آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﰿ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ

قائل إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٦٠ الى ٧٤]
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤)
لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩)
أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا يعطون ما أعطوا من الزكوات والصدقات، هذه قراءة أهل الأمصار وبه رسوم مصاحفهم.
أخبرنا عبد الخالق بن علي قال: أخبرنا إسماعيل بن نجية قال: حدّثنا محمد بن عمار بن عطية قال: حدّثنا أحمد بن يزيد الحلواني قال: حدّثنا خلاد عن إبراهيم بن الزبرقان عن محمد ابن حمّاد عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقرأ والذين يأتون ما آتوا من المجيء.
وأخبرنا الحاكم أبو منصور حمد بن أحمد البورجاني قال: حدّثنا علي بن أحمد بن موسى الفارسي قال: حدّثنا محمد بن الفضيل قال: حدّثنا أبو أسامة قال: حدّثني ملك بن مغول قال:
سمعت عبد الرّحمن بن سعيد الهمداني ذكر أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله:
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أهو الذي يزني ويشرب الخمر وهو على ذلك يخاف الله؟ قال: «لا يا ابنة الصدّيق ولكن هو الذي يصوم ويصلي ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله سبحانه» «١» [١٣].
وأخبرنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا محمد بن حامد قال: حدّثنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا عبد الله بن عمرو قال: أخبرنا وكيع عن ملك بن مغول عن عبد الرّحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال: «لا يا ابنة أبي بكر أو يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلّي ويتصدق ويخاف أن لا تقبل منه» «٢» [١٤].

(١) مسند الحميدي: ١/ ١٣٣. بتفاوت.
(٢) جامع البيان للطبري: ١٨/ ٤٥.

صفحة رقم 50

أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها يعني إليها سابِقُونَ كقوله (لِما نُهُوا عَنْهُ) و (لِما قالُوا) ونحوهما، وكان ابن عباس يقول في معنى هذه الآية: سبقت لهم من الله السعادة ولذلك سارعوا في الخيرات.
وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها يعني إلّا ما يسعها ويصلح لها من العبادة والشريعة:
وَلَدَيْنا كِتابٌ يعني اللوح المحفوظ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ يبيّن بالصدق ما عملوا وما هم عاملون من الخير والشر، وقيل: هو كتاب أعمال العباد الذي تكتبه الحفظة وهو أليق بظاهر الآية.
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يعني يوفّون جزاء أعمالهم ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
ثمّ ذكر الكفار فقال عزّ من قائل بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ عمى وغفلة مِنْ هذا القرآن وَلَهُمْ أَعْمالٌ خبيثة لا يرضاها الله من المعاصي والخطايا مِنْ دُونِ ذلِكَ يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله سبحانه، قيل: وهي قوله إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.
هُمْ لَها عامِلُونَ لا بد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة.
حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ يعني اغنياءهم ورؤساءهم بِالْعَذابِ قال ابن عباس:
بالسيوف يوم بدر،
وقال الضحّاك: يعني الجوع وذلك ين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال:
«اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف، فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة والقدّ والأولاد» «١» [١٥].
إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ يضجّون ويجزعون ويستغيثون، وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرّع كما يفعل الثور، قال الشاعر:

فطافت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجأرا «٢»
يصف بقره. وقال أيضا:
يراوح من صلوات المليك فطورا سجودا وطورا جؤارا «٣»
لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم وتضرّعكم.
قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني القرآن فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ أدباركم تَنْكِصُونَ
(١) تفسير مجمع البيان: ٧/ ١٩٩.
(٢) تفسير القرطبي: ١٠/ ١١٥.
(٣) تفسير القرطبي: ١٢/ ١٣٥. والعبارة يراوج.

صفحة رقم 51

تدبرون وتستأخرون وترجعون القهقرى، مكذّبين بها كارهين لها مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ أي بالحرم تقولون: لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم، وهو كناية عن غير مذكور سامِراً نصب على الحال يعني أنّهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول البيت، ووحّد سامِراً وهو بمعنى السّمار لأنّه وضع موضع الوقت، أراد: تَهْجُرُونَ ليلا، كقول الشاعر:

من دونهم إن جئتهم سمرا عزف القيان ومجلس غمر «١»
فقال: سمرا لأن معناه: إن جئتهم ليلا وهم يسمرون، وقيل: واحد ومعناه الجمع كما قال ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا «٢» ونحوه.
تَهْجُرُونَ قرأ نافع بضم التاء وكسر الجيم أي تفحشون وتقولون الخنا، يقال اهجر الرجل في كلامه أي أفحش، وذكر أنّهم كانوا يسبّون رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وقرأ الآخرون بفتح التاء وضم الجيم ولها وجهان:
أحدهما: تعرضون عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم والقرآن والإيمان وترفضونها.
والآخر: يقولون سوءا وما لا يعلمون، من قولهم: هجر الرجل في منامه إذا هذى.
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا يتدبّروا الْقَوْلَ القرآن أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ فأنكروه وأعرضوا عنه، ويحتمل أن يكون أم بمعنى بل، يعني: بل جاءهم ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ فكذلك أنكروه ولم يؤمنوا به، وروي هذا القول عن ابن عباس.
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ محمدا وأنّه من أهل الصدق والأمانة. فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ جنون، كذبوا في ذلك فإن المجنون يهذي ويقول ما لا يعقل ولا معنى له، بَلْ محمد جاءَهُمْ بِالْحَقِّ بالقول الذي لا يخفى صحته وحسنه على عاقل وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ يعني الله سبحانه أَهْواءَهُمْ مرادهم فيما يفعل لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ ببيانهم وشرفهم يعني القرآن.
فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ على ما جئتهم به خَرْجاً أجرا وجعلا وأصل الخرج والخراج الغلّة والضريبة والأتاوة كخراج العبد والأرض.
وقال النضر بن شميل: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال:
الخراج ما لزمك ووجب عليك أداؤه، والخرج ما تبرّعت به من غير وجوب.
قال الله سبحانه: فَخَراجُ رَبِّكَ رزقه وثوابه خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو الإسلام.
(١) لسان العرب: ٤/ ٣٧٧.
(٢) سورة غافر: ٦٧.

صفحة رقم 52
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية