آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) أي صيرنا ابن مريم وأمه آية، أي معجزة خارقة للعادة، وعرف عيسى بأنه ابن مريم لبيان أنه ليس له أب، وأن مريم ولدته من غير أب، وكان بذلك هو وأمه آية خارقة لمجرى العادات، ذلك أن مجرى العادات في الأسباب والمسببات أن الولد يكون من نطفة توضع في رحم المرأة فيجيء الولد بإذن اللَّه تعالى، كما تبين في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣).
إلى آخر الآيات الكريمات، فكانت المعجزة في أن عيسى جاء من غير أب؛ وذلك لإثبات قدرة اللَّه تعالى وإرادته، وأنه مختار فعال لما يريد، ذلك أن الفلسفة الأيونية التي ظهرت في آسيا الصغرى، وتولدت منها الفلسفة اليونانية كانت تؤمن إيمانا عميقا - ولو كان باطلا - بأن الدنيا وجدت بالسببية، أي بوجود المعلول عن علة، حتى قالوا إن الكون كله وجد عن السبب الأول بالعلة، وبولادة عيسى من غير أب تبين أن اللَّه فاعل مختار، رزاق، وهو ذو القوة المتين، وكان عيسى عليه السلام وأمه آية خارقة للعادة، فأمه - عليها السلام - حملت من غير نطفة، وهو ولد من غير أب، فكانت المعجزة في كليهما، ومكونة منهما.

صفحة رقم 5080

ويقول تعالى: (وَآوَيْنَاهُمَا)، أي جعلنا مأواهما ربوة، أي مكانا مرتفعا، قد أوت إليه مريم عندما فأجأها المخاض إلى جذع النخلة، حتى لَا يراها الناس وقد قال تعالى في ذلك: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦).
والربوة مع أنها مرتفع من الأرض (ذَاتِ قَرِارٍ وَمَعِينٍ)، أي يمكن القرار فوقها، لأنها مستوية، فيها مهاد كالفراش، (وَمعِينٍ) أي ماء طاهر ثرّ. وقال الزجاج: هو الماء الجاري، وقال بعض الباحثين في اللغة يقال: معن الماء إذا جرى، وهكذا اقترنت ولادة عيسى بمعجزات، فكانت الربوة في المرتفع عن الأرض، ذات قرار ممهد، وفيها الماء الجاري، وتكلم في المهد صبيا، وكان هو في ذاته معجزة.
* * *
الأنبياء بشر يأكلون، والكفر بهم واحد
قال اللَّه تعالى:
(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (٥٩)

صفحة رقم 5081

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (٦٥)
* * *

صفحة رقم 5082
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية