة.
قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ وقرأ أبو حنيفة وأبو المتوكل. وابن يعمر، والنخعي: «تكن» بالتاء. قوله تعالى: فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: «أربعَ» بفتح العين. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: برفع العين. قال الزجاج: من رفع «أربعُ» فالمعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأُ حَدَّ القذف أربعُ ومن نصب، فالمعنى:
فعليهم أن يشهد أحدهم أربعَ. قوله تعالى: وَالْخامِسَةُ قرأ حفص عن عاصم: «والخامسةَ» نصباً، حملاً على نصب «أربعَ شهادات». قوله تعالى: أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ قرأ نافع، ويعقوب، والمفضل:

صفحة رقم 281
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية