آيات من القرآن الكريم

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

لِوَضْعِ مَتَاعِهِ بدَلَالَةِ لَحْنِ الْخَطَابِ.
وَكَذَلِكَ يَشْمَلُ دُخُولَ الْمُسَافِرِ وَإِنْ كَانَ لَا مَتَاعَ لَهُ لِقَصْدِ التَّظَلُّلِ أَوِ الْمَبِيتِ بِدَلَالَةِ لَحْنِ الْخِطَابِ أَوْ الْقِيَاسِ.
وَقَدْ فُسِّرَ الْمَتَاعُ بِالْمَصْدَرِ، أَيِ التَّمَتُّعُ وَالِانْتِفَاعُ. قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: كُلُّ مَنَافِعِ الدُّنْيَا مَتَاعٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: هَذَا شَرْحٌ حَسَنٌ مِنْ قَوْلِ إِمَامٍ مِنْ أَيِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي «الْكَشَّافِ». وَنَوَّهَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَيَكُونُ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ مَنْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي دُخُولِهَا لَا يُؤْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِهَا لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَى أَصْحَابِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى بِقَاعِهَا.
وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ تَجَاوُزِ مَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ مِنَ الْقُيُودِ وَهِيَ كَوْنُ الْبُيُوتِ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ وَكَون الدَّاخِل مُحْتَاجا إِلَى دُخُولِهَا بَلْهَ أَنْ يَدْخُلَهَا بِقَصْدِ التَّجَسُّسِ عَلَى قُطَّانِهَا أَوْ بِقَصْدِ أَذَاهُمْ أَوْ سَرقَة مَتَاعهمْ.
[٣٠]
[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ٣٠]
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠)
أَعْقَبَ حُكْمَ الِاسْتِئْذَانِ بِبَيَانِ آدَابِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُجَالَسَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاخِلُ إِلَى الْبَيْتِ مُحَدِّقًا بَصَرَهُ إِلَى امْرَأَةٍ فِيهِ بَلْ إِذَا جَالَسَتْهُ الْمَرْأَةُ غَضَّ بَصَرَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْكَلَامِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا إِلَّا النَّظَرَ الَّذِي يَعْسُرُ صَرْفُهُ.
وَلَمَّا كَانَ الْغَضُّ التَّامُّ لَا يُمْكِنُ جِيءَ فِي الْآيَةِ بِحَرْفِ مِنْ الَّذِي هُوَ لِلتَّبْعِيضِ إِيمَاءٌ إِلَى ذَلِكَ إِذْ مِنَ الْمَفْهُومِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْغَضِّ فِيهِ هُوَ مَا لَا يَلِيقُ تَحْدِيقُ النَّظَرِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ يَتَذَكَّرُهُ الْمُسْلِمُ مِنِ اسْتِحْضَارِهِ أَحْكَامَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَيَعْلَمُ أَنَّ غَضَّ الْبَصَرِ مَرَاتِبٌ: مِنْهُ وَاجِبٌ وَمِنْهُ دُونُ ذَلِكَ، فَيَشْمَلُ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا اعْتَادَ النَّاسُ كَرَاهِيَةَ التَّحَقُّقِ فِيهِ كَالنَّظَرِ إِلَى خَبَايَا الْمَنَازِلِ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ
جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ

صفحة رقم 203

دَخَلَ مشربَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَرَفَعْتُ بَصَرِي إِلَى السَّقْفِ فَرَأَيْتُ أُهْبَةً مُعَلَّقَةً».
وَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَةُ»
. وَفِي هَذَا الْأَمْرِ بِالْغَضِّ أَدَبٌ شَرْعِيٌّ عَظِيمٌ فِي مُبَاعَدَةِ النَّفْسِ عَنِ التَّطَلُّعِ إِلَى مَا عَسَى أَنْ يُوقِعَهَا فِي الْحَرَامِ أَوْ مَا عَسَى أَنْ يُكَلِّفَهَا صَبْرًا شَدِيدًا عَلَيْهَا.
وَالْغَضُّ: صَرْفُ الْمَرْءِ بَصَرَهُ عَنِ التَّحْدِيقِ وَتَثْبِيتِ النَّظَرِ. وَيَكُونُ مِنَ الْحَيَاءِ كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ:

وَأَغُضُّ طَرَفِي حِينَ تَبْدُو جَارَتِي حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا
وَيَكُونُ مِنْ مَذَلَّةٍ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ وَمَادَّةُ الْغَضِّ تُفِيدُ مَعْنَى الْخَفْضِ وَالنَّقْصِ.
وَالْأَمْرُ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْغَضِّ مِنَ الْأَبْصَارِ لِأَنَّ النَّظَرَ رَائِدُ الزِّنَى. فَلَمَّا كَانَ ذَرِيعَةً لَهُ قَصَدَ الْمُتَذَرِّعِ إِلَيْهِ بِالْحِفْظِ تَنْبِيهًا عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي غَضِّ الْأَبْصَارِ فِي مَحَاسِنِ
النِّسَاءِ. فَالْمُرَادُ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ حِفْظُهَا مِنْ أَنْ تُبَاشِرَ غَيْرَ مَا أَبَاحَهُ الدِّينُ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ إِلَى الْمَذْكُورِ، أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مِنْ غَضِّ الْأَبْصَارِ وَحِفْظِ الْفُرُوجِ.
وَاسْمُ التَّفْضِيلِ بِقَوْلِهِ: أَزْكى مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ. وَالْمُرَادُ تَقْوِيَةُ تِلْكَ التَّزْكِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ جُنَّةٌ مِنِ ارْتِكَابِ ذُنُوبٍ عَظِيمَةٍ.
وَذُيِّلَ بِجُمْلَةِ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ جَزَاءِ مَا يَتَضَمَّنُهُ الْأَمْرُ مِنَ الْغَضِّ وَالْحِفْظِ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنَ الْأَمْرِ الِامْتِثَالُ

صفحة رقم 204
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية