آيات من القرآن الكريم

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: هَلْ تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ هُوَ الْعِلْمُ وَعَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْعِلْمِ هُوَ الْقَلْبُ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ: قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها الْعِلْمُ وَقَوْلُهُ: يَعْقِلُونَ بِها كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقَلْبَ آلَةٌ لِهَذَا التَّعَقُّلِ، فَوَجَبَ جَعْلُ الْقَلْبِ مَحَلًّا لِلتَّعَقُّلِ وَيُسَمَّى الْجَهْلُ بِالْعَمَى لِأَنَّ الْجَاهِلَ لِكَوْنِهِ مُتَحَيِّرًا يُشْبِهُ الأعمى.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى مِنْ عِظَمِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْذِيبِ أَنَّهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِاسْتِعْجَالِ الْعَذَابِ فَقَالَ:
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُخَوِّفُهُمْ بِالْعَذَابِ إِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ [الْحِجْرِ: ٧] يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ لِأَنَّ الْوَعْدَ بِالْعَذَابِ إِذَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا فَاسْتِعْجَالُهُ يَكُونُ كَالْخُلْفِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْجِلَ عَذَابَ الْآخِرَةِ فَقَالَ: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ يَعْنِي فِيمَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَشِدَّتِهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ لَوْ بَقِيَ وَعُذِّبَ فِي كَثْرَةِ الْآلَامِ وَشِدَّتِهَا فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوا حَالَ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ بِهَذَا الْوَصْفِ لَمَا اسْتَعْجَلُوهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ وَهُوَ أَوْلَى الْوُجُوهِ: الوجه الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ طُولُ أَيَّامِ الْآخِرَةِ فِي الْمُحَاسَبَةِ وَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى قَرِيبٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيَّامَ الْقَصِيرَةَ إِذَا مَرَّتْ فِي الشِّدَّةِ كَانَتْ مُسْتَطِيلَةً فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَيَّامُ الْمُسْتَطِيلَةُ إِذَا مَرَّتْ فِي الشِّدَّةِ. ثُمَّ إِنَّ الْعَذَابَ الَّذِي يَكُونُ طُولُ أَيَّامِهَا إِلَى هَذَا الْحَدِّ لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَسْتَعْجِلَهُ وَالوجه الثَّالِثُ: أَنَّ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ وَأَلْفَ سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ لِأَنَّهُ الْقَادِرُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَبْعِدُوا إِمْهَالَ يَوْمٍ فَلَا يَسْتَبْعِدُوا أَيْضًا إِمْهَالَ أَلْفِ سَنَةٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَالْمُرَادُ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَخَّرْتُ إِهْلَاكَهُمْ مَعَ اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ التَّأْخِيرِ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بِأَنْ أَنْزَلْتُ الْعَذَابَ بِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَعَذَابُهُمْ مُدَّخَرٌ إِذَا صَارُوا إِلَيَّ وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ قَالَ فِيمَا قَبْلُ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ [الحج:
٤٥] وَقَالَ هَاهُنَا: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها الْأُولَى بِالْفَاءِ وَهَذِهِ بِالْوَاوِ؟ قُلْنَا: الْأُولَى وَقَعَتْ بدلا عن قوله:
فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ [الحج: ٤٤] وَأَمَّا هَذِهِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا تَقَدَّمَهَا مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمَعْطُوفَتَيْنِ بِالْوَاوِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
أما قوله: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يُدِيمَ لَهُمُ التَّخْوِيفَ وَالْإِنْذَارَ، وَأَنْ لَا يَصُدَّهُ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ مَنَ الِاسْتِعْجَالِ لِلْعَذَابِ عَلَى سَبِيلِ الْهُزْءِ عَنْ إِدَامَةِ التَّخْوِيفِ وَالْإِنْذَارِ، وَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِلْإِنْذَارِ فَاسْتِهْزَاؤُكُمْ بذلك لا يمنعني منه.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١)

صفحة رقم 234
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية