
قوله: «لَوْلاَ جَاءُوا» : هَلاَّ جاءوا ﴿عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ أي: على ما زعموا يشهدون على معاينتهم ما رَمَوْها به ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ﴾ ولم يقيموا بينةً على ما قالوه ﴿فأولئك عِندَ الله﴾ أي: في حكمه «هُمُ الكَاذِبُون».
فإن قيل: كيف يصيرون عند الله كاذبين إذا لم يأتوا بالشهداء ومن كذب فهو عند الله كاذب سواء أتى بالشهداء أو لم يأت؟
فالجواب: معناه: كذبوهم بأمر الله.
وقيل: هذا في حق عائشة خاصة، فإنهم كانوا عند الله كاذبين.
وقيل: المعنى: في حكم الكاذبين، فإن الكاذب يجب زجره عن الكذب، والقاذف إذا لم يأت بالشهود فإنه يجب زجره، فلما (كان) شأنه (شأن) الكاذب في الزجر أطلق عليه أنه كاذب مجازاً.
قوله: ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ﴾. «إذْ» منصوب ب «الكَاذِبُونَ» في قوله: ﴿فأولئك عِندَ الله هُمُ الكاذبون﴾، وهذا كلام في قوة شرط وجزاء.
قوله: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدنيا والآخرة لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ﴾ من

الإفك ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. (وهذا زجر) و «لَوْلاَ» هاهنا لامتناع الشيء لوجود غيره ويقال: أفاض في الحديث: اندفع وخاض. والمعنى: ولو أني قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بالنعم التي من جملتها الإمهال، وأتَرَحَّم عليكم في الآخرة بالعفو، لعاجلتُكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك.
وقيل: المعنى: وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لمَسَّكُم العَذَابُ في الدُّنْيَا والآخرة معاً، فيكون فيه تقديم وتأخير. وهذا الفضل هو حكم الله لمن تاب.
وقال ابن عباس: المراد بالعذاب العظيم أي: عذاب لا انقطاع له. أي: في الآخرة لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل فقال: ﴿والذي تولى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١١] وقد أصابه، فإنه جلد وحدّ.