آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

الإرث على حسب النّسب، وفى استحقاق الفردوس بوصف الإرث لنسب الإيمان فى الأصل، ثم الطاعات فى الفضل.
وكما فى استحقاق الإرث تفاوت فى مقدار السهمان: بالفرض أو بالتعصيب- فكذلك فى الطاعات فمنهم من هم فى الفردوس بنفوسهم، وفى الأحوال اللطيفة بقلوبهم، ثم هم خالدون بنفوسهم وقلوبهم جميعا لا يبرحون عن منال نفوسهم ولا (... ) «١» عن حالات قلوبهم.
قوله جل ذكره:
[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ١٢]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)
عرّفهم أصلهم لئلا يعجبوا بفعلهم.
ويقال نسبهم لئلا يخرجوا عن حدّهم، ولا يغلطوا فى نفوسهم.
ويقال خلقهم من سلالة سلّت من كل بقعه فمنهم من طينته من جردة «٢» أو من سبخة «٣» أو من سهل، أو من وعر.. ولذلك اختلفت أخلاقهم.
ويقال بسط عذرهم عند الكافة فإنّ المخلوق من سلالة من طين... ما الذي ينتظر منه؟! ويقال خلقهم من سلالة من طين، والقدر للتربية لا للتربة.
ويقال خلقهم من سلالة ولكنّ معدن المعرفة ومرتع المحبة، ومتعلق العناية منه لهم قال تعالى: «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ».
ويقال خلقهم، ثم من حال إلى حال نقلّهم، يغيّر بهم ما شاء تغييره.
قوله جل ذكره:
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٣ الى ١٤]
ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤)

(١) مشتبهة فى ص، م وربما كانت (ولا ينفكون).
(٢) الأرض الجردة التي لا نبات فيها.
(٣) السّبخة التي فيها ملح ونزّ ولا تكاد تنبت.

صفحة رقم 569

قطرة أجزاؤها متماثلة، ونطفة أبعاضها متشاكلة، ثم جعل بعضها لحما وبعضها عظما، وبعضها شعرا، وبعضها ظفرا، وبعضها عصبا، وبعضها جلدا، وبعضها مخّا، وبعضها عرقا. ثم خصّ كلّ عضو بهيئة مخصوصة، وكلّ جزء بكيفية معلومة. ثم الصفات التي للإنسان خلقها متفاوتة، من السّمع والبصر والفكر والغضب والقدرة والعلم والإرادة والشجاعة والحقد والجود والأوصاف التي يتقاصر عنها الحصر والعدّ.
قوله جل ذكره: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فى التفاسير أنه صورة الوجه، ويحتمل ما تركب فيه من الحياة، واختصّ به من السّمع والبصر والعقل والتمييز، وما تفرّد به بعض منهم بمزايا فى الإلهام العام للعقل وسائر الإدراكات.
ويقال «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ» : وهو أن هيّأهم لأحوال عزيزة يظهرها عليهم بعد بلوغهم، إذا حصل لهم كمال التمييز من فنون الأحوال فلقوم تخصيص بزينة العبودية، ولقوم تحرّر من رقّ البشرية، ولآخرين تحقق بالصفات الصمدية بامتحائهم عن الإحساس بما هم عليه وبه من الأحوال التي هى أوصاف البشرية.
قوله جل ذكره: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ خلق السماوات والأرضين بجملتها، والعرش والكرسىّ، مع المخلوقات من الجنة والنار بكليتها- ثم لمّا أخبر بذلك لم يعقبه بهذا التمدح الذي ذكره بعد نعت خلقه بنى آدم تخصيصا لهم وتمييزا، وإفرادا لهم من بين المخلوقات.
ويقال إن لم يقل لك إنّك أحسن المخلوقات فى هذه الآية فلقد قال فى آية أخرى:
«لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» «١».

(١) الآية ٤ سورة التين.

صفحة رقم 570
تفسير القشيري
عرض الكتاب
المؤلف
عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري
تحقيق
إبراهيم البسيوني
الناشر
الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر
سنة النشر
2000
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية