
من الهدايا، فعبر عن هذا المعنى بلفظ: ينال مبالغة وتأكيدا، لأنه قال: لن تصل لحومها ولا دماؤها إلى الله، وإنما تصل بالتقوى منكم، فإن ذلك هو الذي طلب منكم، وعليه يحصل لكم الثواب، وقيل: كان أهل الجاهلية يضرجون البيت بالدماء فأراد المسلمون فعل ذلك فنهوا عنه ونزلت الآية كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ كرر للتأكيد لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ قيل: يعني قول الذابح: بسم الله والله أكبر، واللفظ أعم من ذلك.
إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا كان الكفار يؤذون المؤمنين بمكة، فوعدهم الله أن يدفع عنهم شرهم وأذاهم، وحذف مفعول يدافع ليكون أعظم وأعم «وقرئ يدافع بالألف، ويدفع بسكون الدال من غير الألف «١»، وهما بمعنى واحد، أجريت فاعل مجرى فعل من قولك عاقبة الأمر، وقال الزمخشري: يدافع: معناه يبالغ في الدفع عنهم، لأنه للمبالغة، وفعل المغالبة أقوى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ الخوّان مبالغة في خائن، والكفور مبالغة في كافر، قال الزمخشري: هذه الآية علة لما قبلها أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ هذه أول آية نزلت في الإذن في القتال، ونسخت الموادعة مع الكفار، وكان نزولها عند الهجرة، وقرئ أذن «٢» بضم الهمزة على البناء لما لم يسم فاعله، وبالفتح على البناء للفاعل وهو الله تعالى، والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه، وقرئ يقاتلون بفتح التاء «٣» وكسرها بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا أي بسبب أنهم ظلموا
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعني الصحابة، فإن الكفار آذوهم وأضروا بهم حتى اضطروهم إلى الخروج من مكة، فمنهم من هاجر إلى أرض الحبشة، ومنهم من هاجر إلى المدينة ونسب الإخراج إلى الكفار لأن الكلام في معرض إلزامهم الذنب ووصفهم بالظلم إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ قال ابن عطية هو استثناء منقطع لا يجوز فيه البدل عند سيبويه، وقال الزمخشري: أن يقولوا في محل الجر على الإبدال من حق وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ الآية تقوية للإذن في القتال وإظهار للمصلحة التي فيه، كأنه يقول لولا القتال والجهاد لاستولى الكفار على المسلمين وذهب الدين، وقيل: المعنى لولا دفع ظلم الظلمة بعدل الولاة، والأول أليق بسياق الآية، وقرأ نافع: دفاع بالألف مصدر دافع، والباقون بغير ألف مصدر دفع لَهُدِّمَتْ قرأ نافع وابن كثير بالتخفيف والباقون بالتشديد للمبالغة صَوامِعُ جمع صومعة بفتح الميم وهي موضع
(٢). قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم بالضم وقرأ الباقون بالفتح.
(٣). قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء والباقون بكسرها.

العبادة، وكانت للصابئين ولرهبان النصارى، ثم سمى بها في الإسلام موضع الأذان، والبيع جمع بيعة بكسر الباء وهي كنائس النصارى، والصلوات كنائس اليهود، وقيل: هي مشتركة لكل أمة، والمراد بها مواضع الصلوات، والمساجد للمسلمين، فالمعنى: لولا دفع الله لاستولى الكفار على أهل الملل المتقدمة في أزمانهم، ولاستولى المشركون على هذه الأمة فهدموا مواضع عباداتهم يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ الضمير لجميع ما تقدم من المتعبدات، وقيل: للمساجد خاصة وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ أي من ينصر دينه وأولياءه، وهو وعد تضمن الحض على القتال الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ الآية قيل: يعني أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: الصحابة، وقيل:
الخلفاء الأربعة لأنهم الذين مكنوا في الأرض بالخلافة ففعلوا ما وصفهم الله به.
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ الآية ضمير الفاعل لقريش، والخطاب للنبي ﷺ على وجه التسلية له والوعيد لهم نَكِيرِ مصدر بمعنى الإنكار عَلى عُرُوشِها العروش السقف فإن تعلق الجار بخاوية: فالمعنى أن العروش سقطت ثم سقطت الحيطان عليها فهي فوقها، وإن كان الجار والمجرور في موضع الحال: فالمعنى أنها خاوية مع بقاء عروشها بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ أي لا يستقى الماء منها لهلاك أهلها، وروي أن هذه البئر هي الرس، وكانت بعدن لأمة من بقايا ثمود، والأظهر أنه لم يرد التعيين، لقوله: «كأين من قرية» وهذا اللفظ يراد به التكثير وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أي مبنى بالشيد وهو الجص، وقيل: المشيد المرفوع البنيان قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ دليل على أن العقل في القلب، خلافا للفلاسفة في قولهم: العقل في الدماغ «١» فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ أي لا تعمى الأبصار عمى يعتد به، وإنما العمى الذي يعتد به عمى القلوب، وإن هؤلاء القوم ما عميت أبصارهم ولكن عميت قلوبهم، فالمعنى الأول لقصد المبالغة، والثاني خاص بهؤلاء القوم الَّتِي فِي الصُّدُورِ مبالغة كقوله: يقولون بأفواههم.
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ الضمير لكفار قريش وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ إخبار يتضمن الوعيد بالعذاب، وسماه وعدا لأن المراد به مفهوم وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ