آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦ

خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)
شرح الكلمات:
من سلالة: السلالة ما يستل من الشيء والمراد بها هنا ما استل من الطين لخلق آدم.
نطفة في قرار مكين: النطفة قطرة الماء أي المني الذي يفرزه الفحل، والقرار المكين الرحم المصون.
العلقة: الدم المتجمد الذي يعلق بالإصبع لو حاول أحد أن يرفعه بإصبعه كمح البيض١.
والمضغة: قطعة لحم قدر ما يمضغ الآكل.
خلقاً آخر: أي غير تلك المضغة إذ بعد نفخ الروح فيها صارت إنساناً.
أحسن الخالقين: أي الصانعين فالله يصنع والناس يصنعون والله أحسن الصانعين.
معنى الآيات:.
يخبر تعالى عن خلقه الإنسان آدم وذريته وفي ذلك تتجلى مظاهر قدرته وعلمه وحكمته والتي أوجبت عبادته وطاعته ومحبته وتعظيمه وتقديره فقال: ﴿ولقد خلقنا الإنسان﴾ ٢ يعني آدم عليه السلام ﴿من سلالة من طين﴾ أي من خلاصة طين جمعه فأصبح كالحمإ المسنون فاستل منه خلاصته ومنها خلق آدم ونفخ فيه من روحه فكان بشراً سويا ولله الحمد والمنة

١ هذه الجملة معطوفة على جملة: ﴿قد أفلح﴾ فهي من عطف جملة ابتدائية على مثلها: وهي كعطف قصة على أخرى، وهذا شروع في الاستدلال على التوحيد والبعث والجزاء بمظاهر القدرة والعلم والحكمة، وهي مقتضية لعقيدة كل من التوحيد والبعث الآخر حيث أنكرهما وكذّب بهما المشركون.
٢ جائز أن يكون المراد بالإنسان آدم، وأن يكون أحد ذريته إذ السلالة: الشيء المستل أي: المنتزع من غيره فالطينة مستلة من مادة الطين.
والمنيّ مستل كذلك من مادة ما يفرزه جهاز الهضم من الغذاء حين يصير دماً، وهذه السلالة مخرجة من الطين لأنها من الأغذية، والأغذية أصلها من الأرض وقوله تعالى: ﴿ثم جعلناه نطفة في قرار مكين﴾ هذا طور آخر للخلق وهو طور اختلاط السلالتين في الرحم، وسميت النطفة نطفة: لأنها تنطف أي: تقطر في الرحم في قناة معروفة وهي القرار المكين.

صفحة رقم 507

قوله: ﴿ثم جعلناه نطفة في قرار مكين﴾ أي ثم جعلنا الإنسان الذي هو ولد آدم نطفة من صُلْبِ آدم ﴿في قرار مكين﴾ هو رحم حواء ﴿ثم خلقنا النطفة﴾ المنحدرة من صلب آدم ﴿علقة﴾ أي قطعة دم جامدة تعلق بالإصبع لو حاول الإنسان أن يرفعها بإصبعه، ﴿خلقنا العلقة مضغة﴾ وهي قطعة لحم قدر ما يمضغ الآكل، ﴿فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام١ لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر٢﴾ أي إنساناً آخر غير آدم الأب، وهكذا خلق الله عز وجل آدم وذريته، ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾. وقد يصدق هذا على كون الإنسان هو خلاصة عناصر شتى استحالت إلى نطفة الفحل ثم استحالت إلى علقة فمضغة فنفخ فيها الروح فصارت إنساناً آخر بعد أن كانت جماداً لا روح فيها وقوله تعالى: ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ فأثنى الله تعالى على نفسه بما هو أهله أي تعاظم أحسن الصانعين، إذ لا خالق إلاّ هو ويطلق لفظ الخلق على الصناعة فحسن التعبير بلفظ أحسن الخالقين.
وقوله تعالى: ﴿ثم إنكم بعد ذلك لميتون﴾ أي بعد خلقنا لكم تعيشون المدة التي حددناها لكم ثم تموتون، ﴿ثم إنكم يوم القيامة تبعثون﴾ أحياء للحساب والجزاء لتحيوا حياة أبدية لا يعقبها موت ولا فناء ولا بلاء.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته.
٢- بيان خلق الإنسان والأطوار التي يمر بها.
٣- بيان مآل الإنسان بعد خلقه.
٤- تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنكرها الملاحدة والمشركون.

١ وقد أثبت علم الأجنة والشريح أن النطفة في طورها الثاني تعلق بجدار الرحم طيلة طورها الثاني فهي بمعنى عالقة ولا منافاة بين كونها علقة وعالقة.
٢ في الحديث الصحيح: "إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح..} الحديث فإذا نفخ فيه الروح تهيأ للحياة والنماء وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿ثم أنشأناه خلقاً آخر﴾ وروي أن يهود يزعمون أن العزل هو الموؤدة الصغرى، وأن عليّا رد هذا وقال: لا تكون موؤودة حتى تمر عليها التارات السبع أي: الأطوار التي في هذه الآية.

صفحة رقم 508
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية