آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ
ﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

وقال: ربي انصرني وأهلك أعداءك بسبب كذبهم فأجاب الله سؤاله، وقال عما قليل ليصبحن نادمين على ما فرط منهم من العصيان والكفر.
وكان الجزاء أن أخذتهم الصيحة، وهي صوت شديد جدا أعقبه الهلاك والفناء وكانوا كالغثاء الذي يعلو سطح الماء من بقية الأعشاب.
فبعدا من رحمة الله وهلاكا للقوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وظلموا غيرهم حيث كانوا قدوة لهم في الفساد والشر، وانظر إلى التاريخ يوم مكرر، وإلى أن الشبه واحدة عند الأمم جميعا، والجزاء واحد عند الكل، فكأن القرآن ينادى أن اعتبروا يا أولى الأبصار، وانظروا يا أهل مكة فيمن تقدمكم، إذ كانوا مثلكم، بل أشد، وكانوا يعتقدون كما تعتقدون، وقد حل بهم عذاب الله..
ذكر بعض الأنبياء [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٢ الى ٥٠]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦)
فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)

صفحة رقم 626

المفردات:
تَتْرا يتبع بعضهم بعضا أَحادِيثَ جمع حديث وهو ما يبقى بعد الإنسان من الذكر، وقيل: جمع أحدوثة كالأعجوبة، وهي ما يتحدث به ويتعجب منه عابِدُونَ أى: هم خدم لنا وحشم رَبْوَةٍ الربوة: المكان المرتفع من الأرض قَرارٍ وَمَعِينٍ استقرار فيها من السكان، والمعين الماء الجاري الظاهر للعيون.
يقص القرآن الكريم القصة في أشكال مختلفة تارة بالتطويل، وتارة بالإيجاز والمقام هنا للإيجاز، لأن الغرض التحدث عن الإيمان وجزاء الكفر بالله.
المعنى:
ثم أنشأنا من بعد عاد أمما آخرين فما خلت الديار من المكلفين أبدا، بل بعد هلاك قوم لكفرهم ينشئ بقدرته من بقاياهم خلقا يعمرون الأرض، وهم خاضعون لأمر ربهم، ما تسبق أمة أبدا أجلها: وما يستأخرون فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة النحل آية ٦١] وتلك سنة الله في الأمم، فلا تستعجلوا العذاب فكل شيء عنده بمقدار.
ثم أرسلنا لتلك الأمم رسلنا يتبع بعضهم بعضا بعد مهلة من الزمن أو بغير مهلة على وفق إرادة الله وعلمه. كلما جاء أمة رسولها كذبوه، وكفروا به وهم قد سلكوا مسلك من تقدمهم من الأمم التي أهلكت بالصيحة والريح العاتية وغيرها فأتبعنا بعضهم بعضا بالهلاك لما اشتركوا في التكذيب والكفر، وجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق فلم يبق منهم عين ولا أثر، بل أصبحوا أحاديث في أفواه الناس يتحدثون به ويتعجبون منه، فبعدا وهلاكا لقوم لا يؤمنون، وهذا وعيد لكل كافر وإنذار شديد. وبيان لقدرة الله ونصرته لعباده المؤمنين، وعذابه الشديد للكافرين والعاصين، فاعتبروا أيها الناس، وانظروا في حاضركم ومستقبلكم.
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون لفرعون وملئه يدعوانهما للإيمان بالله الذي خلق فسوى!!، وأرسلناهما مؤيدين بآياتنا المعجزة وهي الآيات التسع: العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وانفلاق البحر، والسنون، ونقص الثمرات،

صفحة رقم 627

فكان موسى وهارون مؤيدين بالآيات وسلطان مبين وهو أشرف المعجزات وأقواها.
وقيل: المراد به العصا إذ تعلقت بها معجزات شتى كانقلابها حية، وابتلاعها ما صنعته السحرة وغير ذلك:
وقد حكى الله عن فرعون وملئه أخص صفاتهم وشبههم الواهية التي دعتهم إلى عدم الإيمان، وفي هذا كله عبرة وعظة لأولى الألباب.
أما صفاتهم فهم قوم استكبروا وأنفوا من اتباع موسى، وكانوا قوما عالين، أى:
على جانب من الحضارة والعز والسلطان والعلم والعرفان، والواقع التاريخى يؤيد ذلك كله.
أما شبههم: فقالوا: كيف نؤمن لبشرين مثلنا؟! والرسالة تتنافى مع البشرية، وهكذا شأن القوم الماديين الذين لا يؤمنون بالقوى المعنوية، ويظهر أن هذا كان مرضا شائعا في الأمم السابقة، ولا يزال. الشبهة الثانية: كيف نؤمن بموسى وهارون ونسلم لهما بالزعامة والقيادة، وهم من بنى إسرائيل الذين يقومون بالخدمة لنا وهم من رعايانا النازلين في بلادنا، إن هذا لمكر وحيلة ليخلص موسى وهارون بنى إسرائيل قومهما من حكمنا، ولا يمكن أن يكونا رسولين من عند الله، وترتب على ذلك أنهم كانوا من المهلكين الذين غرقوا في اليم، ونجا موسى ومن معه من بنى إسرائيل المؤمنين فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ [سورة يونس آية ٩].
ولقد آتينا موسى التوراة فيها هدى ونور، وفيها الحكم والدستور لبنى إسرائيل بعد أن أغرق آل فرعون، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص ٤٣].
ويقول ابن كثير في تفسيره: لم تهلك أمة هلاكا عاما بعد نزول التوراة، بل أمر المؤمنون بقتال الكفار.
وتلك قصة مريم وابنها عيسى بإيجاز كما هو النظام العام في ذكر القصص التي في هذه السورة.
وجعلنا عيسى ابن مريم عبد الله رسوله وأمه مريم البتول ابنة عمران التي أحصنت

صفحة رقم 628
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية