آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

(ثم خلقنا النطفة علقة) أي أنه سبحانه أحال النطفة البيضاء علقة حمراء (فخلقنا العلقة مضغة) أي قطعة لحم غير مخلقة (فخلقنا المضغة) أي غالبها أو كلها، قولان حكاهما أبو السعود (عظاماً) أي متصلبة لتكون عموداً للبدن على أشكال مخصوصة.
(فكسونا العظام لحماً) من بقية المضغة أو مما أنبت الله سبحانه على كل عظم لحماً على المقدار الذي يليق به ويناسبه (ثم أنشأناه خلقاً آخر) مبايناً للخلق الأول أي نفخنا فيه الروح بعد أن كان جماداً، قاله ابن عباس، وبه قال مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبو العالية والربيع بن أنس والسدي والضحاك وابن زيد واختاره ابن جرير.
وقيل أخرجناه إلى الدنيا، وقيل هو نبات الشعر وقيل خروج الأسنان قاله ابن عباس، وقيل تكميل القوى المخلوقة فيه، وقيل كمال بابه، وقيل إن ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الرضاع إلى القعود والقيام إلى المشي إلى الفطام إلى أن يأكل ويشرب إلى أن يبلغ الحلم، ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها، والصحيح أنه عام في هذا؛ وفي غيره من النطق والإدراك وحسن المحاولة وتحصيل المعقولات إلى أن يموت، قال الكرخي: المعنى حولنا النطفة عن صفاتها إلى صفة لا يحيط بها وصف الواصفين.
(فتبارك الله) أي استحق التعظيم والثناء، وقيل مأخوذ من البركة

صفحة رقم 103

أي كثر خيره وبركته (أحسن الخالقين) أي المصورين والخلق في اللغة التقدير، يقال خلقت الأديم إذا قسته لتقطع منه شيئاً؛ فمعناه أتقن الصانعين المقدرين خلقاً في الظاهر، وإلا فالله خالق الكل.
عن صالح أبي الخليل: قال لما نزلت هذه الآية على النبي ﷺ إلى قوله: (ثم أنشأناه خلقاً آخر)، قال عمر رضي الله عنه: فتبارك الله أحسن الخالقين قال: " والذي نفسي بيده ختمت بالذىِ تكلمت به يا عمر ".
وعن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام؟ فأنزل الله: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)، وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجاباً؟ فإنه يدخل عليك البر والفاجر فأنزل الله: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب)، وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن فنزلت (عسى ربه إن طلقكن) الآية، ونزلت (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة) إلى قوله: (ثم أنشأناه خلقاً آخر) فقلت: فتبارك الله أحسن الخالقين، أخرجه الطيالسي وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر.
وعن زيد بن ثابت قال: أملى رسول الله ﷺ هذه الآية (ولقد خلقنا الإنسان) الآية، فقال معاذ بن جبل: فتبارك الله أحسن الخالقين، فضحك رسول الله ﷺ فقال له معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: " بها ختمت "، وفي إسناده جعفر الجعفي وهو ضعيف جداً، قال ابن كثير: وفي خبره هذا نكارة شديدة، وذلك أن هذه السورة مكية وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك إسلام معاذ إنما

صفحة رقم 104

كان بالمدينة والله تعالى أعلم (١).
_________
(١) ابن كثير ٣/ ٢٤٢.

صفحة رقم 105
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية