آيات من القرآن الكريم

لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

فلما سرّي عن رسول الله وهو يضحك كان أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك.
قالت لي أمي: قومي اليه.
قلت: والله لا أقوم اليه ولا أحمد إلا الله الذي أنزل براءتي.
وكان أبو بكر ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره فأقسم لا ينفق عليه شيئا أبدا فأنزل الله عز وجل: «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى... الى قوله: ألا تحبون أن يغفر الله لكم» ؟
فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، ورجع الى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه.
هذا وسيأتي في بقية الآيات ما يتعلق بهذا الحديث.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ١٢ الى ١٥]
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥)

صفحة رقم 575

الإعراب:
(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) كلام مستأنفة للشروع في زجر الخائضين في الإفك وتوبيخهم على ما أرجفوا به وستأتي تسعه زواجر مترادفة وهذا هو الزاجر الأول. ولولا حرف تحضيض متضمن معنى الزجر والتوبيخ وذلك كثير في اللغة إذا دخلت على الفعل كقوله تعالى «لولا أخرتني» وإذا ظرف لما مضى من الزمن متعلق بظن وجملة سمعتموه في محل جر باضافة الظرف إليها وظن المؤمنون فعل وفاعل والمؤمنات عطف وبأنفسهم متعلقان بخيرا وخيرا مفعول به ثان. (وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) وقالوا عطف على ظن وهذا مبتدأ وإفك خبر ومبين صفة والجملة الاسمية مقول القول وسيأتي القول في الالتفات الرائع بهذه الآية. (لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ) لولا حرف تخصيص ثان وهذا هو الزاجر الثاني وجاءوا فعل وفاعل وعليه متعلقان بشهداء وبأربعة متعلقان بجاءوا وشهداء مضاف اليه، فاذا الفاء عاطفة وإذا ظرف لما مضى من الزمن متعلق بالكاذبون ولم حرف نفي وقلب وجزم ويأتوا فعل مضارع مجزوم بلم والجملة في محل جر باضافة الظرف إليها وبالشهداء متعلقان بيأتوا. (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) الفاء رابطة وأولئك مبتدأ وعند الله متعلقان بمحذوف حال أي في حكمه وهم مبتدأ ثان أو ضمير فصل والكاذبون خبر أولئك أو خبر هم والجملة خبر أولئك.
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) الواو عاطفة ولولا حرف امتناع لوجود وفضل الله مبتدأ حذف خبره وجوبا وهذا هو الزاجر الثالث، وعليكم متعلقان بفضل ورحمته عطف على فضل وفي الدنيا متعلقان بمحذوف حال والآخرة عطف على الدنيا. (لَمَسَّكُمْ فِيما

صفحة رقم 576

أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ)
اللام واقعة في جواب لولا ومسكم فعل ومفعول به والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وفيما متعلقان بمسكم وجملة أفضتم فيه صلة و «ما» عبارة عن حديث الافك والافاضة الاندفاع والخوض ويصح أن تكون ما مصدرية أي لمسكم بسبب إفاضتكم وخوضكم في الإفك، وفيه متعلقان بأفضتم وعذاب فاعل وعظيم صفة. (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) وهذا هو الزاجر الرابع، وإذ ظرف متعلق بمسكم أو بأفضتم وتلقونه فعل مضارع حذفت إحدى تاءيه وهو مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل والهاء مفعول به، والتلقي والتلقف والتلقن معان متقاربة، والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها والمراد يرويه بعضكم عن بعض وبألسنتكم متعلقان بتلقونه، وتقولون عطف على تلقونه وبأفواهكم متعلقان بتقولون وما مفعول تقولون وجملة ليس صلة الموصول وليس فعل ماض ناقص ولكم خبر وبه متعلقان بعلم وعلم اسم ليس. (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) وتحسبونه فعل مضارع وفاعل ومفعول به أول وهينا مفعول به ثان والواو للحال وهو مبتدأ وعند الله حال وعظيم خبر هو والجملة حالية.
البلاغة:
١- التعبير بالأنفس عن الآخرين:
التعبير بالأنفس عن الآخرين ينطوي على أبعد النكت مرمى وأكثرها حفولا بالمعاني السامية، فهو أولا يهيب بالمؤمنين الى التعاطف واجراء التوبيخ على النفس بدلا من أن يذكره بسوء وذلك أدعى الى اصطناعه وجعله محمولا على الموالاة والاصطفاء وذلك بتصويره بصورة من

صفحة رقم 577

أخذ يقذف نفسه ويرميها بما ليس فيها من الفاحشة. وروي أن أبا أيوب الأنصاري قال لامرأته ألا ترين مقالة الناس؟ قالت له: لو كنت بدل صفوان أكنت تخون في حرمة رسول الله ﷺ سوءا؟ قال: لا، قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنته وصفوان خير منك وعائشة خير مني.
وهذا صحيح كل الصحة وبراءة عائشة واضحة ومفهومة بالبداهة لدى كل منصف يفهم أن امرأة كعائشة لا تعرض نفسها لهذه الريبة أمام جيش وفي وضح النهار ولغير ضرورة مع رجل من المسلمين يتقي ما يتقيه المسلم في هذا المقام من غضب النبي وغضب المسلمين وغضب الله، فتلك خلة تترفع عنها من هي أقل من عائشة منبتا ومنزلة وخلقا وأنفة فكيف بها في مكانها المعلوم، وهذا هو المفهوم للتعبير عن الآخرين من المؤمنين بالنفس، حدا بامرأة أبي أيوب الانصاري إلى أن تنزل زوجها منزلة صفوان ونفسها منزلة عائشة ثم تثبت لنفسها ولزوجها البراءة والامانة حتى تثبت لصفوان وعائشة بطريق الأولى.
وهو ثانيا يحتمل أن يكون التعبير بالأنفس حقيقة والمقصود إلزام سيىء الظن بنفسه لأنه لم يعتد بنوازع الايمان ووزائعه في حق غيره وألفاه واعتبره في حق نفسه وادعى لها البراءة قبل معرفته بحكم الهوى لا بحكم الهدى.
٢- الالتفات:
وفي الكلام عدول عن الخطاب الى الغيبة وعن الضمير الى الظاهر وسياق الحديث أن يقول «لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم» وانما اقتضت البلاغة هذا الالتفات والعدول عن الضمير الى

صفحة رقم 578

الظاهر للمبالغة في التوبيخ وليصرح بلفظ الايمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتضى أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن، وهذا ما فعله النبي ﷺ وكان جديرا بالآخرين الاحتذاء به: سمع حديثا يلاك بين المنافقين ويسري الى المسلمين بل الى خاصة ذويه الأقربين، حديثا يسمعه رجل كعلي بن أبي طالب في بره نحيزته فلا يرى بعده حرجا من الطلاق والنساء كثيرات، سمع النبي ذلك الحديث المريب فلم يقبله بغير بينة ولم يرفضه بغير بينة وكان عليه أن يعود زوجه المريضة أو يجفوها الى حين فعادها وبه من الرفق والانصاف ما يأبى عليه أن يفاتحها في مرضها بما يخامر نفسه الكريمة، وبه من الموجدة والترقب ما أبى عليه أن يقابلها بما كان يقابلها به والنفس صافية كل الصفاء وظل يسأل عنها سؤال متعتب ينتظر أن تشفى وأن تأتيه البينة فيشتد كل الشدة أو يرحم كل الرحمة، ولا يعجله لغط الناس أن يأخذ في هذا الموقف الأليم بما توجبه الحمية وما توجبه المروءة في آن.
عبد الله بن أبيّ ومسطح:
وإذا قيل إن عبد الله بن أبيّ كان من أصحاب العصبية التي بحسب حسابها وتتقى بوادرها فماذا يقال في مسطح وهو مكفول أبي بكر وصنيعته الذي يأكل من ماله؟ ما الذي أنجاه من السخط والعقاب وكفل له دوام البر والمعونة لولا سماحة النبي الكريم وسماحة أبي بكر وسماحة القرآن؟
٣- المبالغة:
تقدم البحث في مثل هذا التعبير «تقولون بأفواهكم» والقول

صفحة رقم 579
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية