آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ

وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ [٨٨]، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [٧٣- ٩٠].
وَ (بَلْ) إِضْرَابٌ عَنِ الْمَظْنُونِ لَا عَلَى الظَّنِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِالْقَرِينَةِ، أَيْ لَسْنَا نُسَارِعُ لَهُمْ بِالْخَيْرَاتِ كَمَا ظَنُّوا بَلْ لَا يَشْعُرُونَ بِحِكْمَةِ ذَلِكَ الْإِمْدَادِ وَأَنَّهَا لِاسْتِدْرَاجِهِمْ وَفَضْحِهِمْ بِإِقَامَةِ الْحجَّة عَلَيْهِم.
[٥٧- ٦١]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : الْآيَات ٥٧ إِلَى ٦١]
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)
هَذَا الْكَلَامُ مُقَابِلُ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْغَمْرَةُ مِنْ قَوْلِهِ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٤] مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَعَنِ التَّصْدِيقِ بِآيَاتِهِ، وَمِنْ إِشْرَاكِهِمْ آلِهَةً مَعَ اللَّهِ، وَمِنْ شُحِّهِمْ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَإِنْفَاقِ مَالِهِمْ فِي اللَّذَّاتِ، وَمِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ. كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا شَمِلَتْهُ الْغَمْرَةُ فَجِيءَ فِي مُقَابِلِهَا بِذِكْرِ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ ثَنَاءً عَلَيْهِمْ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا [الْمُؤْمِنُونَ: ٦٣].
فَكَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ كَالتَّفْصِيلِ لِإِجْمَالِ الْغَمْرَةِ مَعَ إِفَادَةِ الْمُقَابَلَةِ بِأَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَاخْتِيرَ أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ بِذِكْرِ الْمُقَابِلِ لِحُسْنِ تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقُبْحِ أَضْدَادِهَا تَنْزِيهًا لِلذِّكْرِ عَنْ تَعْدَادِ رَذَائِلِهِمْ، فَحَصَلَ بِهَذَا إِيجَازٌ بَدِيعٌ، وَطِبَاقٌ مِنْ أَلْطَفِ الْبَدِيعِ، وَصَوْنٌ لِلْفَصَاحَةِ مِنْ كَرَاهَةِ الْوَصْفِ الشَّنِيعِ.
وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِ إِنَّ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولَاتِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيُسَابِقُونَ إِلَيْهَا وَتَكْرِيرُ

صفحة رقم 76

أَسْمَاءِ الْمَوصُولَاتِ لِلِاهْتِمَامِ بِكُلِّ صِلَةٍ مِنْ صِلَاتِهَا فَلَا تُذْكَرُ تَبَعًا بِالْعَطْفِ. وَالْمَقْصُودُ الْفَرِيقُ الَّذِينَ اتُّصِفُوا بِصِلَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّلَاتِ. وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ لِلتَّعْلِيلِ.
وَالْإِشْفَاقُ: تَوَقُّعُ الْمَكْرُوهِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [٢٨]. وَقَدْ حُذِفَ الْمُتَوَقَّعُ مِنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْإِشْفَاقُ بِسَبَبِ خَشْيَتِهِ، أَيْ يَتَوَقَّعُونَ غَضَبَهُ وَعِقَابَهُ.
وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الدَّلَائِلُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْقُرْآنُ وَمِنْهَا إِعْجَازُ الْقُرْآنِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لِخَشْيَةِ رَبِّهِمْ يَخَافُونَ عِقَابَهُ، فَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ مُشْفِقُونَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورَاتِ الثَّلَاثَةِ عَلَى عَوَامِلِهَا لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَوَاصِلِ مَعَ الِاهْتِمَامِ بِمَضْمُونِهَا.
وَمَعْنَى: يُؤْتُونَ مَا آتَوْا يُعْطُونَ الْأَمْوَالَ صَدَقَاتٍ وَصِلَاتٍ وَنَفَقَاتٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ تَعَالَى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى [الْبَقَرَة: ١٧٧] الْآيَةَ وَقَالَ: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [فصلت: ٦، ٧]. وَاسْتِعْمَالُ الْإِيتَاءِ فِي إِعْطَاءِ الْمَالِ شَائِعٌ فِي الْقُرْآنِ مُتَعَيِّنٌ أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا.
وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِ مَا آتَوْا دُونَ الصَّدَقَاتِ أَوِ الْأَمْوَالِ لِيَعُمَّ كُلَّ أَصْنَافِ الْعَطَاءِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَلِيَعُمَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ يُعْطِي مِمَّا يَكْسِبُ.
وَجُمْلَةُ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَحَقُّ الْحَالِ إِذَا جَاءَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ أَنْ تَعُودَ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ يَفْعَلُونَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِقُلُوبِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ وَهُمْ مُضْمِرُونَ وَجَلًا وَخَوْفًا مِنْ رَبِّهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ فَلَا يَجِدُونَهُ رَاضِيًا عَنْهُمْ، أَوْ لَا يَجِدُونَ مَا يَجِدُهُ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَفُوتُهُمْ فِي الصَّالِحَاتِ، فَهُمْ لِذَلِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيُكْثِرُونَ مِنْهَا مَا اسْتَطَاعُوا وَكَذَلِكَ كَانَ شَأْنُ الْمُسْلِمِينَ الْأَوَّلِينَ.
وَفِي الْحَدِيثِ «أَنْ أَهْلَ

صفحة رقم 77
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية