آيات من القرآن الكريم

قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

وَقَوْلُهُ: ﴿قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ﴾ أَيْ: وَمَا أَقَلَّ شُكْرِكُمْ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يُوسُفَ: ١٠٣].
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَسُلْطَانِهِ الْقَاهِرِ، فِي بَرْئة الْخَلِيقَةِ وَذَرْئِهِ لَهُمْ فِي سَائِرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ مِنْهُمْ وَالْآخَرِينَ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، فَلَا يَتْرُكُ مِنْهُمْ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا، وَلَا ذِكْرًا وَلَا أُنْثَى، وَلَا جَلِيلًا وَلَا حَقِيرًا، إِلَّا أَعَادَهُ كَمَا بَدَأَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أَيْ: يُحْيِي الرِّمَمَ وَيُمِيتُ الْأُمَمَ، ﴿وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أَيْ: وَعَنْ أَمْرِهِ تَسْخِيرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْلُبُ الْآخَرَ طَلَبًا حَثِيثًا، يَتَعَاقَبَانِ لَا يَفْتُرَانِ، وَلَا يَفْتَرِقَانِ بِزَمَانِ غَيْرِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠].
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أَيْ: أَفَلَيِسَ لَكُمْ عُقُولٌ تَدُلُّكُمْ عَلَى الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، الَّذِي قَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَعَزَّ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَضَعَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ.
ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنْ مُنْكِرِي الْبَعْثِ، الَّذِينَ أَشْبَهُوا مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُونَ. قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ يَعْنِي يَسْتَبْعِدُونَ وُقُوعَ ذَلِكَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِمْ إِلَى الْبِلَى، ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ يَعْنُونَ: [أَنَّ] (١) الْإِعَادَةَ مُحَالٌ، إِنَّمَا يُخْبِرُ بِهَا مَنْ تَلَقَّاهَا عَنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ وَاخْتِلَاقِهِمْ. وَهَذَا الْإِنْكَارُ وَالتَّكْذِيبُ مِنْهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً. قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ. فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النَّازِعَاتِ: ١١-١٤]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٧-٧٩].
﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) ﴾

(١) زيادة من أ.

صفحة رقم 488
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية