
أي: لو شاء الله ألا نعبد سواه لأرسل إلينا ملائكة تدعونا إلى ذلك.
﴿مَّا سَمِعْنَا بهذا في آبَآئِنَا الأولين﴾ أي: قالوا لهم: ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه نوح من أنه لا إله لنا غير الله في القرون الماضية، وهم آباؤهم.
قوله تعالى ذكره: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾.
أي: قال أشراف قوم نوح: ما نوح إلا رجل به جنون ﴿فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حتى حِينٍ﴾ أي: تملهوا به إلى وقت ما.
قال نوح: ﴿رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ﴾ أي: بتكذيبهم إياي. دعا ﷺ واستنصر بالله لما طال عليه أمرهم وأبو إلا تكذيبه.
ثم قال تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾.
أي: فقلنا له حين استنصرنا على كفرة قومه: اصنع الفلك بمرأى منا وتعليم لك بما تصنع. ﴿فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا﴾ أي: قضاؤنا في قومك بالعذاب والهلاك. ﴿وَفَارَ التنور﴾ قد تقدم في " هود " ومعنى " فار التنور ". وقد قال علي بن أبي طالب: " فار التنور " من مسجد الكوفة.
وعنه أنه قال: " فار التنور " هو تنور الصبح.
قال الضحاك: كان التنور آية فيما بين الله وبين نوح، قال له: إذا رأيت الماء قد

خرج من التنور فاعلم أن الهلاك والغرق قد أتى قومك.
ثم قال: ﴿فاسلك فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين﴾.
أي: فادخل في الفلك، يقال سلكته في كذا وأسلكته أدخلته.
﴿ن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ﴾ أي: وأدخل أهلك في الفلك يعني ولده ونساءه. ﴿إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ﴾ أي: لا تحمل من سبق عليه القول من الله أنه هالك مع أهلك يعني ابنه الذي غرق.
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا﴾.
أي: لا تسألني في الذين كذبوك أن أنجيهم، ﴿إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ﴾ أي: قضيت أن أغرق جميعهم.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك فَقُلِ الحمد للَّهِ﴾.
أي: إذا اعتدلت أنت ومن حملته معك في السفينة، فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ﴿وَقُل﴾ أيضاً يا نوح: ﴿رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً﴾، إذا خرجت من السفينة وسلمك الله ومن معك. قاله مجاهد.
﴿وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين﴾ أي: خير من أنزل عباده المنزل المبارك ومن قرأ " مُنزَلاً "

بضم الميم، جعله مصدراً، لأن مصدر الكلام قد مضى على: أنزل، فصار بمنزلة ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] يقال: أنزلته إنزالاً ومنزلاً.
ومن قرأ بفتح الميم جعله اسماً لكل ما نزل فيه، فمعناه: أنزلني مكاناً مباركاً وموضعاً مباركاً. ويجوز في النحو فتح الميم والزاي يجعله مصدر نزل، كالمدخل مصدر دخل.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾.
أي: إن فيما فعلنا بنوح وقومه من إنجائه وإهلاكهم حين كذبوه لَعِبراً لقومك وغيرهم، فيزدجروا عن كفرهم لئلا يحل عليهم مثل ما حل على قوم نوح من العذاب.
وقوله/: ﴿وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ أي: وإن كنا لمختبرين لقومك بتذكيرنا إياهم بآياتنا لننظر ما هم عاملونه قبل حلول العقوبة بهم.
وقيل معنى " لمبتلين " لمتعبدين الخلق بالاستدلال على خالقهم بهذه الآيات، فيعرفون شكره ونعمه عليهم، فيخلصون له العبادة.
ثم قال: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾.
أي: ثم أحدثنا من بعد إهلاك قوم نوح قوماً آخرين فأرسلنا فيهم رسولاً منهم

أن يدعوهم إلى الإيمان، فقال لهم: ﴿أَنِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾ أي: ما لكم معبود تجب له العبادة غير الله ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أي: أفلا تخافون عقاب الله بعبادتكم الأصنام من دون الله.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ الذين كَفَرُواْ﴾.
أي: قال أشراف قومه المكذبون، الكفار بالبعث، يعني قوم هود عليه السلام.
وقوله تعالى: ﴿وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا﴾.
أي: ونعمناهم في الدنيا بسعة الرزق حتى بطروا وعتوا، فكفروا وكذبوا الرسل.
﴿مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾.
أي: إنسان مثلكم، يأكل مما تأكلون منه ويشرب مثل ما تشربون، وليس بملك فتصدقه.
(ولئن أطعتم بشراً مثلكم، فاتبعتموه) أي: قالوا ذلك لقومهم وسفلتهم.
﴿إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾. أي: لمغبونون حظوظكم من الشرف والرفعة باتباعكم إياه.
ثم قال تعالى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ﴾.

" أنّ " الثانية، بدل من الأولى عند سيبويه. المعنى عنده أنكم مخرجون إذا متم.
وقال الفراء والجرمي " أنَّ الثانية مكررة للتأكيد. وحسن تكريرها لما طال الكلام.
وذهب الأخفش إلى " أنّ " الثانية في موضع رفع بفعل مضمر، دل عليه إذا، ومعناه عنده: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً يحدث إخراجكم. كما تقول: اليوم القتال. المعن عنده اليوم يحدث القتال.
ومعنى الآية أن الأشراف من وقم هود قالوا لقومهم: أيعدكم هود أنكم تبعثون بعد أن تكونوا تراباً وعظاماً فتخرجون من قبوركم.
ثم قالوا: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾.
مذهب سيبويه والكسائي أن يوقف عليها بالهاء، لأنها واحدة، وفتحت للبناء، وبنيت لأنها لم تشتق من فعل فأشبهت الحروف واختير لها الفتح للألف التي قبلها ولأن هاء التأنيث بمنزلة اسم ضم إلى اسم فصارت بمنزلة عشر في خمسة

عشر، وموضعها رفع. معناها: البعد البعد لما توعدون.
وقال الفراء الوقف عليها بالتاء. فأما من كسر التاء فإنه يقف بالتاء عند الجماعة نُوِّنَ أو لم يُنَوَّنْ، لأنه جمع المؤنث لازم.
وقيل: " هو " في هذا فرق بين المعرفة والنكرة وهي عند سيبويه كناية عن البعد، كما يكنى بقولهم " صه " عن السكوت.
فالتقدير: البعد البعد لما توعدون من البعث بعد الموت يقوله أشراف قوم هود لقومهم.
قال ابن عباس: " هيهات هيهات ": بعيد بعيد.
ودخول اللام مع هيهات وخروجها جائزان تقول هيهات ما تريد وهيهات لما تريد.
فإذا أسقطت اللام رفعت الاسم، كما قال [الشاعر].
فَهَيْهَات هَيْهَات العَقِيقُ وَمَنْ به | وَهَيْهَاتَ خِلّ بالعُقِيقِ نُوَاصِلُهُ |