آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
ﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

قوله عز وجل:
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٨ الى ١١]
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١)
قرأ جمهور الناس «لأماناتهم» بالجمع، وقرأ ابن كثير «لأمانتهم» بالإفراد، والأمانة العهد تجمع كل ما تحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلا، وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك، ورعاية ذلك حفظه والقيام به، والأمانة أعم من العهد، إذ كل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد، وقد تعن أمانة فيما لم يعهد فيه تقدم، وهذا إذا أخذناهما بنسبتهما إلى العبد، فإن أخذناهما من حيث هما عهد الله إلى عباده وأمانته التي حملهم كانا في رتبة واحدة وقرأ الجمهور «صلواتهم»، وقرأ حمزة والكسائي «صلاتهم» بالإفراد، وهذا الإفراد اسم جنس فهو في معنى الجمع، والمحافظة على الصلاة رقب أوقاتها والمبادرة إلى وقت الفضل فيها، والْوارِثُونَ يريد الجنة، وروي من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أن الله تعالى جعل لكل إنسان مسكنا في الجنة ومسكنا في النار، فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار ويحصل الكفار في مساكنهم في النار، ويحتمل أن يسمي تعالى الحصول على الجنة وراثة من حيث حصلوها دون غيرهم، فهو اسم مستعار على الوجهين، والْفِرْدَوْسَ، مدينة الجنة وهي جنة الأعناب، واللفظة، فيما قال مجاهد، رومية عربت، والعرب تقول للكروم فراديس، وقال رسول الله ﷺ لأم حارثة: إنها جنان كثيرة وإن ابنك قد أصاب الفردوس الأعلى.
قوله عز وجل:
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٢ الى ١٤]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤)
هذا ابتداء كلام والواو في أوله عاطفة جملة الكلام على جملة وإن تباينت في المعاني، واختلف المفسرون في قوله الْإِنْسانَ فقال قتادة وغيره: أراد آدم عليه السلام لأنه استل من الطين ع ويجيء الضمير في قوله ثُمَّ جَعَلْناهُ عائدا على ابن آدم وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر وأن المعنى لا يصلح إلا له، نظير ذلك حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢] وغيره، وقال ابن عباس وغيره المراد بقوله الْإِنْسانَ ابن آدم، وسُلالَةٍ مِنْ طِينٍ صفوة الماء ع وهذا على أنه اسم الجنس ويترتب فيه أنه سلالة من حيث كان الكل عن آدم أو عن أبويه المتغذيين بما يكون من الماء والطين وذلك السبع الذي جعل الله رزق ابن آدم فيها، وسيجيء قول ابن عباس فيها إن شاء الله، وعلى هذا يجيء قول ابن عباس: إن «السلالة» هي صفوة الماء يعني المني، وقال مجاهد سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ: مني آدم ع وهذا نبيل إذ آدم طين

صفحة رقم 137

وذريته من سلالة، وما يكون عن الشيء فهو سلالته، وتختلف وجوه ذلك الكون فمنه قولهم للخمر سلالة لأنها سلالة العنب ومنه قول الشاعر: [الطويل]
إذا أنتجت منها المهار تشابهت... على العود إلا بالأنوف سلائله
ومن اللفظ قول هند بنت النعمان بن بشير:
سليلة أفراس تجللها بغل ومنه قول الآخر [حسان بن ثابت] :[الطويل]
فجاءت به عضب الأديم غضنفرا... سلالة فرج كان غير حصين
وهذه الفرقة يترتب مع قولها عود الضمير في «جعلنا وأنشأنا»، والنُّطْفَةَ تقع في اللغة على قليل الماء وعلى كثيره، وهي هنا لمني ابن آدم، و «القرار المكين» من المرأة هو موضع الولد، و «المكين» المتمكن فكأن القرار هو المتمكن في الرحم، والْعَلَقَةَ الدم الغريض، والْمُضْغَةَ بضعة اللحم قدر ما يمضغ، وقرأ الجمهور عِظاماً في الموضعين، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر «عظما» بالإفراد في الموضعين، وقرأ السلمي وقتادة والأعرج والأعمش بالإفراد أولا وبالجمع في الثاني، وقرأ مجاهد وأبو رجاء وإبراهيم بن أبي بكير بعكس ذلك، وفي قراءة ابن مسعود، «ثم جعلنا المضغة عظاما وعصبا فكسوناه لحما»، واختلف الناس في «الخلق الآخر»، فقال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد: هو نفخ الروح فيه، وقال ابن عباس أيضا: خروجه إلى الدنيا، وقال قتادة عن فرقة:
نبات شعره، وقال مجاهد: كمال شبابه وقال ابن عباس أيضا: تصرفه في أمور الدنيا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التخصيص كله لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجوه من النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها آخَرَ، وأول رتبة من كونه آخَرَ هي نفخ الروح فيه، والطرف الآخر من كونه آخَرَ تحصيله المعقولات، و «تبارك» مطاوع بارك فكأنها بمنزلة تعالى وتقدس من معنى البركة، وهذه الآية يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله آخَرَ قال فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فقال رسول الله ﷺ هكذا أنزلت، ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جبل، ويروى أن قائل ذلك هو عبد الله بن أبي سرح وبهذا السبب ارتد، وقال أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد وفيه نزلت:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [الأنعام: ٩٣]، الآية وقوله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ معناه الصانعين يقال لمن صنع شيئا خلقه ومنه قول الشاعر: [الكامل]
ولأنت تفري ما خلقت... وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس، فقال ابن جريج: إنما قال الْخالِقِينَ لأنه تعالى قد أذن لعيسى في أن يخلق، واضطرب بعضهم في ذلك، ولا تنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع وإنما هي منفية الاختراع والإيجاد من العدم، ومن هذه الآية قول ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا الله أعلم، فقال عمر: ما تقول يا ابن عباس، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله خلق

صفحة رقم 138
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية