آيات من القرآن الكريم

فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫ

إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ يعني ولائدهم فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ لا يلامون على جماع أزواجهم وولائدهم فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فمن طلب الفواحش بعد الأزواج والولائد ما لم يحلّ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ يعني المعتدين في دينهم وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ يعني ما ائتمنوا عليه فيما بينهم وبين الناس وَعَهْدِهِمْ راعُونَ يعني حافظين يؤدّون الأمانة ويوفون بالعهود وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ يعني يحافظون عليها في مواقيتها، ثمّ أخبر بثوابهم فقال أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ ثمّ بين ما يرثون فقال الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ يعني الجنة بلسان الرومية هُمْ فِيها خالِدُونَ لا يموتون فيها.
أخبرنا محمد «١» بن عقيل القطان «٢» قال: أخبرنا حاجب بن أحمد بن سفيان قال: حدّثنا محمد بن حماد البيوردي قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرني يونس بن سليم قال أملى «٣» علىّ صاحب ايلة عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرّحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم الوحي يسمع عند وجهه كدوىّ النحل، فمكثنا ساعة فاستقبل ورفع يديه فقال: «اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنّا، ثمّ قال: لقد أنزل علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنّة، ثمّ قرأ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ عشر آيات «٤» » [١٢].
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٢ الى ٢٦]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)
وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١)
وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦)

(١) في النسخة الثانية زيادة: بن أحمد.
(٢) في النسخة الثانية: العطار.
(٣) في النسخة الثانية زيادة: يونس بن.
(٤) منتخب مسند عبد بن حميد: ص ٣٤.

صفحة رقم 41

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني ابن آدم مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ «١» أي من صفوة ماء آدم الذي هو من الطين ومنيّه والعرب تسمّي نطفة الشيء وولده سليله وسلالته لأنّهما مسلولان منه. قال الشاعر:

حملت به عضب الأديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين «٢»
وقال آخر:
وهل كنت إلّا مهرة عربية سليلة أفراس تجلّلها بغل «٣»
ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ حريز مكين لاستقرارها فيه إلى بلوغ أمدها وهو الرحم.
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً قرأ ابن عامر عظما على الواحد في الحرفين، ومثله روى أبو بكر عن عاصم لقوله لَحْماً، وقرأ الآخرون بالجمع لأنّ الإنسان ذو عظام كثيرة.
فَكَسَوْنَا فألبسنا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ اختلف المفسرون فيه. قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وعكرمة وأبو العالية والضحاك وابن زيد: نفخ الروح فيه.
قتادة: نبات الأسنان والشعر.
ابن عمر: استواء الشباب، وهي رواية ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد.
وروى العوفي عن ابن عباس: إنّ ذلك تصريف أحواله بعد الولادة، يقول: خرج من بطن أمّه بعد ما خلق فكان من بدو خلقه الآخر أن استهلّ، ثمّ كان من خلقه أن دلّ على ثدي أمّه، ثمّ كان من خلقه أن علّم كيف يبسط رجليه، إلى أن قعد، إلى أن حبا، إلى أن قام على رجليه، إلى أن مشى، إلى أن فطم، فعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام، إلى أن بلغ الحلم، إلى أن بلغ ان يتقلّب في البلاد.
وقيل: الذكورة والأنوثية، وقيل: إعطاء العقل والفهم.
فَتَبارَكَ اللَّهُ أي استحق التعظيم والثناء بأنّه لم يزل ولا يزال وأصله من البروك وهو الثبوت.
أَحْسَنُ الْخالِقِينَ أي المصوّرين والمقدّرين، مجاهد: يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين.
(١) في النسخة الثانية زيادة: أسيل من الأرض، قال قتادة: وقال ابن عباس ومجاهد: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني آدم مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ.
(٢) جامع البيان للطبري: ١٨/ ١٢.
(٣) جامع البيان للطبري: ١٨/ ١٢.

صفحة رقم 42

ابن جريج: إنما جمع الخالقين لأنّ عيسى كان يخلق، فأخبر جلّ ثناؤه أنّه يخلق أحسن ممّا كان يخلق.
وروى أبو الخليل عن أبي قتادة قال: لمّا نزلت هذه الآية إلى آخرها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «فتبارك الله أحسن الخالقين» فنزلت فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
قال ابن عباس: كان ابن أبي سرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأملى عليه هذه الآية، فلمّا بلغ قوله خَلْقاً آخَرَ خطر بباله فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فلمّا أملاها كذلك لرسول الله قال عبد الله: إن كان محمد نبيّا يوحى إليه فانا نبىّ يوحى إليّ، فلحق بمكة كافرا.
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ قرأ أشهب العقيلي لمائتون بالألف، والميّت والمائت، الذي لم يفارقه الروح بعد وهو سيموت، والميت بالتخفيف: الذي فارقه الروح، فلذلك لم تخفف هاهنا كقوله سبحانه وتعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «١» ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وإنما قيل: طَرائِقَ لأن بعضهنّ فوق بعض، فكلّ سماء منهنّ طريقة، والعرب تسمّي كلّ شيء فوق شيء طريقة، وقيل: لأنّها طرائق الملائكة.
وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ يعني عن خلق السماء، قاله بعض العلماء، وقال أكثر المفسرين: يعني عمّن خلقنا من الخلق كلّهم ما كنّا غافلين عنهم، بل كنّا لهم حافظين من أن تسقط عليهم فتهلكهم.
وقال أهل المعاني: معنى الآية: إنّ من جاز عليه الغفلة عن العباد جاز عليه الغفلة عن الطرائق التي فوقهم فتسقط فالله عزّ وجلّ يمسك السماوات أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ولولا إمساكه لها لم تقف طرفة عين.
قال الحسن: وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ أن ينزل عليهم ما يجيئهم من المطر.
وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ثمّ أخرجنا منها ينابيع فماء الأرض هو من السماء.
وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ حتى تهلكوا عطشا وتهلك مواشيكم وتخرب أراضيكم.
فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ بالماء جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها يعني في الجنّات فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ شتاء وصيفا، وإنّما خصّ النخيل والأعناب بالذكر لأنّهما كانا أعظم ثمار الحجاز وما والاها، فكانت النخيل لأهل المدينة، والأعناب لأهل الطائف، فذكر القوم ما يعرفون من نعمه.

(١) سورة الزمر: ٣٠. [.....]

صفحة رقم 43

وَشَجَرَةً يعني وأنشأنا لكم أيضا شجرة تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ وهي الزيتون، واختلف القرّاء في سَيْناءَ، فكسر سينه أبو عمرو وأهل الحجاز، وفتحه الباقون، واختلف العلماء في معناه، فقال مجاهد: معناه البركة، يعني: إنه جبل مبارك، وهي رواية عطية عن ابن عباس، قتادة والحسن والضحّاك: طُورِ سَيْناءَ بالنبطية: الجبل الحسن.
ابن زيد: هو الجبل الذي نودي منه موسى عليه السلام، وهو بين مصر وأيلة، معمر وغيره: جبل ذو شجر، بعضهم: هو بالسريانية الملتفّة الأشجار، وقيل: هو كلّ جبل ذي أشجار مثمرة، وقيل: هو متعال من السّنا وهو الارتفاع.
قال مقاتل: خصّ الطور بالزيتون لأن أول الزيتون نبت بها، ويقال: إنّ الزيتون أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان.
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وأكثر القراء على فتح التاء الأوّل من قوله تَنْبُتُ وضم بائه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم التاء وكسر الباء ولها وجهان:
أحدهما: أن الباء فيه زائدة كما يقال: أخذت ثوبه وأخذت بثوبه، وكقول الراجز:

نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج «١»
أي ونرجو الفرج.
والوجه الآخر: أنّهما لغتان بمعنى واحد نبت وأنبت، قال زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل «٢»
أي نبت وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ أي إدام نصطبغ به وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً وهي الدلالة الموصلة إلى اليقين المؤدّى به الى العلم وهي من العبور كأنه طريق يعبر إليه ويتوصل به إلى المراد.
نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ قال ابن عباس: سمّي بذلك لكثرة ما ناح على نفسه، واختلف في سبب نوحه، فقال بعضهم: لدعوته على قومه بالهلاك حيث قال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً «٣» وقيل: لمراجعته ربّه في شأن أمته، وقيل: لأنّه مرّ بكلب مجذوم، فقال:
اخسأ يا قبيح فأوحى الله سبحانه إليه: أعبتني أم عبت الكلب؟.
(١) لسان العرب: ١٥/ ٤٤٣.
(٢) لسان العرب: ١٣/ ٣٤٣.
(٣) نوح: ٢٦.

صفحة رقم 44
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية