آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

تعالى موسى وأخاه هارون إلى فرعون وقومه، مؤيدين بالمعجزات والأدلة الواضحة القاطعة الدالة على صدقهما، فدعواه وملأه إلى الإقرار بوجود الله وتوحيده، فاستكبروا وتعالوا عن اتباعهما والانقياد لدعوتهما، لكونهما بشرين.
فكان حصاد التكذيب أمرين: إهلاك فرعون وقومه بالغرق في يوم واحد أجمعين في البحر الأحمر، وإنزال التوراة على موسى في الطور، فيها هدى ونور، وتشريع وأحكام، وخص موسى بالذكر هنا لأن هارون كان خليفة في قومه، وإيتاء التوراة كان لكليهما، كما قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ [الأنبياء ٢١/ ٤٨].
القصة الخامسة- قصة عيسى وأمه مريم عليهما السلام
[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ٥٠]
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)
البلاغة:
مَعِينٍ مع فواصل الآيات السابقة، عالِينَ، الْمُهْلَكِينَ سجع مستحسن.
المفردات اللغوية:
ابْنَ مَرْيَمَ عيسى عليه السلام آيَةً حجة وبرهانا على قدرة الله تعالى، ولم يقل:
آيتين لأن الآية فيهما واحدة، وهي ولادتها إياه من غير مسيس رجل وَآوَيْناهُما جعلنا مأواهما ومنزلهما إِلى رَبْوَةٍ هي المكان المرتفع من الأرض، وهو أرض بيت المقدس أو فلسطين أو الرملة، أو دمشق، فإن قراها على الرّبى ذاتِ قَرارٍ أي ذات استقرار فيها، يستقر عليها ساكنوها لأجل ما فيها من الثمار والزروع وَمَعِينٍ ماء جار ظاهر للناس.

صفحة رقم 53

المناسبة:
سبق إيراد قصة عيسى وأمه مفصلة في سورتي آل عمران ومريم، ووردت هنا بإيجاز يقتضيه المقام، وهو الاستدلال على عظيم قدرة الله تعالى على ما يشاء، فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى، وانتهى بذلك عصر المعجزات لانتهاء النبوة.
التفسير والبيان:
وجعلنا عيسى وأمه آية للناس دالة على قدرتنا إذ خلقناه من غير أب.
وقد جعلهما الله تعالى آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير رجل، لاشتراكهما في هذا الأمر العجيب الخارق للعادة. وهو دليل على القدرة الإلهية القادرة على كل شيء، كقوله تعالى: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء ٢١/ ٩١].
وجعلنا مأواهما في مكان مرتفع من الأرض، صالح لاستقرار السكان، ذي ثمار وزروع وخصب، وماء جار ظاهر للعيون لا ينضب، وهو- كما قال قتادة- بيت المقدس، وهو الظاهر، وقيل: هو الرملة من فلسطين، كما روي عن أبي هريرة، وقال مقاتل والضحاك: هي غوطة دمشق إذ هي ذات الثمار والمياه.
قال ابن كثير: وأقرب الأقوال في ذلك: ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ قال: المعين: الماء الجاري، وهو النهر الذي قال الله تعالى عنه: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم ١٩/ ٢٤] وكذا قال قتادة والضحاك: إلى ربوة ذات قرار ومعين: هو بيت المقدس، فهذا- والله أعلم- هو الأظهر لأنه المذكور في الآية الأخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضا، وهذا أولى ما يفسر به، ثم الأحاديث الصحيحة، ثم الآثار «١»

(١) تفسير ابن كثير: ٣/ ٢٤٦

صفحة رقم 54
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية