الرسل، وفي هذا تخويف للمكذبين بمحمد -صلى الله عليه وسلم- أن يلحقهم ما لحق من قبلهم من الأمم حين كذبوا رسلهم.
وقوله: ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ قال الكلبي: يعني نهيًا للمتقين عن (١) الشرك والكبائر (٢).
٣٥ - وقوله تعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ معنى النور في اللغة: الضياء (٣). وهو ضد الظلمة (٤).
قال ابن عباس في رواية عطاء: الله هادي أهل السموات وأهل الأرض (٥).
(٢) ذكر البغوي ٦/ ٤٥ هذا القول، ولم ينسبه لأحد.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٣٠ (نار) نقلاً عن ابن المظفر.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٣٤ (نار) نقلاً عن ابن السكيت.
وانظر: "الصحاح" للجوهري ٢/ ٨٣٨ (نور)، "لسان العرب" ٥/ ٢٤٠ (نور).
(٥) لم أجده من رواية عطاء. لكن أخرج الطبري ١٨/ ١٣٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٤ ب من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: هادي أهل السموات والأرض. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ وزاد نسبته لابن المنذر والبيهقي في "الأسماء والصفات".
قال الإمام ابن القيم في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص ٨ - ٩: (وقد فُسِّر قوله تعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بكونه منوّر السموات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض. وهذا إنما هو فعله، وإلَّا فالنور الذي هو من أوصافه قائم منه، ومنه اشتق له اسم النور، الذي هو أحد أسمائه الحسنى. والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله.
فالأول كقوله: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزمر: ٦٩].
فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- =
.........................
فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله، كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره.
وفي معجم الطبراني والسنَّة له، وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه.
وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض.
وأما من فسَّرها بأنه منور السموات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود. والحق أنُّه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها.
وفي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات، فقال: "إنَّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النَّهار وعمل النَّهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
وفي "صحيح مسلم" عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل رأيت ربك؟ قال: "نور، أنَّى أراه".
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: معناه: كان ثمَّ نور، أو حال دون رؤيته نور، فأنَّى أراه؟. قال: ويدل عليه: أنَّ في بعض الألفاظ الصحيحة: هل رأيت ربك؟ قال: "رأيت نورًا"..
ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: "حجابه النور" فهذا النور -والله أعلم- النور المذكور في حديث أبى ذر -رضي الله عنه-: "رأيت نورًا"). انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
ويبيَّن ما قاله ابن القيم من أنَّه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها ما قاله العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" ٣/ ٤٠١: "الله نور السموات والأرض" الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وبه استنار العرش =
وهذا قول مقاتل (١)، والكلبي، وروي ذلك عن أنس (٢) -رضي الله عنه-.
والنور من صفات الله جل ثناؤه ورد ذلك في الأسماء التسعة والتسعين (٣)، ونطق به القرآن في هذه الآية نصًا.
وفسّره هؤلاء الذين ذكرناهم بالهادي، وحقيقته أن النَّور هو الذي يبيِّن الأشياء وُيري الأبصار حقيقتها (٤)، وعلى هذا المعنى ورد النّور في
(١) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ ب.
(٢) رواه الطبري ١٨/ ١٣٥ من طريق فرقد السجني، عنه قال: إن إلهي يقول: نوري هداي. وإسناد ضعيف لضعف فرقد. انظر: "المغني في الضعفاء" للذهبي ٢/ ٥٠٩ - ٥١٠، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر ٨/ ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٣) روى الترمذي في "جامعه" كتاب: الدعوات ٩/ ٤٨٢ عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة، وهو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن.. النّور". الحديث.
وحديث أبي هريرة رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الدعوات- باب: لله مائة اسم غير واحدة ١١/ ٢١٤ وغيره دون سرد الأسماء.
وقد اختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو مدرج في الخبر من بعض الرواة.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢٦٩: والذي عوَّل عليه جماعة من الحفاظ أنَّ سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه. كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني، عن زهير بن محمد أنَّه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنَّهم قالوا ذلك، أي أنَّهم جمعوها من القرآن كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي، والله أعلم.
(٤) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٣٥ (نار): والنور هو الذي.. حقيقتها.
صفة الله تعالى (١)؛ لأنَّه هو الذي يهدي المؤمنين ويبيّن لهم ما يهتدون بها من الضَّلالة.
وهذا معنى قول ابن قتيبة: أي: بنوره يهتدي من في السموات والأرض (٢).
[وذكر السموات والأرض] (٣) والمراد أهلها كما ذُكرت القُرى والقرية في مواضع من القرآن والمراد أهلها وسكانها. ويحمل هذا على حذف المضاف.
وقال مجاهد في هذه الآية: مدبّر الأمور في السموات والأرض (٤).
واختار أبو إسحاق هذا القول فقال: أي مدبر أمرهما (٥) بحكمة بالغة وحجّة نيّرة (٦). وهذا كما يقال: فلان نور هذا الأمر ونور البلد، أي هو الذي يجريه (٧) ويجري أمره على سنن السَّداد (٨).
وقال الضحاك والقرظي (٩): منوّر السموات والأرض.
(٢) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٣٢٨.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) رواه الطبري ١٨/ ١٣٥، وذكره الثعلبي ٣/ ٨٢ ب، والبغوي ٦/ ٤٥ وابن الجوزي ٦/ ٤٠، وابن كثير ٣/ ٢٨٩.
(٥) في (ع): (أمرها).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٣.
(٧) في (ع): (أمرها).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٣.
(٩) ذكره عنهما الثعلبي ٣/ ٨٢ ب، والقرطبي ١٢/ ٢٥٧. وذكره البغوي ٦/ ٤٥ عن الضحَّاك.
ففسر النور بالمنوّر وهذا (١) على المبالغة؛ لأنَّه لما كان خالق الأنوار والشمس والقمر والنجوم التي بها نور السموات والأرض وصف بأنَّه النور كما يقال: فلان جُود وفلان كرم، ويقال في ضده: فلان لُوم وبُخل. إذا بالغوا (٢) في وصفه بهذه الأشياء، ويقال: فلان رحمة وسخطة، وهو لا يكون في نفسه رحمة ولا سخطة وإنَّما يكونان منه (٣).
وعلى هذا الوجه يتوجّه أيضًا قول من قال: مُزيِّن السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء؛ لأنَّ معنى المزيّن هنا: المنوِّر.
وهذا القول يروى عن أبي بن كعب وأبي العالية (٤) والحسن (٥).
﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: مثل نوره الذي أعطاه المؤمن (٦). ونحو هذا قال الكلبي: مثل نور الله في قلب المؤمن.
وعلى هذا القول الكناية عائدة إلى الله تعالى. والمراد: مثل نوره الذي يقذفه في قلب المؤمن ويهديه به.
(٢) في (أ) زيادة: (كان) بعد قوله: (إذا).
(٣) منه: ساقطة من (ع).
(٤) في (أ): (وأبو العالية).
(٥) ذكره عنهم الثعلبي ٣/ ٨٢ ب، والبغوي ٦/ ٤٥، والرازي ٢٣/ ٢٢٤، والقرطبي ١٢/ ٢٥٧.
(٦) ذكره عنه البغوي ٦/ ٤٥ من رواية سعيد بن جبير.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٦ وعزاه للفريابي.
وروى الطبري ١٨/ ١٣٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٥ أمن رواية علي بن أبي طلحة، عنه، نحو هذا.
وروي عن أبي بن كعب أنه قال في هذه الآية: ثم ذكر نور المؤمن فقال ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ يقول مثل نور المؤمن وكان أُبيّ يقرؤها (مثل نور المؤمن) قال: وهو عبد قد جعل القرآن والإيمان في صدره (١).
وهذا القول كما روى عطاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مثل نور من آمن بالله (٢).
وهذا قول عامر الشعبي (٣) (٤). وقال السدي: مثل نوره في قلب المؤمن [قال (٥): وهو قراءة ابن مسعود: (مثل نوره في قلب المؤمن)] (٦).
وهذا كقول الكلبي في عود الكناية إلى اسم الله تعالى.
وعلى القول الثاني عادت الكناية إلى غير مذكور وهو المؤمن (٧).
(٢) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٥ أ، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٧ من رواية عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس، به.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٦ عن ابن عباس، وعزاه لمن تقدمت ترجمته.
(٣) في (ظ)، (ع): (والشعبي)، وهو خطأ.
(٤) روى عبد بن حميد وابن الأنباري كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٩٦ عن الشعبي قال: في قراءة أبي بن كعب: "مثل نور المؤمن كمشكاة".
(٥) ذكر البغوي ٦/ ٤٥ قراءة ابن مسعود دون قول السدي.
(٦) ساقط من (ظ)، (ع).
(٧) ذكر ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص ٩ التقديرين في عود الكناية، وزاد ثالثًا -وهو ما سيذكره الواحدي فيما بعد- وهو أنَّ الضَّمير يعود لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ثم قال: والصحيح أنَّه يعود على الله -سبحانه وتعالى-، والمعنى: مثل نور الله -سبحانه وتعالى- في قلب عبده، وأعظم عباده نصيبًا من هذا النور رسوله -صلى الله عليه وسلم-. فهذا مع ما تضمنَّه عود الضمير المذكور -وهو وجه الكلام- يتضمَّن التقادير الثلاثة وهو أتم لفظًا ومعنى. =
قال الأخفش: مثل ما أنار من الحق في بيانه (١).
قوله ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ قال أبو عبيدة (٢) والفراء (٣) والكسائي (٤): المشكاة: الكُوَّة ليست بنافذة.
وأنشد أبو عبيدة (٥) لأبي زُبيد (٦):
كأنَّ عينيه مشكاتان في حجر قيضا | اقتياضًا (٧) بأطراف المناقير (٨) |
(١) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤١.
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٦.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٢.
(٤) لم أجد قول الكسائي، فلعله في الكتاب الذي ذكره الأزهري في مقدمة كتابه "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦، حيث قال: وللكسائي كتاب في "معاني القرآن" حسن وهو دون كتاب الفراء، وكان أبو الفضل المنذري ناولني هذا الكتاب.
(٥) ليس إنشاد أبي عبيدة في كتابه "المجاز" عند هذه الآية ولا في موضع آخر من كتابه.
(٦) هو: حرملة بن المنذر، وقيل: المنذر بن حرملة، بن معد يكرب، أبو زبيد. تقدم.
(٧) في (ع): اقتضاضًا.
(٨) البيت بهذه الرواية عند الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٨٣ ب، والقرطبي ١٢/ ٢٥٧ - ٢٥٨، ولم ينسباه لأحد.
وورد هذا البيت برواية أخرى لصدره منسوبًا لأبي زبيد في كتابي: "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ٥٤٢، "الصناعتين" لأبي هلال العسكري ص ١١٨.
ورواية ابن قتيبة:
كأنَّما عينه وقبان من حجر... قيضا...
ورواية العسكري:
كأن عينيه في وقَبَين من حجرٍ... قيضا...
وهو من قصيدة له يصف فيها الأسد.
والوَقْب: نُقرة يجتمع فيها الماء، وقيضا: حفرا. والمناقير: جمع "منقار" وهو =
وروى أبو عمر (١) عن الكسائي الإمالة في (مشكاة) وهي غير ممتنعة (٢)؛ لأنَّ مشكاة إذا ثنّي انقلب ألفها ياء (٣) سواء كان الألف فيها منقلبة عن ياء أو واو، وإذا كان كذلك لم تمتنع الإمالة (٤).
قال ابن عباس في رواية عطاء وسليمان [بن قتَّة (٥)] (٦): ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ يعني كُوَّة غير نافذة بلسان الحبش (٧).
انظر: "اللسان" ١/ ٨٠١ (وقب)، ٧/ ٢٢٥ (قيض)، و"تاج العروس" للزبيدي ١٤/ ٢٧٤ (نقر).
(١) في (ظ)، (ع): (أبو عمرو)، وهو خطأ.
وهو: أبو عمر الدُّوري -كما في "السَّبعة" لابن مجاهد، و"الحجة" للفارسي- واسمه حفص بن عمر بن عبد العزيز، الدُّوري، الأزدي، البغدادي، النحوي، صاحب الكسائي. كان شيخ المقرئين في عصره. وقد طال عمره وقصد من الآفاق؛ لعلو سنده وسعة علمه. وكان عالمًا بالقرآن وتفسيره، ذا دين وخير. ويقال إنه أول من جمع القراءات. توفي سنة ٢٤٦ هـ.
"تاريخ بغداد" ٨/ ٢٠٣، "معرفة القراء الكبار" ١/ ١٩١، "غاية النهاية" ١/ ٢٥٥، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٤٠٨، "شذرات الذهب" ٢/ ١١١.
(٢) انظر: "السبعة" ص ٤٥٥، "المبسوط" لابن مهران ص ١٠٨، "إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي" للقلانسي ص ٤١٦.
(٣) في "الحجة": إذا ثَّنيت انقلبت ألفها ياءً.
(٤) من قوله: (وروى أبو عمر.. إلى هنا) هذا كلام أبي علي الفارسي و"الحجة" ٥/ ٣٢٢ مع اختلاف يسير.
(٥) (قتة) مهملة في (أ)، (ظ).
(٦) ساقط من (ع).
(٧) روى عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٩٩ عن ابن عباس قال: المشكاة بلسان الحبشة. الكُوَّة.
وهذا قول السدي، والكلبي، وقتادة (١)، وجميع المفسرين (٢).
قالوا: هي الكُوَّة غير النافذة كما قال أهل اللغة، غير أنَّ بعضهم ذكر أنها بلغة الحبشة. وهو السُّدي، وعكرمة، والكلبي (٣)، وسعد (٤) بن
(٢) نسبة المؤلف هذا القول إلى جميع المفسرين فيه تجوز. إلَّا أن يريد أن جميع المفسرين قد حكي عنهم هذا القول، أو أنَّ قولهم يرجع إلى هذا القول، فمجاهد مثلاً -الذي سيحكي الواحدي عنه قولًا آخر- روى عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٥ ب أنَّه قال: المشكاة الكوة بلغة الحبشة. ومحمد بن كعب الذي سيذكره الواحدي بعد ذلك يرجع قوله إلى أنَّها كوة غير نافذة توضع فيها الفتيلة. وهكذا. فقد ذكر الطبري ١٨/ ١٣٧ - ١٣٨ فيها أقوالًا بعد قوله: اختلف أهل التأويل في معنى المشكاة. وذكر ابن أبي حاتم ٧/ ٤٥ ب فيها وجوها. وذكر فيها ابن الجوزي ٦/ ٤٠ ثلاثة أقوال، وحكى الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ١٠٢ فيها خمسة أقوال:
أحدها: ما ذكر المؤلف أن المشكاة كوَّة لا منفذ لها.
الثاني: المشكاة: القنديل.
الثالث: المشكاة: موضع الفتيلة من القنديل.
الرابع: المشكاة: الحديد الذي يعلّق به القنديل، وهي التي تُسمَّى السلسلة.
الخامس: المشكاة: صدر المؤمن.
وحكاية الماوردي للأخير محل نظر؛ لأن مراد قائل هذا القول بيان المثل وما يقابله لا بيان لفظة المشكاة.
وقد رجَّح ابن كثير ٣/ ٢٩٠ القول الثالث بعد أن حكاه عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وغير واحد. وقال: هذا هو المشهور.
(٣) ذكر عنه الماوردي ٤/ ١٠٣ أنها لفظ حبشي معرب، ولم يذكر عنه معناها.
(٤) في (أ)، (ظ): (سعيد)، والمثبت من (ع)، و"صحيح البخاري"، وجميع كتب التراجم. ووقع في المطبوع من الطبري و"الدر المنثور" و"المهذّب فيما وقع في =
عياض- وعطاء عن ابن عباس.
وذكر محمد بن كعب القرظي المراد بالمشكاة فقال: هي موضع الفتيلة من القنديل (١).
وذكره ابن أبي نجيح- عن مجاهد أيضًا فقال: هي القصبة التي في جوف القنديل (٢).
وهو: سعد بن عياض الثمالي - الأزدق - الكوفي - تابعي قليل الحديث. قال البخاري: خرج فمات بأرض الروم.
انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري" / ٦٢ - "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم / ٨٨ - ٨٩ "الطبقات" لابن سعد ٦/ ١٧٦ - " تهذيب التهذيب" لابن حجر ٣/ ٧٩".
وقوله رواه وكيع في "تفسيره" - كما في "المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب" ص"١" وقد وقع فيه: سعيد عن عياض. فتصحَّفت بن إلى: (عن -عن إسرائيل- عن أبي إسحاق- عن سعد بن عياض - به.
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنَّفه" ١٠/ ٧٠، عن وكيع - به.
ورواه البخاري في "صحيحه" كتاب: التفسير - سورة النور ٦/ ٨، معلقًا.
ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" ٤/ ٢٦٤ - و"الفتح" ٧/ ٨، من رواية ابن شاهين وأبي جعفر السراج في فوائده.
ورواه عن ابن عياض الطبري ١٨/ ١٣٩ دون قوله: بلسان الحبشة.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٠ وعزاه لابن أبي شيبة.
(١) رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره" ٧/ ب.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٩ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) رواه الطبري ١٨/ ١٠ - وابن أبي حاتم ٧/ ب من رواية ابن أبي نجيح- عنه. وعندهما: الصُّفر الذي في جوف القنديل. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٠ بمثل رواية الطبري ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.
قال الأزهري: شبّه الله سبحانه قصبة الزجاجة التي توضع فيها الفتيلة التي يستصبح (١) بها بكوّة غير نافذة ولذلك سمَّاه مشكاة (٢).
قوله ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ المصباح (٣): السّراج، في قول أهل اللغة (٤) والتفسير (٥).
قال الليث: وهو قُرطه (٦) الذي تراه في القنديل وغيره يضيء (٧).
قال مقاتل: هو السراج التام الضوء (٨).
قال أبو علي: قوله ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ صفة للمشكاة لأنها جملة فيها ذكر يعود إلى الموصوف (٩).
وقوله ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾ قال الفراء: اجتمع القراء على ضمّ
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٠١ (شكا) مع تقديم وتأخير.
(٣) في (أ): (الزجاجة)، وهو خطأ.
(٤) انظر: "صبح" في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٦، "الصحاح" للجوهري ١/ ٣٨٠، "لسان العرب" ٢/ ٥٠٦.
(٥) لأهل التفسير أقوالٌ في المصباح:
أحدها: ما ذكره المؤلف. الثاني: أنَّ المصباح: الفتيلة. الثالث: أنَّ المصباح: الضَّوء.
انظر: "النكت والعيون" للماوردي ٤/ ١٠٢، "زاد المسير" لابن الجوزي ٦/ ٤٠.
(٦) قُرطه: أي شُعلة النار. "القاموس المحيط" ٢/ ٣٧٨ (القرط).
(٧) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٦ (صبح) دون قوله: يضيء. وهو في "العين" ٣/ ١٢٦ (صبح) بمثل ما في "تهذيب اللغة".
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ ب.
(٩) "الحجَّة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٢. وانظر: "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٥٦، "الدر المصون" ٨/ ٤٠٥.
الزاي (١) وقد يقال: زجاجة وزجاجة (٢).
وروى أبو عبيد، عن الأموي (٣) قال: هو الزُّجاج والزَّجاج والزِّجاج للقوارير (٤). قال وأقلها الكسر (٥).
والمراد بالزجاجة هاهنا القنديل (٦).
قال أبو إسحاق: النور في الزّجاج. وضوء النار أبين منه في كل شيء، وضوؤه يزيد (٧) في الزجاج (٨).
ثم وصف الزجاجة فقال: ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ ودُريّ (٩) منسوب إلى أنَّه كالدُّر في صفائه وحسنه (١٠).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٢.
(٣) هو: عبد الله بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص، أبو محمد الأموي. أحد اللغويين الكوفيين. روى عنه أبو عبيد وغيره. لقي العلماء، ودخل البادية، وأخذ عن فصحاء الأعراب. وأخذ عنه العلماء. وكان ثقة في نقله، حافظًا للأخبار والشعر وأيام العرب.
"تهذيب اللغة" ١/ ١١ - ١٢، "إنباه الرواة" للقفطي ٢/ ١٢٠، "بغية الوعاة" ٢/ ٤٣.
(٤) في (أ): (القوارير).
(٥) رواية أبي عبيد عن الأموي في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٤٥٤ (زجّ).
(٦) هذا قول الليث كما في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٥٤ فقد ذكره بعد رواية أبي عبيد.
(٧) في (أ): (يضيء).
(٨) "معاني القرآن" للزَّجَّاج ٤/ ٤٣ - ٤٤.
(٩) ودري: ساقطة من (أ).
و"درِّي" بضم الدال وتشديد الراء المكسورة وتشديد الياء من غير همز، وهي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم.
"السبعة" ص ٤٥٥ - ٤٥٦، "التبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(١٠) من قوله: ثم وصف.. إلى هنا. هذا كلام الزَّجَّاج في "معانيه" ٤/ ٤٤.
قال أبو علي: ويجوز أن يكون فعيِّلًا من الدَّرء مخففة الهمزة انقلبت ياءً (١)، كما تنقلب في النسيء والنِّبي ونحوه إذا خفِّفت (٢) ياؤه (٣).
قال أبو إسحاق: يقال للكوكب: درأ يدرأ إذا تدافع منقضًا، فتضاعف ضوؤه، وهي النجوم الدَّراري التي تدرأ. أي: ينحطُّ ويسير متدافعًا (٤).
وقال الفراء: درأ الكوكب إذ انحطّ كأنه رُجم به الشيطان فيدفعه (٥)، والعرب تُسمّي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها: الدَّراري بغير همز (٦).
وهذا أيضًا على تخفيف الهمز؛ لأن الأصل الهمز من الدَّرء وهو الدفع. وذكرنا للدَّفع وجهين، أحدهما ذكره أبو إسحاق، والثاني ذكره الفراء.
وذكر أبو علي وجهًا ثالثًا فقال: المعنى أنَّ (٧) الخفاء اندفع عنه لتلألئه في ظهوره فلم يخف كما خفي نحو السُّها (٨) وما لا يُحصى (٩) من الكواكب (١٠).
(٢) في (ع): (خفف).
(٣) "الحجَّة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٣.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤ مع تقديم وتأخير.
(٥) عند الفراء: فيدمغه.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٢.
(٧) في (أ): (أنّ أنّ). مكررة.
(٨) السُّها: كوكب خفىّ في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم. "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٣٨٦.
(٩) هكذا في جميع النسخ. وفي "الحجة": وما لم يُضىء.
(١٠) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٣. =
[وقرأ أبو عمرو والكسائي: (درّيء) مكسورة الدال مهموزة (١)، وهو فعيِّل من الدَّرء الذي هو الدفع كما ذكرنا، ومثله السِّكِّير والفسيق. قال أبو عثمان (٢)، عن الأصمعي، عن أبي عمرو (٣) قال: مُذْ خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيًا يقول إلا كأنّه كوكب درِّي بكسر الدال، من درأت النجوم تدرأ، إذا اندفعت، وهذا فعيِّل منه (٤).
قال سيبويه: (درّي) بكسر الدال إذا كان مضيئًا فهو مشتق من درأ يدرأ إذا (٥) كان ضوؤه يدفع بعضه بعضًا من لمعانه (٦).
وقال ابن الأعرابي: درأ علينا فلان، أي: هجم. قال: والدِّرِّئ: الكوكب المنقض يدرأ على الشيطان (٧).
وقال خالد بن يزيد: درأ علينا فلان وطرأ إذا طلع فجأةً، ودرأ الكوكب دروءًا من ذلك (٨).
(١) انظر: "السبعة" ص ٤٥٦، "التَّبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٢) هو: أبو عثمان المازني.
(٣) هو: أبو عمرو بن العلاء. وفي (أ): (أبي عمر)، وهو خطأ.
(٤) من قوله: (وقرأ أبو عمرو.. إلى هنا). هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٣٢٣ مع اختلاف يسير.
(٥) (إذا): ساقطة من (أ).
(٦) لم أقف عليه.
(٧) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٥٨ (دري).
(٨) قول ابن يزيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٥٨ - ١٥٩ (دري).
وقال نُصير الرازي: دُرُوء الكوكب طلوعه، يقال: درأ علينا (١).
وهذا القول في الكوكب الدّرّي غير الأوّل.
وقال شمر: يقال: درأت النار إذا أضاءت (٢). وهذا قول ثالث.
وقرأ حمزة (دُرِّيء) بضم الدال مهموزًا (٣).
قال الفراء: ولا تُعرف [جهة] (٤) ضمّ أوله وهمزه؛ لأنَّه لا يكون في الكلام فعيل إلا عجميًا (٥).
وقال أبو إسحاق: لا يجوز أن يُضم الدال وُيهمز؛ لأنَّه ليس في الكلام فعيِّل، [والنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه في هذا؛ لأنَّه ليس في كلام العرب شيء على فعيِّل] (٦) (٧).
وحكى أبو بكر، عن أبي العباس (٨) أنَّه قال: غلط من قرأ (دُرِّيء)؛ لأنَّه بناه على فعيِّل، وليس في كلام العرب فعيِّل، غير أن سيبويه (٩) قال عن أبي الخطاب: وكوب دُريء، وهذه أضعف اللغات، قال: وهو في معنى (دُرّي) مأخوذ من الضوء والتلألؤ وليس بمنسوب إلى الدر.
قال أبو علي: وجه هذه القراءة معروف، وهو أنَّه (فُعيِّل) من الدرء
(٢) قول شمر في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٥٨ (دري).
(٣) وهي أيضًا قراءة عاصم في رواية أبي بكر. "السبعة" ص ٤٥٦، "التَّبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٤) زيادة من "معاني الفراء" يستقيم بها المعنى.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٢.
(٦) ساقط من (ظ).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤ مع تقديم وتأخير.
(٨) هو: المبرّد.
(٩) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٦٨.
الذي هو الدفع، وهو صفة، ونظيره من الأسماء غير الصفة قولهم: المرِّيق (١)، وقد حكاه سيبويه..
[قال سيبويه] (٢): ويكون الكلام على (فُعيِّل) وهو قليل في الكلام [قالوا] (٣): المريِّق، حدثنا أبو الخطاب عن العرب قالوا: كوكب دري وهو صفة (٤). هكذا قرأته (٥) على أبي بكر (٦) بالهمز. وقد صرَّح سيبويه بأنه فعيِّل، وأنه في الصفة مثل المرِّيق في الاسم. ويدلك أيضًا على أن (دُرّي) عنده (فعِّيل) ما قبله وما بعده في الكتاب من الفصول، فالذي قبله (فعَّيل) وهو (٧) [في] (٨) الاسم: السكين والبطِّيخ، والصفة: الفسِّيق (٩)، وبعده (فُعَّيْل) في الاسم: العليق والقبيط (١٠)، والصفة: الزُّميل والسكيَّت (١١) (١٢).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) زيادة من الإغفال والكتاب يستقيم المعنى بها.
(٤) "الكتاب" ٤/ ٢٦٨.
(٥) القارئ هو: أبو علي الفارسي.
(٦) هو: أبو بكر السراج.
(٧) في (أ): (فهو).
(٨) زيادة يستقيم بها المعنى.
(٩) انظر: الكتاب ٤/ ٢٦٨.
(١٠) العليق: نبات يتعلق بالشجر، ويلتوي عليه. "لسان العرب" ١٠/ ٢٦٥ (علق).
والقبيط: النَّاطف، وهو نوع من الحلوى يصنع من اللوز والجوز والفُستق.
انظر: "لسان العرب" ٧/ ٣٧٣ "قبط"، "المعجم الوسيط" ٢/ ٩٣٠ - ٩٣١.
(١١) في (ظ)، (ع): (السكيت) بدون واو.
والسكيت: هو الذي يجيء في آخر الحلبة آخر الخيل. "لسان العرب" ٢/ ٤٤ (سكت).
والزُّميل: الضعيف الجبان. "القاموس المحيط" ٣/ ٣٩٠.
(١٢) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٦٨.
فكما (١) أن ما (٢) بعد (٣) الياء في هذه الفصول لا مات، كذلك ما بعد الياء في (دري) لام، وقد ثبت الضم مع الهمز بحكاية سيبويه وإثبات أبي الحسن (٤) وغيره، وقول من زعم أن ذلك ليس في كلامهم مع ما حكيناه غلط، ومما يثبت ما حكيناه ويقويه قولهم: العُلِّيَّة (٥)، وهو فعيلة من [العلو إلَّا أن اللام انقلبت للياء الساكنة قبلها (٦)، ولا يجوز أن يكون فعيلة من] (٧) مضاعف (٨) العين واللام، لأن معنى العلو قائم فيه، فلا يحمل اللفظ إلى (٩) غير العلو مع وجود هذا المعنى فيه، وهذا قول الأخفش، ومثله: السرية (١٠) وهي فعيِّلة من السَّرو (١١)، ولأن صاحبها إذا أراد استيلادها لم يمتهنها ولم يبتذلها [كما يتبذل] (١٢) من لا يراد للاستيلاد ولا يكون فعيلة من السرِّ لأنَّ السرَّ لا يتجه فيها إلا أن يريد: [أنَّ] (١٣) المولى قد يسر بها
(٢) ما: ساقطة من (أ).
(٣) في (ع): (بعده).
(٤) هو الأخفش. انظر: "الإغفال" ل ١١٧ ب.
(٥) العُلية: الغرفة. "لسان العرب" ١٥/ ٨٦ (علا).
(٦) قال الجوهري في "الصحاح" ٦/ ٢٤٣٧: وأصله علِّيوة، فأبدلت الواو ياءً وأدغمت، لأن هذه الواو إذا سكِّن ما قبلها صحَّت،... ، وهو من علوت.
(٧) ساقط من (ظ).
(٨) في (ظ)، (ع): (تضاعف)، والمثبت من (أ) هو الموافق لما في "الإغفال".
(٩) في (ع): (على).
(١٠) السرِّية: هي الجارية المتَّخذة للملك والجماع. "لسان العرب" ٤/ ٣٥٨ (سرر).
(١١) السَّرو: الشرف والمروءة. "لسان العرب" ٤/ ٣٧٧ (سرا).
(١٢) ساقط من (ظ)، (ع).
(١٣) زيادة من الحجة يستقيم بها المعنى.
عن حرِّية (١). ويجوز إن أخذتها من السرور لأن صاحبها يُسر بها (٢) أمران:
أحدهما: أن يكون فعلية (٣) من السرور. والآخر: أن تكون فعيلة (٤) فأبدل من لام فعيلة للتضعيف حرف الليل وأدغم (٥) ياء فعيلة فيها فصارت سرِّية (٦).
قال: ولا يكون فعيِّلة (٧) من السراة لأن السراة: الظهر، وهي لا تؤتى من ذلك المأتى، ومن رأى ذلك جاز عنده أن يكون فعيِّلة من السراة.
هذا الذي حكينا كلامه ذكر بعضه في كتاب "إصلاح الإغفال" (٨) وبعضه في "الحجة" (٩) في وجه تصحيح قراءة حمزة. والقدماء من النحويين
قال ابن منظور في "لسان العرب" ٤/ ١٨٢ (حرر): وحرية العرب: أشرافهم..
ويقال: هو من حرية قومه، أي: من خالصهم. اهـ.
ووقع من المطبوع من "الحجة": عمَّن حدَّثه. وهو تصحيف.
وقد تكون الكلمة: حرته. فتصحفت في النسختين، ففي "لسان العرب" ٤/ ٣٥٨ (سرر)، و"تاج العروس" للزبيدي ١٢/ ١٣ (سرر): والسرِّية: الأمة التي بوأتها بيتًا، وهي فعلية منسوبة إلى السِّر، وهو الجماع والإخفاء، لأن الإنسان كثيرًا ما يسرها ويسترها عن حرّته.
(٢) في "الحجة": لأنَّ صاحبها يسر بها من حيث كانت نفسًا عن الحرة.
(٣) في (ظ): (فعيلة)، وهو خطأ.
(٤) في (أ): (فعلية)، وهو خطأ. وهكذا وقع أيضًا في المطبوع من الحجة.
(٥) في (أ): (وأدغمها).
(٦) يعني أنَّها فعيلة -أي: سريرة- من السرور، فأبدل لام فعيلة -وهو الراء- للتضعيف حرف الياء فأبحت: سربية. وأدغم هذه الياء في ياء فعيلة، فأبحت: سرِّية.
(٧) في (أ): (فعيلة).
(٨) "الإغفال" ٢/ ١١٤٢ - ١١٤٩.
(٩) انظر: "الحجة" ٥/ ٣٢٣ - ٣٢٤.
على إنكارها، ويقولون في المريق: إنَّه أعجمي ذكر ذلك أبو العباس المبرد وغيره. والله أعلم.
وذكر أبو عبيد لهذه القراءة وجهاً آخر فقال: كان في الأصل دروء على فعول ثم استثقلت الضمات المجتمعة فرد بعضها إلى الكسر فقيل: درِّئ، وقد وجدنا العرب تفعل هذا في فعول وهو أخف من الأول، كقراءة من قرأ: (عِتيا) [مريم: ٨] بالكسر، فإذا كان التحريك ممكنًا في المثال الأخف فهو في الثقيل أحرى وأمكن (١).
وحكى أبو إسحاق في هذا الحرف قراءة شاذة وهي (درّي) بالفتح من غير همز (٢).
قال أبو علي: ولا يكون ذلك إلا على تغيير النسب، ألا ترى أنه ليس في الكلام شيء على فعيل إلا ما حكاه أبو زيد أن بعضهم قال: عليكم بالسَّكِّينة في السَّكِينة، وذلك نادر فإذا كان كذلك علمت أنه مثل قولهم في الإضافة إلى أمية: أموي (٣).
قوله (يُوقَدُ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (٤) بالتاء مفتوحة ونصب
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤.
وقد نسبت هذه القراءة إلى: سعيد بن المسيب، ونصر بن عاصم، وأبي رجاء العطاردي، وقتادة، وزيد بن علي، والضحاك.
انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٣٦، "المحتسب" لابن جني ٢/ ١١٠، "البحر المحيط" ٦/ ٤٥٦.
(٣) "الإغفال" ٢/ ١١٤٧.
(٤) في (أ): (وابن عمرو)، وهو خطأ.
الدال (١)، على أن فاعل (تَوقَّد) المصباحُ، وهذه القراءة هي البيّنة لأنَّ المصباح هو الذي يتوقد. قال امرؤ القيس:
سَمَوت إليها والنُّجوم كأنَّها | مصابيح رهبان تُشبُّ لقفَّال (٢) |
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٣١ وروايته فيه:
نظرت إليها والنجوم كأنها.
وفي "الحجة" ٥/ ٣٢٤ بمثل رواية الواحدي.
وفي "العمدة" لابن رشيق ٢/ ٤٥، و"خزانة الأدب" ١/ ٦٨ بمثل رواية الديوان. وقبل هذا البيت:
تنوَّرتُها من أذرعات وأهلها | بيثرب أدنى دارها نظرٌ عالِ |
ونقل البغدادي في "خزانة الأدب" ١/ ٦٩ عن بعضهم قوله: ومن التشبيه الصادق هذا البيت، فإنَّه شبَّه النجوم بمصابيح رهبان لفرط ضيائها، وتعهد الرهبان لمصابيحهم وقيامهم عليها لتزهر إلى الصبح، فكذلك النجوم زاهرة طول الليل وتتضاءل إلى الصبح كتضاؤل المصابيح له.
وقال: "تشب لقفال" لأن أحياء العرب بالبادية إذا قفلت إلى مواضعها التي تأوي إليه من مصيف إلى مشتى إلى مربع، أوقدت لها نيران على قدر كثرة منازلها وقلتها؛ ليهتدوا بها، فشبَّه النجوم ومواقعها في السماء بتفرق تلك النيران واجتماعها من مكان بعد مكان، على حسب منازل القفال بالنيران الموقدة لهم. اهـ.
وقرئ (يُوقد) بضم الياء وبالدال (١)، أي: المصباح. وهذه القراءة كالأولى في المعنى.
وقرئ (تُوقدُ) (٢) أي الزجاجة. والمعنى على مصباح الزجاجة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (٣).
وقرئ (توقَّدُ) بفتح التاء (٤) وتشديد القاف وضم الدال (٥).
وهذا أيضًا على حمل الكلام على الزجاجة والمعنى (تتوقَّد) فحذف التَّاء الثانية (٦).
وقوله تعالى ﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ قال أبو علي: أي من زيت شجرة، فحذف المضاف، يدلّك (٧) على ذلك قوله ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾ (٨).
روى أبو أسيد (٩)، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كلوا الزَّيت (١٠)
"السبعة" ص ٤٥٦، "التبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٢) بضم التاء والدال والتخفيف. وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم. "السبعة" ص ٤٥٦، "التبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٣) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٥.
(٤) في (أ): (الياء)، وهو خطأ. ومهملة في (ظ).
(٥) وهي قراءة مجاهد، والحسن، والسُّلمي، وابن محيصن، وجماعة، ورواية المفضل عن عاصم. "الشواذ" لابن خالويه ص ١٠٢، "البحر المحيط" ٦/ ٤٥٦، "الدر المصون" ٨/ ٤٠٧، "إتحاف فضلاء البشر" ٢/ ٢٩٨.
(٦) "الحجة" الفارسي ٥/ ٣٢٥.
(٧) في (ظ): (ويدلك).
(٨) "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٢٤.
(٩) هو: أبو أسيد -بفتح الهمزة- بن ثابت، الأنصاري، الزُّرقي، المدني. قيل: اسمه عبد الله، وكان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
"الكنى" لدولابي ١/ ١٥، "الاستغناء" لابن عبد البر ١/ ٩٢، "الاستيعاب" ٣/ ٨٧٥، "أسد الغابة" ٣/ ١٨٩، "الإصابة" ٤/ ٨.
(١٠) في (ظ)، (ع): (بالزيت).
وادَّهنُوا (١) به؛ فإنَّه من شجرة مباركة" (٢).
وروى عبد الله بن جراد (٣) أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم بارك في الزيت والزيتون، اللهم بارك في الزيت والزيتون" (٤).
(٢) رواه الإمام أحمد ٣/ ٤٩٧، والدارمي ٢/ ١٠٢، والترمذي في الأطعمة- باب: ما جاء في أكل الزيت ٥/ ٥٨٥ والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٧ - ٣٩٨ والبغوي في "شرح السنة" ١١/ ٣١١ - ٣١٢ وفي "تفسيره" ٦/ ٤٧.
وتصحَّف في المطبوع من "التفسير" إلى: أسد بن ثابت وأبي أسلم الأنصاري. وصوابه: أسيد بن ثابت أو أبي أسيد الأنصاري كلهم من طريق سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن عطاء رجل كان بالشام وليس بابن أبي رباح، عن أبي أسيد، به.
وعطاء هذا قال عنه الذهبي في "الميزان" ٣/ ٧٧: ليَّن البخاري حديثه، لا يدري من هو.
لكن ذكر الألباني في "الصحيحة" (١/ ح ٣٧٩) لهذا الحديث شواهد من حديث عمر وأبي هريرة وابن عباس -رضي الله عنه-، ثم قال (١/ ق ٤ ص ١١٢): وجملة القول أنَّ الحديث بمجموع طريقي عمر وطريق أبي أسيد -وتصحف في المطبوع إلى:- سعيد- يرتقي إلى درجة الحسن لغيره على أقل الأحوال. والله أعلم.
(٣) في (أ): (جواد)، وهو خطأ.
وهو: عبد الله بن جراد بن المنتفق بن عامر بن عقل العامري، العقيلي. له صحبة، من أهل الطائف. روى عنه يعلى الأشدق وغيره.
"التاريخ الكبير" للبخاري ٥/ ٣٥، "الاستيعاب" ٣/ ٨٨٠، "أسد الغابة" ٣/ ١٣٢، "الإصابة" ٢/ ٢٧٩.
(٤) رواه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٨٤ أمن طريق يعلى الأشدق، عن عمه عبد الله بن جراد به.
وفي سنده يعلى الأشدق قال عنه البخاري: لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم. =
ومن البركة في الزيت والزيتون (١) ما ذكره عطاء، عن ابن عباس قال: فيها أنواع من المنافع، فالزيت يُسرج به، وهو إدام، وهو دهان، وهو دباغ، وهو وقيد (٢) يوقد بحطبه وثفله (٣)، وليس منه شيء إلا وفيه (٤) منافع حتى الرَّماد يُغسل به الإبريسم (٥).
ومن بركتها أنها أول شجرة نبتت بعد الطوفان، وهي تنبت في منازل الأنبياء والمرسلين والأرض المقدسة، ودعا لها سبعون نبيًا بالبركة منهم إبراهيم الخليل (٦) - عليه السلام - (٧) ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا.
وذكر الزجاج من بركتها أنَّ أغصانها تكون مورقة من أسفلها إلى أعلاها، وليس في الشجر شيء يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمّان (٨).
(١) في (ع): (الزيتونة).
(٢) في (ع): (وقود)، وهما لغتان. انظر: "القاموس المحيط" ١/ ٣٤٦ (الوّقد).
(٣) في (أ): وتفله. ومهملة في (ظ).
والثُّفل: ما سفل من كل شيء. "لسان العرب" ١١/ ٨٤ (ثفل).
(٤) في (ظ)، (ع): (وفيها).
(٥) ذكره عن ابن عباس: القُرطبيُّ ١٢/ ٢٥٨، وذكره ابن الجوزي ٦/ ٤٣ من غير نسبة.
(٦) (الخليل): زيادة من (ع).
(٧) من قوله: ومن بركتها. إلى هنا، ذكره الثعلبي ٣/ ٨٤ أوصدَّره بقوله: قيل. وما ذُكر يحتاج إلى دليل. والله أعلم.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٥.
وكذلك قال أبو طالب في بعض القرشيين (١) وقد مات بغزَّة (٢) يرثيه:
بُورك الميت الغريب كما بورك | نضر (٣) الرمان والزيتون (٤) |
ليت شعري مسافر بن أبي | عمرو وليت يقولها المحزون |
(٢) في (أ)، (ظ): (لعده) مهملة.
وغزَّة: موضع معروف من مشارف الشام، انظر: "معجم البلدان" لياقوت ٦/ ٢٨٩ - ٢٩٠ و"معجم ما استعجم" للبكري ٢/ ٩٩٧.
ومسافر بن عمرو لم يمت بغزَّة، وإنَّما مات بهبالة أو تباله، قال أبو طاب في تلك القصيدة:
ميت صدق على هبالة أمسيت | ومن دون ملتقاك الحجون |
ميت صدق على تبالة
وهبالة: ماء لبني عقيل- وقيل لبني نمير.. وقد ذكره ياقوت في "معجم البلدان" ٨/ ٤٤٢ وذكر فيه شعر أبي طالب. وانظر: "معجم ما استعجم" ٢/ ١٣٤٤.
وتبالة: موضع بقرب الطائف. "معجم ما استعجم" للبكري ١/ ٣٠١.
أما الذي مات بغزَّة من القرشيين فهو هاشم بن عبد مناف كما ذكر ذلك ياقوت ٦/ ٢٩٠، والبكري في "معجم ما استعجم" ٢/ ٩٩٧.
(٣) في (أ): (نضر)، أهمل أوله وفي (ع): (نضو)، وفي (ظ): (نصو) مهملة.
(٤) البيت لأبي طالب وهو منسوب له في: كتاب "النَّبات" للأصمعي ص ٢٦ حيث قال: ويقال: نَضَح الشَّجر ينضح نضحًا، إذا تفطَّر للتوريق، قال أبو طالب بن عبد المطلب:
بورك الميت الغريب كما بورك | نضحُ الرمان والزيتون. |
ولا يحتاج دهنه إلى عصّار يستخرجه (١) (٢). وهذه كلها من بركات هذه الشجرة.
وقوله ﴿زَيْتُونَةٍ﴾ بدل من قوله ﴿شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ (٣).
وخص الزيتونة من بين سائر الأشجار؛ لأن دهنها أضوى وأصفي (٤).
و"الأغاني" للأصفهاني ٦/ ٥١ وعنده:
بورك.... نضر الريحان والزيتون
و"المحرر الوجيز" لابن عطية ١٠/ ٥١١، والقرطبي ١٢/ ٢٥٨ وعندهما (نبع) في موضع (نضح).
و"البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٤٥٧ وعنده: "نَضْر" بمثل رواية الواحدي.
و"خزانة الأدب" للبغدادي ١٠/ ٤٦٣، ٤٦٧ وذكر رواية الديوان ورواية صاحب الأغاني، لكن رواية صاحب الأغاني عنده:.. كما بورك غُصنُ الريحان والزيتون. والبيت غير منسوب في "معاني القرآن" للزَّجَّاج ٤/ ٤٥ وفي المطبوع:.. كما بورك نظم.. ، و"أحكام القرآن" لابن العربي ٣/ ١٣٨٨ وعنده: (نضر).
أما معنى البيت فقد قال البغدادي في "الخزانة" ١٠/ ٤٧٠: "بورك الميت" إلخ جملة دعائية، والبركة: الزيادة، والنضح -بفتح النون وسكون الضّاد المعجمة بعدها حاء مهملة-: القليل.. نضح الشجر إذا تفطَّر، وأراد به اسم المفعول أي الفروع المنشقة عند ما يخرج. والزيتون معطوف على نضح.
(١) في (ع): (يخرجه أو يستخرجه).
(٢) هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٤ أ.
(٣) ذكرأبو حيّان ٦/ ٤٥٨ هذا القول، ثم قال. وجوَّز بعضهم أن يكون عطف بيان، ولا يجوز على مذهب البصريين، لأن عطف البيان عندهم لا يكون إلا في المعارف، وأجاز الكوفيون وتبعهم الفارسي أنه يكون في النكرات.
وذكر السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٤٠٨ القولين، وذكر أن القول بالبدلية هو أشهرهما.
(٤) هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٤ أ.
قوله ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال ابن عباس في رواية عكرمة: هي شجرة بالصحراء (١)، لا يظلها شجر ولا جبل ولا كهف، ولا يواريها شيء، وهو أجود لزيتها (٢).
وقال السدي: يقول: ليست بشرقيّة يحوزها المشرق دون المغرب، وليست (٣) بغربيّة يحوزها المغرب دون المشرق، ولكنّها على رأس جبل في صحراء تصيبها الشمس النهار كله (٤).
وقال الكلبي: هي بفلاة (٥) على تلعة (٦) من الأرض لا يصيبها ظل غرب ولا شرق، ولا يسترها من المشرق ولا من المغرب شيء، وهو أصفى الزيت (٧).
وقال قتادة: هي شجرة لا يفي عليها ظل شرق ولا غرب (٨)، ضاحية
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ٧٤٧ ب، ٤٨ أمن رواية عكرمة عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ وزاد نسبته للفريابي وذكره البغوي ٦/ ٤٧، وابن الجوزي ٦/ ٤٣ من رواية عكرمة، عنه.
(٣) في (ع): (ولا).
(٤) رواه عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٨ أ. وذكره عنه ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٢٩١.
(٥) فلاة: الصحراء الواسعة أو المستوية التي ليس فيها شيء. "لسان العرب" ١٥/ ١٦٤ (فلا).
(٦) التَّلعة: ما ارتفع من الأرض. "القاموس المحيط" ٣/ ١٠.
(٧) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٠ عن الكلبي من قوله: ولا يسترها.
(٨) في (أ) زيادة: (ويسترها من المشارق) بعد قوله: (ولا غرب)، وهو انتقال نظر من الناسخ إلى السطر الذي قبله.
للشمس (١). وزيتها أصفى الزيت (٢).
ونحو هذا قال عكرمة (٣)، ومجاهد (٤)، وجويبر عن الضحاك (٥)، وأكثر المفسرين (٦). واختاره الفراء، والزجاج (٧).
قال الفراء: الشَّرقية التي تأخذها الشمس إذا شرقت ولا تصبها [إذا غربت؛ لأن لها سترًا (٨). والغربية التي تصيبها الشمس بالعشي (٩) ولا تصيبها] (١٠) بالغداة، فلذلك قال ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ﴾ وحدها ﴿وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ وحدها ولكنها شرقية غربية، وهو (١١) كما تقول في الكلام: فلان لا مُسافر ولا مُقيم، إذا كان يسافر ويقيم، والمعنى أنه ليس بمنفرد بإقامة ولا سفر (١٢).
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٠. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٠ وعزاه أيضًا لعبد بن حميد والطبري. ولم أره في الطبري.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٤ أ، ورواه عنه سعيد بن منصور في "سننه" ١٦٠ أ، والطبري ١٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٨ أ.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ من رواية عبد بن حميد عنه.
(٤) رواه الطبري ١٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٨.
(٥) قال السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ - بعد أن ذكر هذا القول عن ابن عباس-: (وروى عبد بن حميد عن عكرمة، والضحَّاك مثله).
(٦) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٤٢، ابن أبي حاتم ٧/ ٤٧ ب، ٤٨ أ، ب، ابن كثير ٣/ ٢٩٠ - ٢٩١، "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٢٠٠ - ٢٠١.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزَّجَّاج ٤/ ٤٥.
(٨) في (أ): (يسترا).
(٩) (بالعشي): ساقطة من (ع).
(١٠) ساقط من (ظ).
(١١) في (أ): (وهذا).
(١٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٣.
ونحو هذا قال أحمد بن يحيى (١)، فقال: يقول: هي شرقية غربية، كما تقول: ليس هذا بأبيض ولا أسود، إذا كان له من كلا الأمرين قسط ونصيب.
قال الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم | ولم يكثر (٢) القتلى (٣) بها حين سلَّت (٤) |
وقال الزجاج: أي تصيبها الشمس بالغداة والعشي فهو أنضر لها وأجود لزيتها وزيتونها (٥).
وفسر قوله ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ بضد التفسير الذي ذكرنا:
(٢) في (ظ)، (ع): (يكثروا).
(٣) في (ظ)، (ع). (القتل).
(٤) البيت في "المعاني الكبير" لابن قتيبة ٢/ ٨٩٩ - ٩٠٠، ١٠٨١، و"الكامل" للمبرد ١/ ٣٠٨، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٥٩ و"لسان العرب" ١٢/ ٣٣٠ (شيم).
قال ابن قتيبة ٢/ ٩٠٠: أراد لا يشيمون سيوفهم ولم يكثر القتلى بها، ولكنهم يشيمونها إذا أكثروا بها القتلى.
وقال ٢/ ١٠٨١: يقول: لم يغمدوا سيوفهم والقتلى لم تكثر حين سلت، ولكن أغمدوها حين كثرت القتلى.
وقال المبرّد في "الكامل" ١/ ٣٠٨: وهذا البيت طريف عند أصحاب المعاني، وتأويله: (لم يشيموا): لم يغمدوا، (ولم تكثر القتلى) أي لم يغمدوا سيوفهم إلاَّ وقد كثرت القتلى بها حين سلت.
وقال ابن الأنباري ص ٢٩٥: أراد: لم يغمدوا سيوفهم حتى كثرت القتلى.
(٥) "معاني القرآن" للزجاح ٤/ ٤٥.
قال أبو مالك في قوله ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾: هي شجرة بين (١) الأشجار، لا تصيبها الشمس في شرق ولا غرب (٢).
وهذا قول أبي روق، والضحاك (٣)، وسعيد بن جبير (٤)، قالوا: لا تصيبها الشمس لا شرقًا ولا غربًا.
قال سعيد: وذاك أجود ما يكون من الزيت (٥).
وهذا القول يروى عن أبيّ بن كعب رحمه الله قال: هي شجرة التفَّ بها الشجر (٦) فهي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت (٧).
وروى الربيع بن أنس (٨)، عن أبي العالية قال: ليس هذا في الدنيا
(٢) قال السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ - بعد أن ذكر عن ابن جبير نحو هذا القول: وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك وكعب نحوه.
(٣) جاء عن الضحاك خلاف هذا القول، فقد ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١. بعد ذكره لقول ابن عباس: شجرة لا يظلها كهفٌ ولا جبل ولا يواريها شيء، وهو أجود لزيتها، قال: وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة والضحاك.. مثله.
(٤) رواه سعيد بن منصور في "سننه" (ل ١٦٠ أ)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٧ ب. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٥) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٨ بمثله. ورواه سعيد بن منصور في "سننه" (ل ١٦٠ أ) بلفظ: وهي من أجود الشَّجر.
(٦) في (ظ)، (ع): (الشجرة).
(٧) رواه الطبري ١٨/ ١٣٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٧ ب، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٨) في (ظ): (عن أنس)، وهو خطأ.
إنما هو مثل ضرب (١).
ونحو هذا قال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، ولو كانت في الأرض لكانت شرقية أو غربية، وإنَّما هو مثل ضربه الله -عز وجل- (٢).
وقال ابن زيد: يعني أنها شامية؛ لأنَّ الشَّام لا شرقي ولا غربي (٣).
والقول هو الأول.
قوله: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا﴾ زيت الزيتونة يعني: الدهن ﴿يُضِيءُ﴾ المكان من ضيائه وصفائه (٤).
﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ ولو لم تصبه النار.
واختلفوا في المراد بهذا المثل.
فروي عن أبي بن كعب أنه قال: هذا مثل لعبد قد جُعل الإيمان والقرآن في صدره، فالمشكاة: قلبه، والمصباح: هو الإيمان والقرآن، والزجاجة: صدره (٥).
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٤ أبهذا اللفظ. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٠، والطبري ١٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٨ ب بنحوه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
قال الثعلبي ٣/ ٤٨ أ: وقد أفصح القرآن بأنَّها من شجر الدنيا، لأنَّه أبدل من الشجرة فقال: "زيتونة".
وضعَّف هذا القول الرازي في "تفسيره" ٢٣/ ٢٣٦، وردَّه الشنقيطي كما في "تفسير سورة النور" ص ١٣٨.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٨ ب بنحوه مختصرًا.
(٤) الثعلبي ٣/ ٨٤ ب.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٥ أوعنده: المشكاة: نفسه. =
وهذا قول الكلبي، والسدي، وقتادة (١) والحسن، وابن زيد (٢)، وقول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير (٣).
قال ابن عباس في قوله ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾: يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورًا على نور، كقول إبراهيم -عليه السلام- قبل أن تجيئه المعرفة ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦] من غير أن أخبره (٤) أحدٌ أن له ربًّا (٥)، فلما أخبره الله أنَّه ربه ازداد هدى على هدى (٦).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ بمثل رواية الطبري وابن أبي حاتم، وعزاه لهما وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم.
(١) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٩ ب عن السدي وقتادة بمعناه مختصرًا.
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٨٥ أعن الحسن وابن زيد: بنحوه.
ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٥ أعن الحسن بنحوه.
ورواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٣٩، عن ابن زيد، بنحوه.
(٣) روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٥ أمن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (مثل نوره): مثل نور من آمن بالله.
(٤) عند الطبري: يخبره.
(٥) ذكر ابن كثير ٢/ ١٥١ اختلاف المفسرين في قوله إبراهيم ﴿هَذَا رَبِّي﴾ هل هو مقام نظر أو مناظرة، ثم قال: والحق أنَّ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كان في المقام مناظرًا لقومه، مبينًا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام.
ثم بيَّن ذلك وساق الأدلة على هذا الأمر.
(٦) رواه الطبري ١٨/ ١٣٨.
وذكره مختصرًا السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧، ونسبه للطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في "الأسماء والصفات".
قوله تعالى: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ قال مجاهد: النار على الزيت (١).
وقال الكلبي: المصباح نور، والقنديل نور (٢).
قال ابن عباس: وهو مثل لإيمان المؤمن وعمله (٣).
وقال الحسن: يعني أن القرآن نور من الله لخلقه مع ما قد (٤) قام لهم الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن (٥).
وقال أُبي بن كعب: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ يعني أن المؤمن يتقلَّب في خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة (٦).
وقال السدي: نور الإيمان ونور القرآن (٧).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ يعني محمدًا -صلى الله عليه وسلم- (٨).
قال أبو إسحاق: وذلك جائز أن يراد بالنور في قوله ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ محمد
(٢) ذكره عن ابن الجوزي ٦/ ٤٣ لكن فيه الزجاجة بدلاً من القنديل.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٣٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٩ أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٨ ونسبه أيضًا لابن مردويه.
(٤) (قد): ساقطة من (أ).
(٥) ذكره عنه البغوي ٦/ ٤٩، وذكر الثعلبي ٣/ ٨٥ أهذا القول بنصِّه ولم ينسبه لأحد.
(٦) رواه الطبري ١٨/ ١٣٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٩، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم.
(٧) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٩ ب، وذكره عنه البغوي ٦/ ٤٩، وابن كثير ٣/ ٢٩١.
(٨) هذا مروي عن سعيد بن جبير والضحاك وكعب. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ٧/ ٤٥ أ، البغوي ٦/ ٤٥.
-صلى الله عليه وسلم- لأنَّه هو المرشد والمبيّن والناقل عن الله -عز وجل- على ما هو نيّر بيّن (١).
والمشكاة: قلبه، والمصباح: مثل لما في قلبه من الإيمان والنّور (٢) والنبوة والحكمة، والزجاج: مثل لصدره في الصفاء والحسن والنقاء، ثم قال: ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ يقول: استنار نور محمد -صلى الله عليه وسلم- من نور إبراهيم - عليه السلام -؛ لأنَّه من ولده وعلى دينه ومنهاجه وسنّته، ويعني بالزيتونة حسن طاعة إبراهيم لله تعالى في دار الدنيا، ثم قال في صفة الزيتونة ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ يقول: إن إبراهيم -عليه السلام- لم يكن يصلي (٣) قبل المشرق ولا قبل المغرب أي: لم يكن يصلي قبلة اليهود ولا قبلة النصارى (٤) وقوله ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾ يقول: لو أنَّ إبراهيم لم يكن نبيًا لأعطاه الله بحسن (٥) طاعته لله في الدنيا الثواب مع الأنبياء، ثم قال: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ يقول: استنار نور محمد -صلى الله عليه وسلم- من نور إبراهيم. وهذا كلام ابن عباس في رواية عطاء (٦).
ونحو هذا روي عن ابن عمر (٧) وكعب الأحبار (٨) في هذه الآية.
(٢) (والنّور): ساقطة من (ع).
(٣) في (أ): (يصل).
(٤) في (ظ): (لليهود، للنّصارى).
(٥) في (ظ): (لحسن).
(٦) لم أجده.
(٧) رواه الطبراني في "الكبير" ١٢/ ٣١٧، وفي، "الأوسط" ٢/ ٥٠١ - ٥٠٢، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" ٧/ ٢٥٥٦، والثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٤ ب كلهم من طريق الوازع بن نافع، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، فذكر نحوه.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٣: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وفيه الوازع بن نافع وهو متروك.
(٨) رواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٣٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" مفرقًا ٧/ ٤٦ أ =
قال القرظي: المشكاة: إبراهيم، والزجاجة: إسماعيل، والمصباح: محمد -صلى الله عليه وسلم-، والشجرة المباركة: إبراهيم؛ لأن أكثر الأنبياء كانوا من صلبه، ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا. وقوله ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾ يقول: تكاد محاسن محمد -صلى الله عليه وسلم- تظهر للناس قبل أن يوحى (١) إليه ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ نبي مرسل من نسل نبي مرسل (٢).
وقال مقاتل: شبه عبد المطلب بالمشكاة، وعبد الله بالزجاجة، والنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالمصباح، فورث النبوة من أبيه إبراهيم -عليه السلام-، وهو قوله ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ (٣).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٨ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردوية.
وهذا الأثر منقطع؛ فإنَّ شمَّر بن عطية. لم يلق ابن عباس.
قال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٨٩ - بعد ذكره هذا القول-: وهذا كلّه عدول عن الظاهر، وليس يمتنع في التمثيل أن يتوسع المرء فيه، ولكن على الطريقة التي شرعناها في قانون التأويل لا على الاسترسال المطلق الذي يخرج الأمر عن بابه، ويُحمِّل على اللفظ ما لا يطيقه.
(١) في (ظ)، (ع): (أوحى).
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٤ ب، ٨٥ أ، والبغوي ٦/ ٤٨، والقرطبي ١٢/ ٢٦٣.
(٣) عند الثعلبي ٣/ ٨٥ أ: روى مقاتل، عن الضحاك: شبَّه عبد المطلب بالمشكاة.. بمثل ما ذكره الواحدي هنا. فالذي يظهر أن الواحدي نقله عن الثعلبي وأسقط الضحاك؛ لأن قول مقاتل في "تفسيره" والذي ينقل منه الواحدي عادة - يختلف عما هنا، فإن فيه ٢/ ٣٨ ب: يعني بالمشكاة صُلب عبد الله أبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويعني بالزجاجة جسد محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويعنى بالسِّراج الإيمان في جسد محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلما =