
أن يراها عريانة «١»، ومعنى تستأنسوا: تستأذنوا وهو مأخوذ من قولك: آنست للشيء إذا علمته، فالاستئناس: أن يستعلم هل يريد أهل الدار الدخول أم لا؟ وقيل هو مأخوذ من الأنس ضد الوحشة وقرأ ابن عباس حتى تستأذنوا، والاستئذان واجب، وأما السلام فلا ينتهي إلى الوجوب، واختلف أيهما يقدّم، فقيل يقدّم السلام ثم يستأذن فيقول: السلام عليكم، ثم يقول أأدخل، وقيل يقدم الاستئذان لتقديمه في الآية، وليس في الآية عدد الاستئذان، وجاء في الحديث أن يستأذن ثلاث مرات، وهو تفسير للآية
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ سبب هذه الآية أنه لما نزلت آية الاستئذان تعمق قوم فكانوا يأتون المواضع غير المسكونة فيسلمون ويستأذنون، فأباحت هذه الآية دخولها بغير استئذان، واختلف في البيوت غير المسكونة في هذه الآية، فقيل:
هي الفنادق التي في الطرق ولا يسكنها أحد، بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، والمتاع على هذا التمتع بالنزول فيها والمبيت وغير ذلك، وقيل: هي الخرب التي تدخل للبول والغائط، والمتاع على هذا حاجة الإنسان، وقيل: هي حوانيت القيسارية، والمتاع على هذا الثياب والبسط وشبهها، وهذا القول خطأ لأن الاستئذان في الحوانيت واجب بإجماع.
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ إعرابها كإعراب يقيموا الصلاة في [إبراهيم: ٣١] وقد ذكر ومن أبصارهم للتبعيض، والمراد غض البصر عما يحرم، والاقتصار به على ما يحل، وقيل: معنى التبعيض فيه أن النظرة الأولى لا حرج فيها، ويمنع ما بعدها، وأجاز الأخفش أن تكون من زائدة، وقيل: هي لابتداء الغاية، لأن البصر مفتاح القلب والغض المأمور به هو عن النظر إلى العورة، أو إلى ما لا يحل من النساء، أو إلى كتب الغير وشبه ذلك مما يستر، وحفظ الفروج المأمور به: هو عن الزنا، وقيل: أراد ستر العورة، والأظهر أن الجميع مراد
وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ تؤمر المرأة بغض بصرها عن عورة الرجل وعن عورة المرأة إجماعا، واختلف هل يجب عليها غض بصرها عن سائر جسد الرجل الأجنبي أم لا، وعن سائر جسد المرأة أم لا، فعلى القول بذلك تشتمل الآية عليه، والكلام في حفظ فروج النساء كحفظ فروج الرجال وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها نهى عن إظهار الزينة بالجملة ثم استثنى الظاهر منها، وهو ما لا بد من النظر إليه عند حركتها أو إصلاح شأنها وشبه ذلك، فقيل: إلا ما

ظهر منها يعني الثياب فعلى هذا يجب ستر جميع جسدها، وقيل: الثياب والوجه والكفان، وهذا مذهب مالك لأنه أباح كشف وجهها وكفيها في الصلاة، وزاد أبو حنيفة القدمين وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ الجيوب هي التي يقول لها العامة أطواق، وسببها أن النساء كن في ذلك الزمان يلبسن ثيابا واسعات الجيوب، يظهر منها صدورهن، وكن إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة، سدلنها من وراء الظهر، فيبقى الصدر والعنق والأذنان لا ستر عليها، فأمرهن الله بلي الأخمرة [جمع خمار] على الجيوب ليستر جميع ذلك وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ الآية: المراد بالزينة هنا الباطنة، فلما ذكر في الآية قبلها ما أباح أن يراه غير ذوي المحرم من الزينة الظاهرة، وذكر في هذه ما أباح أن يراه الزوج وذوي المحارم من الزينة الباطنة، وبدأ بالبعولة وهم الأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا، ثم ثنّى بذوي المحارم وسوّى بينهم في إبداء الزينة، ولكن مراتبهم تختلف بحسب القرب، والمراد بالآباء كل من له ولادة من والد وجدّ، وبالأبناء كل من عليه ولادة من ولد وولد ولد، ولم يذكر في هذه الآية من ذوي المحارم: العم والخال ومذهب جمهور العلماء جواز رؤيتهما للمرأة، لأنهما من ذوي المحارم، وكره ذلك قوم، وقال الشافعي: إنما لم يذكر العم والخال لئلا يصفا زينة المرأة لأولادهما أَوْ نِسائِهِنَّ يعني جميع المؤمنات، فكأنه قال أو صنفهن ويخرج عن ذلك نساء الكفار أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ يدخل في ذلك الإماء المسلمات والكتابيات، وأما العبيد: ففيهم ثلاثة أقوال: منع رؤيتهم لسيدتهم وهو قول الشافعي، والجواز: وهو قول ابن عباس وعائشة، والجواز بشرط أن يكون العبد وغدا وهو مذهب مالك، وإنما أخذ جوازه من قوله «أو التابعين غير أولى الإربة» واختلف هل يجوز أن يراها عبد زوجها وعبد الأجنبيّ أم لا؟ على قولين أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ شرط في رؤية غير ذوي المحارم شرطين: أحدهما أن يكونا تابعين، ومعناه أن يتبع لشيء يعطاه كالوكيل والمتصرف، ولذلك قال بعضهم هو الذي يتبعك وهمته بطنه، والآخر: أن لا يكون لهم إربة في النساء كالخصي والمخنث والشيخ الهرم والأحمق، فلا يجوز رؤيتهم للنساء إلا باجتماع الشرطين، وقيل بأحدهما، ومعنى الإربة الحاجة إلى الوطء أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ أراد بالطفل الجنس، ولذلك وصفه بالجمع، ويقال: طفل ما لم يراهق الحلم، ويظهروا معناه يطلعون بالوطء على عورات النساء، فمعناه الذين لم يطئوا النساء، وقيل: الذين لا يدرون ما عورات النساء وهذا أحسن وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ روي أن امرأة كان لها خلخالان، فكانت تضرب بهما ليسمعهما الرجال، فنهى الله عزّ وجل عن ذلك،
صفحة رقم 67