آيات من القرآن الكريم

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ

على العروش، وَبِئْرٍ، قيل هو معطوف على «العروش» وقيل على «القرية» وهو أصوب، وقرأت فرقة «وبيئر» بهمزة وسهلها الجمهور، وقرأت فرقة «معطلة» بفتح الميم وسكون العين وفتح الطاء وتخفيفها، والجمهور على «معطّلة» بضم الميم وفتح العين وشد الطاء، و «المشيد» المبني بالشيد وهو الجص، وقيل «المشيد» المعلى بالآجر ونحو. فمن الشيد قول عدي بن زيد:

شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور
شاد، بنى، بالشيد والأظهر في البيت أنه أراد علاه بالمرمر. وقالت فرقة في هذه الآية إن مَشِيدٍ معناه معلى محصنا، وجملة معنى الآية تقتضي أنه كان كذلك قبل خرابه ثم وبخهم على الغفلة وترك الاعتبار بقوله، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي في البلاد فينظروا في أحوال الأمم المكذبة المعذبة، وهذه الآية تقتضي أن العقل في القلب وذلك هو الحق ولا ينكر أن للدماغ اتصالا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ، فَتَكُونَ، نصب بالفاء في جواب الاستفهام صرف الفعل من الجزم إلى النصب، وقوله فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، لفظ مبالغة كأنه قال: ليس العمى عمى العين وإنما العمى حق العمى عمى القلب، ومعلوم أن الأبصار تعمى ولكن المقصد ما ذكرناه، وهذا كقوله عليه السلام، «ليس الشديد بالصرعة وليس المسكين بهذا الطواف». والضمير في فَإِنَّها للقصة ونحوها من التقدير وقوله الَّتِي فِي الصُّدُورِ، مبالغة كقوله يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ [آل عمران: ١٦٧] كما تقول: نظرت إليه بعيني ونحو هذا، والضمير في يَسْتَعْجِلُونَكَ لقريش، وقوله وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وعد ووعيد وإخبار بأن كل شيء إلى وقت محدود، و «الوعد» هنا مقيد بالعذاب فلذلك ورد في مكروه، وقوله وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ، قالت فرقة: معناه وَإِنَّ يَوْماً من أيام عذاب الله كَأَلْفِ سَنَةٍ مما تعدون من هذه لطول العذاب وبؤسه، فكأن المعنى فما أجهل من يستعجل هذا وقالت فرقة معناه وَإِنَّ يَوْماً عند الله لإحاطته فيه وعلمه وإنفاذه قدرته كَأَلْفِ سَنَةٍ عندكم ع وهذا التأويل يقتضي أن عشرة آلاف سنة وإلى ما لا نهاية له من العدد في حكم الألف ولكنهم قالوا ذكر الألف لأنه منتهى العدد دون تكرار فاقتصر عليه ع وهذا التأويل لا يناسب الآية، وقالت فرقة: إن المعنى أن اليوم عند الله كألف سنة من هذا العدد، من ذلك قول النبي ﷺ «إني لأرجو أن تؤخر أمتي نصف يوم»، وقوله «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم» ذلك خمسمائة سنة، ومنه قول ابن عباس: مقدار الحساب يوم القيامة ألف سنة فكأن المعنى وإن طال الإمهال فإنه في بعض يوم من أيام الله وكرر قوله وَكَأَيِّنْ لأنه جلب معنى آخر ذكر أولا القرى المهلكة دون إملاء بل بعقب التكذيب ثم ثنى بالمهملة لئلا يفرح هؤلاء بتأخير العذاب عنهم، وقرأت فرقة «تعدون» بالتاء، وقرأت فرقة «يعدون» بالياء على الغائب.
قوله عز وجل:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٩ الى ٥٤]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣)
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤)

صفحة رقم 127

المعنى قُلْ يا محمد إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ عذاب ليس إلي أن أعجل عذابا ولا أن أؤخره عن وقته، ثم قسم حالة المؤمنين والكافرين بأن للمؤمنين سترة ذنوبهم ورزقه إياهم في الجنة، و «الكريم» صفة نفي المذام، كما تقول ثوب كريم، وأن للكافرين المعاجزين عذاب الْجَحِيمِ وهذا كله مما أمره أن يقوله، أي هذا معنى رسالتي لا ما تتمنون أنتم، وقوله سَعَوْا معناه تحيلوا وكادوا من السعاية، و «الآيات» :
القرآن، أو كادوه بالتكذيب وسائر أقوالهم، وقرأت فرقة، «معاجزين»، ومعناه مغالبين كأنهم طلبوا عجز صاحب الآيات والآيات تقتضي تعجيزهم فصارت مفاعلة، وعبر بعض الناس في تفسير مُعاجِزِينَ بظانين أنهم يفلتون الله وهذا تفسير خارج عن اللفظة، وقرأت فرقة «معجّزين» بغير ألف وبشد الجيم ومعناه معجزين الناس أي جاعلوهم بالتثبيط عجزة عن الإيمان وقال أبو علي: «معجزين» ناسبين أصحاب النبي إلى العجز كما تقول فسّقت فلانا وزنيته إذا نسبته إلى ذلك، وقوله وَما أَرْسَلْنا الآية تسلية للنبي عليه السلام عن النازلة التي ألقى الشيطان فيها في أمنية النبي عليه السلام، وتَمَنَّى معناه المشهور أراد وأحب، وقالت فرقة هو معناها في الآية، والمراد أن الشيطان ألقى ألفاظه بسبب ما تمناه رسول الله ﷺ من مقاربة قومه وكونهم متبعين له قالوا: فلما تمنى رسول الله من ذلك ما لم يقضه الله وجد الشيطان السبيل، فحين قرأ رسول الله ﷺ النجم في مسجد مكة وقد حضر المسلمون والمشركون بلغ إلى قوله أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [النجم: ٢٠] ألقى الشيطان تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترجى قال الكفار هذا محمد يذكر آلهتنا بما نريد وفرحوا بذلك، فلما انتهى إلى السجدة سجد الناس أجمعون إلا أمية بن خلف فإنه أخذ قبضة من تراب ثم رفعها إلى جبهته وقال يكفيني هذا، قال البخاري: هو أمية بن خلف، وقال بعض الناس: هو الوليد بن المغيرة، وقال بعض الناس: هو أبو أحيحة سعيد بن العاصي ثم اتصل بمهاجرة الحبشة أن أهل مكة اتبعوا محمدا ففرحوا بذلك وأقبل بعضهم فوجد ألقية الشيطان قد نسخت وأهل مكة قد ارتبكوا وافتتنوا، وقالت فرقة تَمَنَّى معناه تلا والأمنية التلاوة ومنه قول الشاعر: [الطويل]

تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر
ومنه قول الآخر: [الطويل] «تمنى داود الزبور على رسل» وتأولوا قوله تعالى «إلا أماني» أي إلا تلاوة، وقالت هذه الفرقة في معنى سبب «إلقاء الشيطان» في تلاوة النبي عليه السلام ما تقدم آنفا من ذكر الله.

صفحة رقم 128
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية